دعوة ملكية لرعاية أكبر لدول التعاون الإسلامي الافريقية الأقل نموا

دعوة الملك محمد السادس إلى ضرورة إحاطة الدول الإفريقية الأقل نموا بالمنظمة بالمزيد من الرعاية والاهتمام تأتي ضمن مقاربة ملكية شاملة لتعزيز التكامل الاقتصادي والعدالة الاجتماعية في دول القارة الافريقية.

الرباط - وجه العاهل المغربي الملك محمد السادس خطابا للقمة الـ15 لمنظمة التعاون الإسلامي دعا فيه إلى ضرورة إحاطة الدول الإفريقية الأقل نموا بالمنظمة بالمزيد من الرعاية والاهتمام.

وتأتي الدعوة تناغما مع الرؤية الملكية الرامية لدفع التكامل والتعاون بين الدول الافريقية وتعزيز النمو والعدالة الاجتماعية والتي جسدها الملك محمد السادس من خلال طرح مبادرة تسمح بوصول دول القارة إلى الأطلسي وهي المبادرة التي باتت تجتذب اهتماما إقليميا ودوليا.

وانطلقت أشغال القمة أمس السبت في العاصمة الغامبية بانجول وتستمر اليوم الأحد، بينما تأتي في ظل تحديات اقتصادية وأمنية وتقلبات جيوسياسية أرخت بظلالها على النمو في افريقيا.  

وقال العاهل المغربي "بحكم انتماء المملكة المغربية إلى القارة الإفريقية وما يطبع علاقاتها مع بلدانها الشقيقة من أواصر إنسانية متجذرة وعرى روحية راسخة، نؤكد على ضرورة إحاطة الدول الإفريقية الأقل نموا، الأعضاء في منظمتنا بمزيد من الرعاية والاهتمام، لمواجهة شتى التحديات التي تؤثر على مسار تقدمها".

وشدد في الخطاب الذي تلاه نيابة عنه، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، على ضرورة أن تضاعف منظمة التعاون الاسلامي، من جهودها ومبادراتها تجاه الدول الافريقية الأقل نموا ضمن أطر التعاون والتضامن بين شعوبها، مؤكدا في الوقت ذاته على أهمية الاستفادة الجماعية من مجمل البرامج وخطط التنمية التي يتم اقرارها في قمم المنظمة واجتماعاتها.

كما عرض الملك محمد السادس إلى التحديات التي تواجهها الدول الافريقية الأعضاء في المنظمة من تهديدات متزايدة لأمنها الطاقي والغذائي ونموها الاقتصادي، موضحا أن هذه التحديات تنعكس سلبا على استقرار تلك الدول وبالنتيجة فإن ذلك يفاقم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية فيها.

التعاون جنوب - جنوب

وذكّر في السياق ذاته بأهمية التعاون جنوب - جنوب وبمبادرة الأطلسي كمسار لشراكة إفريقية التي تهدف في المقام الأول لتعزيز روابط التعاون والاندماج بين الدول الإفريقية المطلة على المحيط الأطلسي، بما يعزز من توطيد السلام والاستقرار والازدهار المشترك في المنطقة. وتهدف المبادرة لانفتاح أوسع يتيح تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي.

من شأن هذه المبادرة تمكين دول الساحل (مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد) من الدخول مباشرة إلى المحيط الأطلسي لتسويق منتجاتها، وتحقيق تنمية شاملة لمواطنيها، وهو ما يتماشى مع سياسة مغربية تبحث عن تمكين هذه الدول من التحكم في ثرواتها ومستقبلها.

وكان وزراء دول الساحل الإفريقي قد اتفقوا في 23 ديسمبر/ أيلول الماضي بمدينة مراكش المغربية، على إنشاء فريق عمل وطني في كل دولة لإعداد واقتراح سبل تفعيل المبادرة الدولية للملك محمد السادس، لاستفادة بلدان الساحل من المحيط الأطلسي.

وشدد الوزراء في البيان الختامي لأول اجتماع وزاري تنسيقي بشأن المبادرة بمشاركة مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد والمغرب، على الأهمية الإستراتيجية التي تكتسبها المبادرة الأطلسية والتي "توفر فرصا كبيرة للتحول الاقتصادي للمنطقة برمتها، بما ستسهم فيه من تسريع للتواصل الإقليمي وللتدفقات التجارية ومن رخاء مشترك في منطقة الساحل".

ويعتزم المغرب اعتماد خارطة طريق لاستفادة دول الساحل من المحيط الأطلسي رغم الصعوبات التي تواجه هذه الدول.

وتراهن الرباط على الجانب الاقتصادي من أجل إعادة الروح للتكتل الذي يضم كلا من مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد وموريتانيا، بينما تعد المبادرة، بحسب مراقبين، حلقة وصل مع المشاريع التنموية ضمن إطار شراكة "رابح رابح"، خصوصا مشروع أنبوب الغاز النيجيري المغربي الهادف لنقل الغاز من دول غرب أفريقيا إلى أوروبا.

قمة منظمة التعاون الاسلامي الـ15 تعقد في ظل توترات جيوسياسية وأزمات عالمية واقليمية متناثرة
قمة منظمة التعاون الاسلامي الـ15 تعقد في ظل توترات جيوسياسية وأزمات عالمية واقليمية متناثرة

وفي خطابه الموجه للقمة 15 لمنظمة التعاون الإسلامي السبت، أوضح الملك محمد السادس أن مشروع أنبوب الغاز المغرب- نيجيريا "ينهل من الروح التضامنية نفسها، باعتباره مشروعا للاندماج الجهوي والإقلاع الاقتصادي المشترك ولتشجيع دينامية التنمية على الشريط الأطلسي".

كما أشار إلى الظروف التي تنعقد فيها القمة والتي تأتي في ظل تقلبات واضطرابات جيوسياسية عالمية وهي الظرفية التي اتسمت بتفشي الأزمات والارتفاع المقلق لبؤر التوتر في العالم الإسلامي.

تحذير من تنامي التهديدات الأمنية والارهابية

ونبّه العاهل المغربي إلى "تنامي التهديدات الأمنية والإرهابية واستشراء نزعات التطرف والطائفية المقيتة وما يفضيان إليه من عنف"، مشيرا إلى أن القمة الـ15 لمنظمة التعاون الإسلامي تنعقد بينما لا تزال مناطق عدة في العالم الإسلامي ترزح تحت وطأة توترات سياسية وعسكرية واضطرابات أمنية، انعكست سلبا على الأحوال المعيشية في العديد من الدول الأعضاء في المنظمة خاصة الإفريقية منها.

وينظر المغرب بواقعية سياسية وعقلانية للوضع في المنطقة وأن تعزيز التعاون بين دول المنظمة يحتاج إلى إطار عمل وإلى تقييم واقعي وإلى اعتماد آليات محددة تسمح بتنفيذ البرامج والخطط التنموية.

وفي هذا السياق شدد الملك محمد السادس على أن توسيع آفاق العمل الإسلامي المشترك واستثمار القدرات الوطنية لبلدان المنظمة يتطلب ضرورة تقييما واقعيا وبناء لآليات تنفيذ برنامج عمل المنظمة.

كما أشار إلى أهمية ملاءمة الإطار القانوني والتشريعي ليكون متناغما مع حاجيات المجتمعات في ما يتعلق بالاستثمار والتجارة وتمكين القطاعات الإنتاجية من الاندماج والتكامل الاقتصادي المطلوب، موضحا أن منظمة التعاون الإسلامي ليست بمعزل عما يجري حولها من تحديات مع جيل جديد من الأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية والبيئية والصحية.

ودعا العاهل المغربي دول المنظمة إلى التكيف مع الاضطرابات الناشئة والعمل على مواجهة التحديات، مشيرا إلى أن استمرار التقلبات الجيوسياسية العالمية يلقي بظلاله على الاقتصاد العالمي كنتيجة طبيعية للضغط الحالي على سلاسل الإمداد العالمية بفعل الحروب والتهديد التي تتعرض لها ممرات الملاحة البحرية.

واعتبر أن الوضع الراهن يتطلب تبني مقاربات متجددة واعتماد برامج مبتكرة وقابلة للتنفيذ، بما يساعد على التخفيف من وطأة تلك الأزمات والحد من آثارها.

وقال إن كسب رهانات التنمية البشرية الشاملة والمستدامة وتحقيق الرفاه الاقتصادي، يقتضي استكشاف فرص التكامل والاندماج، لتحقيق المنفعة المشتركة.

الملك محمد السادس لفت كذلك إلى أن منظمة التعاون الاسلامي التي تأسست قبل 55 عاما في المغرب يمكنها بلوغ مرتبة التكتل المنتج للمعرفة والاستقرار والرفاه بفضل ما تتمتع به الدول الأعضاء من مؤهلات طبيعية وبشرية.

وتابع أن هذا التحول يمكن أن يعود بالنفع العام على دول المنظمة وعلى محيطها الإقليمي وعلى العالم، مضيفا أن المنظمة "فضاء تبتكر وتجتهد وتخطط وتتعبأ فيه، لإنجاز مشاريع عملية، واضعة نصب رؤيتها طموحها الأسمى للسلم والأمن الدوليين والتنمية المستدامة، والتقدم والرفاه الجماعي".