دنيا أبوطالب تحمل حلم السعوديين بـ'الذهبية' في أولمبياد باريس

إذا حقّقت الفتاة المحجّبة السمراء هدفها، ستكون أوّل رياضية سعودية تحرز ميدالية ذهبية في رياضة التايكوندو على الإطلاق في أولمبياد باريس، بل ستبصم على الذهبية الأولى لبلادها.

باريس/أبها (السعودية) - تتجه أنظار السعوديين غدا الأربعاء إلى أولمبياد باريس لرياضة التايكوندو وسط آمال في أن تظفر دنيا أبوطالب بالميدالية الذهبية كأول سعودية تحقق هذا الانجاز.  

بدورها تحلم أبوطالب بطلة آسيا للتايكوندو وأوّل سعودية على الإطلاق تتأهل للأولمبياد عبر التصفيات راهنا بالحصول على ذهبية أولمبية في باريس. وإذا حقّقت الفتاة المحجّبة السمراء هدفها، ستكون أوّل رياضية سعودية تحرز ميدالية على الإطلاق في اولمبياد باريس، بل ستبصم على الذهبية الأولى لبلادها.

وبدأت أبوطالب ممارسة التايكوندو مع الصبيان في ظلّ عدم السماح للنساء بممارسة الرياضة آنذاك،  وينطلق الأربعاء مشوارها في وزن -49 كلغ الأربعاء أمام الإسرائيلية أبيشاغ سيمبيرغ حاملة برونزية طوكيو صيف 2021.

لكنّ مشوار الفتاة صاحبة الابتسامة الواسعة التي تحظى حاليا بدعم واهتمام حكومي كبيرين وتنتشر صورها على اللافتات في الشوارع، بدأ مع الصبيان، في ظلّ عدم السماح للسعوديات بممارسة الرياضة حتى سنوات قليلة مضت.

وقالت ابنة السابعة والعشرين بعد أن انتهت من حصة تدريبية مسائية في أبها في جنوب غرب المملكة "بدأت التايكوندو حين كنت في الثامنة من عمري ولم يكن هناك دعم مثل الآن".

واسترجعت البدايات الصعبة بابتسامة كبيرة "كنت دائما العب مع الصبيان في مركز أولاد أصلا دون بنات. كنت ألبس ايسكاب (غطاء للرأس) لأغطي شعري حتى لا أظهر أنني بنت".

وقالت الفتاة المتحدّرة من مدينة جدّة الساحلية بتحد إنّ معاركة الرجال "ميّزتني وجعلتني قوية. أنا أحبّ التحدي".

ولعقود كانت المملكة الخليجية الثرية مغلقة اجتماعيا ولا تسمح للنساء بممارسة الرياضة. وجاءت أول مشاركة لرياضية سعودية في الأولمبياد عبر لاعبة الجودو وجدان شهرخاني خلال دورة لندن 2012 وعبر دعوة خاصة، لكنّها خسرت بعد 82 ثانية فقط، فيما حلت سارة عطار أخيرة في تصفياتها ضمن سباق 800 م.

ومنذ أن أصبح الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد في 2017، خفّفت السعودية من حدة القيود المفروضة على النساء، فسمحت لهن بقيادة السيارات وشجعتهن على العمل في مختلف القطاعات.

ورفعت السلطات حظرا على دخول النساء لملاعب كرة القدم وأطلقت دوري كرة القدم للنساء ومنتخبا وطنيا. واستفادت أبو طالبمن هذه الإصلاحات الاجتماعية فنالت دعما كبيرا من الاتحاد المحلي للعبة.

أبوطالب استفادت من خطة الاصلاح والانفتاح بقيادة ولي العهد السعودي
أبوطالب استفادت من خطة الاصلاح والانفتاح بقيادة ولي العهد السعودي

وانطلقت اللاعبة الحائزة على إجازة في الحقوق والتي لم تمارس مهنة المحاماة بعد، لتحصد أوّل ذهبية على الإطلاق للاعبات السعوديات في البطولة العربية في الإمارات في فبراير/شباط 2020.

ورغم إخفاقها في التأهل لأولمبياد طوكيو صيف 2021، تمكّنت من تحقيق برونزية وزن 53 كلغ في بطولة آسيا 2022، وبرونزية وزن 49 كلغ ببطولة العالم في المكسيك في العام ذاته.

وفي مارس/اذار الماضي، باتت أبوطالب أوّل سعودية على الإطلاق تتأهل للأولمبياد عبر التصفيات، قبل أنّ تتوج بذهبية بطولة آسيا 2024، الأولى للتايكوندو السعودي على الإطلاق. نتائج سمحت لها بالصعود إلى المركز الرابع عالميا في وزن -53 كلغ.

وقرب لافتة كبير تحمل صورتها داخل صالة التايكوندو في أبها، قالت أبوطالب "منذ البداية كنت أحلم بأنّ أكون بطلة للعالم وأشارك في الاولمبياد وأفوز بالذهب".

وتاريخيا، اكتفى الرياضيون السعوديون بأربع ميداليات أولمبية: فضيتان وبرونزيتان، وكلّهم للرجال.

والسعودية طامحة لأن تصبح قوّة رياضية عالمية، فاستقطبت نجوم كرة قدم عالميين يتقدّمهم البرتغالي كريستيانو رونالدو والبرازيلي نيمار وهي الوحيدة المرشحة لاستضافة مونديال 2034 لكرة القدم، مع استضافتها كأس آسيا 2027 ودورة الألعاب الآسيوية 2034.

كما تعد استضافة الأولمبياد "مبتغاها"، على ما أفاد وزير الرياضة السعودي الأمير عبدالعزيز بن تركي آل سعود في 2022.

ورغم ممارستها لعبة فردية غير شعبية، نالت أبوطالب اهتماما حكوميا كبيرا يتوافق مع الاهتمام بالنساء أخيرا في المملكة المحافظة التي بدأت مع الأمير محمد رحلة انفتاح اجتماعي واسعة ضمن خطة اقتصادية واجتماعية وثقافية طموحة.

واستقطبت السعودية المدرّب الروسي قربان بوغداييف الذي قاد التونسي محمد الجندوبي لفضية أولمبياد طوكيو، للإشراف على تدريب أبوطالب منذ نهاية 2021.

وقال بوغداييف "المرّة الأولى التي رأيت فيها دنيا كان مستواها منخفضا ولكني رأيتها متحمّسة للنمو وتحقيق إنجاز"، وبالطبع لم يكن يتوقع حينها تأهلها للأولمبياد، مضيفا بأنها "تتدرّب بقوّة وتؤمن بنفسها دائما وتثق بما يمكنها فعله".

وبداية يونيو/حزيران، نظم الاتحاد السعودي للتايكوندو دورة تدريبية في أبها استمرت 10 أيام وضمّت 24 لاعبا من 6 دول بينهم لاعبان تأهلا للأولمبياد من الغابون وفلسطين.

ولنحو ساعتين أدّت أبوطالب تدريبات للياقة وأخرى قتالية، مرتدية خوذة رأس زرقاء ووسادة ركل متفادية برشاقة لافتة ضربات لاعبة روسية وأخرى من أوزبكستان.

وقال رئيس اتحاد التايكوندو السعودي شداد العمري إنّ "إعداد بطل أولمبي يحتاج سنوات طويلة وهو مشروع دولة"، مشيرا إلى أنّ أبوطالب تطوّرت خلال فترة قصيرة من "لاعبة غير مصنّفة للاعبة قرب قمة التصنيف".

وبالنسبة لمدرّبها الروسي فإنّ أهم شيء قبل الأولمبياد هو "إعداد الصحة الذهنية والنفسية والسيطرة على الضغوطات"، مشيدا بـ"القوّة الذهنية" للاعبته.

وتدرك أبوطالب تماما هذه الضغوطات لكنها تبدي عزما كبيرا وتصميما، قائلة "أنا مرتاحة وكل تركيزي في التدريب"، مضيفة "كأوّل امرأة سعودية تتأهل للأولمبياد وصلت لمرحلة قاتل أو مقتول. وصلت إلى مكان يجب أن أحقق فيه إنجازا".

وتابعت بإصرار "أدرك أنّ كل آمال السعوديين عليّ... هذا شيء يُحفّز لكن يضغط على اللاعب. اعتقد أني بإذن الله سأحقق شيئا كبيرا".