دول الخليج مستعدة للحوار مع إيران.. فهل تُنهي الأخيرة عداءها؟

تعددية في السياسة الإيرانية ومن الطبيعي أن توجد التناقضات لكن عند القرار فإنَّ الأمر يصبح بيد خامنئي شخصًيا أما التصريحات والتهديدات التي يطلقها الحرس الثوري أو الشخصيات المتطرفة في إيران فلا يجب أخذها بجدية وغالبًا موجهة للاستهلاك المحلي.

بقلم: محمد بن صقر السلمي

خلال جولته في الدول الإسكندنافية جدد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف دعوته لانطلاق حوارٍ بنّاء مع دول الخليج العربي والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص. يقول ظريف خلال جلسةٍ حواريةٍ عُقدت في العاصمة السويدية استكهولم: «عندما كنت في الكويت، أخبرت الكويتيين، أننا مستعدون للحوار مع السعودية بدءًا من الغد إذا كانت هي مستعدة لذلك». وقال: «إنهم يتحدثون كلامًا غريبًا وعجيبًا، يقول السعوديون إنّ ظريف ليس مؤثرًا، ومشكلتنا مع اللواء قاسم سليماني، ولكي تعلموا أنهم كاذبون، عندما أصبحت وزيرًا تحدثت إلى اللواء سليماني، واقترحنا على سعود الفيصل أننا مستعدون للحديث حول اليمن والبحرين والعراق وسوريا ولبنان، وبعثتُ رسالةً حول الاقتراح نفسه إذا كنتم تؤمنون بقولكم إنني كبير المروجين للنظام فإنَّ اللواء سليماني سيتحدث معكم».

يُكرر ظريف دائمًا في جولاته الخارجية وبخاصة في الدول الأوروبية مثل هذه التصريحات ليعطي انطباعًا للجمهور هناك بأنَّ الإشكالية في الحوار مع دول الجوار ليست من الجانب الإيراني بل من الجانب العربي وبخاصة المملكة العربية السعودية.  وتقدم طهران مبرراتٍ كثيرة لإثبات ذلك فأحيانًا تقول إنَّ السعودية غير جاهزة لأسبابٍ سياسيةٍ داخلية، وأخرى بأنَّ الرياض لا تستطيع أن تتخذ أيّ خطوةٍ تعارض التوجه الأمريكي، وثالثة بأنَّ السعودية ترغب في استمرار التوتر مع الجانب الإيراني وتُشجع العقوبات ضد طهران وبالتالي هي غير راغبةٍ في الحوار والتفاوض مع الجانب الإيراني في الوقت الراهن. هذه السردية الإيرانية قد تؤثر في المتلقي الغربي ولا سيَّما الأوروبي؛ لأسبابٍ كثيرةٍ ليس هذا المقال مجالًا لسردها. لكن الواقع الذي تدركه طهران قبل غيرها وبعيدًا عن المماحكات الإعلامية والتعبيرات الدبلوماسية البراقة أنَّ جميع دول الخليج العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية جاهزةٌ للحوار مع إيران وتسعى لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة لكنها في الوقت ذاته تدرك جيدًا، وبحكم تجارب الماضي وشواهد الحاضر، أنَّ التصريحات التي تطلقها الحكومة الإيرانية، وعلى وجه الخصوص وزارة الخارجية هناك، ليست مؤثرة في ديناميكية صنع القرار وليست في الغالب رسائل سياسية يمكن أخذها بجدية كبيرة. الأهم من ذلك كله، أنَّ انعدام الثقة العربية في الجانب الإيراني بسبب ثنائية الثورة والدولة وتناقضات المواقف في غالب الأحيان وعلى وجه الخصوص عند الحديث عن العلاقات مع دول الجوار العربي يجعل الجانب العربي يتجاهل تمامًا كافة التصريحات وينظر نحو الأفعال على واقع الأرض، ومن هنا فقط يمكنه فهم حقيقة السياسة الإيرانية تجاه الإقليم وأهدافها وتوجهاتها.

في أحد المؤتمرات في أوروبا، قال دبلوماسي إيراني سابق مشهور ومقرب من الحكومة الإيرانية أنَّ هناك تعددية في التوجهات السياسية في إيران ومن الطبيعي أن تسمعوا بعض التناقضات لكن عند لحظة اتخاذ القرار فإنَّ الأمر يصبح مركزيًا بيد المرشد الأعلى علي خامنئي شخصًيا. أما التصريحات والتهديدات التي يطلقها الحرس الثوري أو الشخصيات المتطرفة في إيران فلا يجب أخذها بجدية وغالبًا موجهة للاستهلاك المحلي. سألت هذا الدبلوماسي مباشرة في عام 2018 قال اللواء ناصر شعباني القائد في الحرس الثوري في حديثه مع وكالة فارس: «قلنا لليمنيين (الحوثيين) أطلقوا النار على ناقلتي البترول السعوديتين، وقد فعلوا ذلك»، هل هذه الخطوة كانت بتصرفٍ ذاتيٍّ من الحرس الثوري خارج دائرة اتخاذ القرار المركزية التي تتحدث عنها، أم كانت بموافقةٍ وأوامر من خامنئي؟ فإذا كانت تصرفًا من الحرس الثوري فقط فهذا يثبت موقف دول المنطقة بأنَّ هناك ثنائية الثورة والدولة، أما إذا كان القرار جاء من الإدارة المركزية فهذا أشد خطرًا؛ لأنه قرارٌ يثبت عدائية النظام الإيراني تجاه دول الجوار وبخاصة السعودية ناهيك عن أنه في كلا الحالتين دليلٌ دامغٌ على تلقي الحوثي الأوامر من طهران. لم يقدم الدبلوماسي الإيراني أيّ إجابة سوى أن الحالة اليمنية مختلفة ولها ظروفها.

هذا المثال وغيره شواهد كثيرة تؤكد على حقيقة أنَّ لدى السعودية وبقية دول الخليج المتضررة من السلوك العدائي الإيراني كافة المبررات لعدم أخذ دعوات ظريف للحوار بجدية كبيرة وإذا كان الأمير سعود الفيصل -رحمه الله- قد أوضح ذلك لظريف- كما يزعم- قبل نحو ست سنوات فإنَّ الموقف لايزال كما هو لأنَّ السياسة العدائية الإيرانية على واقع الأرض لم تتراجع فحسب، بل ازدادت عداءً مقارنة بظروف عام 2013م. أما مقترح ظريف بالتحاور مع قاسم سليماني فهو مقترحٌ مضحكٌ للغاية؛ لأن سليماني شخصيةٌ ملطخةٌ أيديها بدماء الأبرياء ومصنّفةٌ إرهابيةٌ والاقتراح بالتفاوض مع سليماني بالنسبة لدول المنطقة كاقتراح التفاوض والحوار مع زعيم داعش أبو بكر البغدادي أو زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري.

على طهران أن تعود إلى الواقعية السياسية وتراجع نمط تعاطيها مع دول الجوار العربي إذا ما أرادت الوصول إلى علاقاتٍ طبيعيةٍ وثقةٍ متبادلةٍ تقود نحو ازدهارٍ اقتصاديٍّ ومصالحَ تجاريةٍ مشتركةٍ بين ضفتي الخليج العربي.

نُشر في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية