ديمقراطيو تونس يراهنون على السبسي لتوحيد صفوفهم

الأزمة السياسية تدفع القوى الديمقراطية إلى الاستنجاد بالرئيس لتوحيدهم ضد النسق التصاعدي لهيمنة حركة النهضة على المشهد السياسي.

تونس- دفعت الأزمة السياسية في تونس وما رافقها من تداعيات على الأوضاع العامة بعدد من القوى الديمقراطية إلى الاستنجاد بالرئيس الباجي قائد السبسي إلى توحيد "العائلة الوطنية" ضد النسق التصاعدي لهيمنة حركة النهضة على المشهد السياسي.

وترى القوى السياسية والمدنية أن الأزمة التي تشهدها البلاد منذ أشهر وسط اختلال الخارطة السياسية فسحت المجال أمام حركة النهضة لمزيد التموقع في مراكز القرار السياسية والإداري الأمر الذي بات يهدد مفهوم الوحدة الوطنية.

ومساء الاثنين دعا حزب حركة مشروع تونس الذي يرأسه محسن مرزوق الرئيس السبسي إلى "لعب دور رئيسي في توحيد مكونات "العائلة الوطنية العصرية" وذلك "حفاظا على التوازن والاستقرار" في البلاد.

ورأى الحزب في بيان له أن "الدور الذي يجب أن يقوم به رئيس الجمهورية لا يتعارض مع التزاماته الدستورية بل يتكامل معها" في إشارة ضمنية إلى حياده تجاه مختلف مكونات المشهد السياسي سواء منها السياسية أو المدنية.

وتعكس دعوة مشروع تونس موقف عديد القوى منها نداء تونس الذي يقود الحكومة وحزب البديل الذي يرأسه مهدي جمعة رئيس الحكومة السابق وحزب المبادرة الذي يرأسه كمال مرجان وآفاق تونس الذي يتزعمه ياسين إبراهيم وغيرها من الأحزاب اللبرالية والعلمانية.

ويرى مراقبون أن هكذا دعوة جاءت لتؤكد مدى أهمية المخاوف التي تساور ديمقراطي تونس خاصة وأن البلاد قادمة على انتخابات برلمانية ورئاسية من المقرر إجراؤها في شهر نوفمبر من العام القادم.

ويشدد محمد الكيلاني زعيم الحزب الاشتراكي على أنه "حان الوقت لكي تتجاوز القوى الديمقراطية خلافاتها وتترفع عن حساباتها الضيقة لتتوحد في إطار قوة وطنية واحدة بناء على نوع من عقد اجتماعي ذي مضمون سياسي".

وقال الكيلاني لميدل ايست أونلاين فإن "قائد السبسي الذي أسس نداء تونس في صائفة 2012 لمواجهة أجندة الإسلاميين بإمكانه أن يساهم في توحيد الديمقراطيين بوصفه عنصر توازن ورئيسا لدولة مدنية".

محسن مرزوق
مرزوق أبرز المراهنين على السبسي

وخلال الأشهر الماضية قاد عدد من رؤساء الأحزاب اللبرالية والعلمانية جهودا في مسعى إلى بناء "جبهة ديمقراطية" غير أن جهودهم باءت بالفشل نظرا لتباين مواقفهم تجاه الشأن العام وخاصة خلفيات الأزمة السياسية.

ومن المفارقات أنه في الوقت الذي تتحدث أوساط سياسية عن محاولة النهضة استثمار عائدات الأزمة السياسية بما في ذلك الزج بالرئيس السبسي على أنه جزء من الأزمة تروج الأحزاب اليسارية المعارضة إلى أن السبسي هو فعلا جزء منها.

وقادت المفارقة، كما يذهب إلى ذلك محللون، إلى تعميق الخلافات بين "العائلة الوطنية الديمقراطية" من جهة، وإلى تمكين النهضة من فرص أوسع للمناورة والمخاتلة ما دفع بالمراقبين إلى القول بأن يوسف الشاهد رئيس الحكومة بات رهينة لديها.

وتضمن بيان مشروع تونس إشارة واضحة إلى ذلك إذ شدد على "ضرورة المعالجة الفورية للأزمة في أعلى هرم السلطة داعيا الشاهد إلى المساهمة النشطة في المعالجة من خلال الانسجام مع الإطار السياسي الذي انبثق منه حفاظا على سير دواليب الدولة وعلى وحدة العائلة الوطنية من انقسامات لا تنفع سوى "المنافس السياسي الذي يعتمد سياسة فرق تسد"، في تلميح إلى النهضة.

وشدد الحزب على أن "أصل الأزمة الوطنيّة الحاليّة هي أزمة حكومة وحكم، أصلها سياسي ويتطلب حلا سياسيا يتمثل في تجميع كافة القوى الوطنيّة حتى تتوفّر القيادة السيّاسية الوطنيّة القويّة القادرة على إدارة دفة الحكم بكفاءة وفاعلية".

ويرى مراقبون أن الأزمة السياسية التي عمقتها النهضة بخروجها عن حالة الإجماع الوطني قادت إلى فتور العلاقة بين الرئيس السبسي وراشد الغنوشي.

وتعمق فتور العلاقة بين الرجلين الذين كثيرا ما راهنا عن تحالفهما في أعقاب اتصالات أجراها السبسي مع عدد من رؤساء الأحزاب الديمقراطية وحثهم خلالها على رص صفوفهم وتجاوز خلافاتهم من أجل بناء قوة سياسية ديمقراطية مدنية.

ويبدو استنجاد الديمقراطيين بالرئيس السبسي مؤشرا قويا على المخاوف التي تساورهم بشأن مآلات الأزمة في ظل غياب أي مبادرة أو حتى نوع من التسوية السياسية.

وقال محمد الكيلاني إن "المسارات السياسية التي انتهجتها النهضة خلال السنوات الثمانية الماضية هدفت بالأساس إلى إضعاف القوى الديمقراطية واللعب على خلافاتها ما أدى إلى انسداد الأفق السياسي أمامها، والأزمة الحالية ما هي إلا نتيجة لذلك".

وتتجه أنظار التونسيين اليوم إلى قصر قرطاج أكثر مما تتجه إلى الحكومة أو الأحزاب السياسية خاصة بعد ما بات يعرف بعملية "التطهير" التي أقدم عليها السبسي والتي تم بمقتضاها تعيين الحبيب الصيد رئيس الحكومة السابق مستشارا له.

ويرى مراقبون أن السبسي قد يكون بدأ التمهيد لمبادرة من شأنها أن تعزز أداء مؤسسة الرئاسة لا فقط بشأن توحيد العائلة الوطنية وإنما أيضا بشأن إدارة الأوضاع العامة بعد أن أصبح الرئيس السبسي عنصر التوازن الوحيد في ظل الأزمة السياسية.