د. هادي حسن حمّودي: من متون اللغة والتراث إلى ضفاف الشواطئ العُمانيّة

د. هادي حسن حمّودي

* هل البداية مع الدراسات اللغوية؟ أم مع غيرها؟
- مع الدراسات اللغوية، ففي مرحلة الماجستير في بغداد، قمت بتحقيق كتاب "مجمل اللغة" وفي مرحلة دكتوراه الدولة في السوربون قدمت دراسة عن "منهج البحث اللغوي" كشفت فيها عن نظريّة "الأصول اللغويّة" التي نالت صدى جيدا في دراسات علم اللغة. ثم قدمت دراسة عن "الأصوات اللغوية" إلى جامعة "ترينيتي" للحصول على الـPhD وفي تلك المرحلة قمت بتدريس المواد اللغوية والنحويّة في جامعة وهران في الجزائر وهكذا لكم أن تقولوا ان البداية كانت مع اللغة

* ما دمنا في حديث اللغة، وما دام الصراع على أشدّه مع العولمة، فهل ترون صحة ما يقال من أن اللغة العربيّة ستزول لصالح اللغة الانكليزية؟

- لا أعتقد ذلك بالرغم من أن هناك جهودا محمومة للقضاء على اللغة العربيّة وهذه الجهود ليست وليدة العولمة، وإنما هي مستمرة عبر التاريخ. فقد حاول الفرس في العهد السلجوقي، وحاول الأتراك في الدولة العثمانيّة، وحاول الفرنسيون في المغرب العربي، تونس والجزائر والمغرب وباءت جهودهم بالفشل.

* ولماذا كان الفشل؟ هل ثمّة أسباب علميّة؟ أم هي مصادفات تاريخيّة؟ خاصة وان باحثين مشهورين، مثل الدكتور لويس عوض وسعيد عقل ومستشرقين كثيرين قد أخذوا على اللغة العربيّة مؤاخذات كثيرة؟

- لا مصادفات تاريخيّة، بل أسباب علميّة واضحة، ومع الأسف فثمّة قضايا أصبحت من المسلّمات في الدراسات التاريخية والتراثية غير اننا إذا أعدنا قراءتها بعقل واع، يعرف الرجالَ بالحقّ لا الحقَّ بالرجال، أمكن أن نتعرّف على مدى الزيف الكبير الذي ضاع في خضمّه الدارسون فاللغة العربيّة أقدم اللغات، وأقربها إلى الطبيعة، وتلك أصواتها دالّة عليها وهكذا لغة لا تزول.

* ولكن، كيف نفهم ذلك ونحن نعلم أنّ اللهجات كانت قبل أن تتكوّن الفصحى؟

- هذه نظرة مغلوطة وغير علميّة، فاللهجات مسألة مفتعلة، والخلافات بين ألفاظ قبيلة وأخرى كانت قليلة وهيّنة وإنما شاعت مسألة اللهجات لأنها تحمل تفسيرا سهلا مريحا ومنسجما مع الركود العامّ وجمود الحركة الاجتماعية ذاتها، والنوازع الذاتية أيضا وانظر كيف تطور موضوع اللهجات إلى تقرير التناقض بين القبائل العربية ذاتها، بل انّ توصيف "العربية" سُحب من قبائل عديدة، ثم أعيد تصنيفها الى أصول غير عربية، قد تكون حبشية وعبرانيّة، كما في حالة قبائل اليمن وعُمان، أو فارسيّة وهنديّة كما في حالة قبائل العراق، أو غير ذلك في المواضع الأخرى.

* مع هذا يبقى الاعتراض واردا، فطه حسين ذهب إلى أنّ قبائل جنوب الجزيرة تختلف عن قبائل الشمال، وذكر لذلك مثالا عن مجيء موفد من الشمال، الى الجنوب، وحين قال له أمير اليمن "ثِبْ" بمعنى إجلس، رمى نفسه من فوق الجبل، لأنّ كلمة ثب في لغة الشمال، معناها اقفز؟

- هذا وهم وتحميل للنصوص أكثر مما تحتمل، وعلى الضدّ من طبائع الأشياء ذلك انّ نظرة تحليلية للنص الموما إليه يؤكد ما نراه فأولا، أين هو راوية النّصّ؟ وما مقدار الثقة بمرويّاته؟ وكم الفارق الزمني بينه وبين الحادثة؟ ومن رواها له ما دام لم يشهدْها بنفسه؟وثانيا، فلنفترض أنّ الحادثة صحيحة وأنّ هناك رجلا ذهب الى أمير اليمن أو ملكها، وأنّ ذلك الأمير أو الملك كان على قمة جبل (لاحظ الجو المسرحي الذي يحيط بالرواية كلها) ثم نفترض أن الأمير طلب من الرجل أن يرمي بنفسه من أعلى الجبل، فلماذا نفّذ الرجل مشيئة الأمير؟ لماذا رمى بنفسه من ذلك العلوّ الشاهق لتُدقّ عنقه، وهو يعلم مسبقا أنّه سيموت؟ وهل يصحّ أن تكون الحماقة قد بلغت به الى تلك الدرجة في الوقت الذي تقول الرواية أنه كان موفدا من قومه ومرسلا الى أمير اليمن؟ وهل يعتمد القوم في الشمال على مثل هذا في وفادتهم وإيصال رسائلهم؟ ثمّ انّ رواية هذه الحادثة التي لم تحدث أصلا متناقضة كثيرا في كتب التراث، مما يضعف قيمتها العلميّة وثالثا، يبدو من مجريات الرواية أنّها حدثت قبيل ظهور الاسلام، وأيّاً كانت المدة الفاصلة بين الرواية وظهور الاسلام، فانّ الشواهد التاريخيّة تؤكد أن الأوس والخزرج، وهما القبيلتان اللتان شكّلتا كتلة الأنصار في المدينة المنوّرة، أصلهما من الأزد من قبائل الجنوب، ولم تكن "لهجتهما" ذات اختلافات تُذكر عن "لهجات" بقيّة القبائل و"لهجة" أهل المدينة لم تكن غريبة على أهل مكة ولا على غيرهم من قبائل العرب، بدليل وفود القبائل المتنوعة الى المدينة لتدخل في الدين الجديد، وهي قبائل من الشمال والجنوب؟

كما انّ لهجات تلك القبائل "إن وجدت تلك اللهجات" لم تكن غريبة على أهل المدينة، لقد كان القوم يتكلّمون بلسان واحد، قد يكون ملوّنا بعادات نُطقية لا ترقى لأن تكون لهجة، ناهيك عن أن تكون "لغة". وأخيرا فهؤلاء شعراء الجاهلية والاسلام، كثير منهم ذوو أصول جنوبيّة، ليس بدءا بامرئ القيس ولا انتهاء بالمتنبي، ولغتهم هي ذاتها اللغة العربية المعروفة.

* إذن، من أين جاءت قضية اللهجات وكيف وصلت الى ما وصلت اليه؟

- فتّش عن العنصريّة وهذه مسألة يشهد بها كثير من القدماء والمعاصرين واتخذت في العصر الحديث صفة العلم، بجهود عبرانيّة واضحة ولا تنسَ أن الأحبار، ومنذ أن بدأت الدراسات اللغوية الحديثة زعموا أنّ العبرية هي أقدم لغات العالم، وأنّها لغة الفطرة، وزعموا أنك لو أخذت وليدا جديدا وحبسته في غرفة، كي لا يختلط بالآخرين وأوصلت اليه طعامه وشرابه من غير أن تتكلّم معه، فانّه لن ينطق إلا اللغة العبريّة وهذه خرافة إن كانت قد سادت فترة لدى بعض الباحثين، فانّ التجارب العلميّة أثبتت أن الطفل المعزول عن الأصوات لن يتعلّم الكلام بأية لغة كانت، إلى أن يختلط بالآخرين فيأخذ لغتهم وقد أتعب كيشارد E. Guichard نفسه كثيرا في إبراز فكرة التناسق الصوتي في اللغات المتفرّعة عن العبريّة، وصولا الى قوله أنّها اللغة الأم لجميع البشر وحين لم تسعف الشواهد التاريخيّة على إثبات هذه المقولة، وحين دلّلت على إثبات وجهة أخرى، قرّر باحثو اللغة الغربيون إخراج الموضوع من ميادين "علم اللغة" بحجّة عدم وجود شواهد علميّة كافية ذلك أنهم لم يكونوا يريدون من تلك الشواهد إلا أن تثبت قدم العبريّة وكونها اللغة الأم لشعوب العالم أما حين دلّت الشواهد على انّ اللغة العربيّة أكثر قِدما من العبريّة، وأنها اللغة الأم لما جاء بعدها من لغات، فقد عمد أولئك الباحثون الى اتخاذ عدة خطوات لاخفاء الحقيقة وتوجيه الشواهد العلميّة وجهة غير علميّة، بإخراج موضوع نشأة اللغة من ميدان دراسات علم اللغة، والادعاء بأنه ليس موضوعا علميا وتلقّف جماعتنا بشكل عام، هذا القرار، لأن بعضهم استراح اليه واستنام لديه، وبعضهم لم يشأ أن يكون من المخالفين وبعضهم آثر السلامة لئلا يرمَى بالجهل أو الرجعية أو التخلّف العقلي أو الجمود الفكري

* قد يبدو اعتراض على مسألة أن العربيّة أقدم اللغات، فهناك اللغات السامية الأخرى كالأكدية والبابلية وهي تختلف كتابة عن اللغة العربية، كما تختلف نُطقا؟

- أما الاختلاف النطقي فلا يمكن إثباته لأن أصوات أولئك الناس قد ضاعت في طيات الفضاء، فلم يكن هناك "مسجلات" صوتيّة كي نعرف مدى تطابق أصواتهم مع أصوات اللغة العربية أو اختلافها وأما الاختلافات الكتابية، فأمر طبيعي، لأن الكتابة ليست لغة ولا جزءا من اللغة، فهي "رسم" يحاول تصوير الأصوات اللغوية ولك أن تقارن اليوم بين كتابة الباء والتاء والزاي والراء وغيرها في العربيّة والانكليزيّة مثلا، فسترى اللفظ متماثلا والكتابة مختلفة.

* وما قولك في الكشوف الأثريّة كمسلّة حمورابي وحجر رشيد؟

- لا تنسَ انّ معلوماتنا الآثارية أخذناها عن باحثين أجانب ومستشرقين، وليس من الضروري أن تكون نتائجهم متوافقة تماما مع الواقعات التاريخيّة، ويكفي أن نمثّل هنا بملحمة "كلكامش" التي تغيّرت ترجماتها أكثر من ستّ مرّات، لاعتمادها على اجتهادات، وأحيانا على أهواء لا بدّ من تناولها بحذر وأناة، أو أن يتّخذ أهل الشأن شأن ثقافتهم الماضية والحاضرة والمستقبلية بأيديهم

* ما دامت هناك تشابهات صوتيّة بين العربيّة والانكليزية وغيرهما أيضا، فتكون تلك اللغات قديمة أيضا، وهذا يخالف ما وصلت اليه البحوث العلميّة؟

- التشابهات لا تؤخذ بين لغة قديمة وأخرى حديثة، إلا باعادة اللغة الحديثة إلى أصلها القديم وتعرفون أن اللغات الأوروبية قد سبقتها اللاتينيّة والرومانيّة وغيرهما، وأصوات تلك اللغات أيضا قريبة من العربيّة ونعتقد أنّها مأخوذة من العربيّة، وقد سبق أن برهنت على هذا في نظريّة الأصول اللغويّة وفي الدراسة المقارنة للأصوات بين العربية والفرنسيّة والانكليزية إن التوافق الصوتي بين اللغة والطبيعة، يقطع بما لا شكّ فيه بقدم اللغة، وأنها الأصل الذي انبثقت عنه اللغات الأخرى المبتعدة عن تلك العلاقة بين الانسان والطبيعة، ويحدث ذلك الابتعاد بشكل متصاعد بفعل التطوّر الذي يحدث للناس، والذي يضع الفواصل المتراكمة عبر الزمان، فلا يعود المرء قادرا على تكوين لغة جديدة وها نحن الآن، وبرغم كل التطوّر الموجود في العالم، عاجزون عن تكوين صوت جديد، أو حرف جديد، وليس مردّ ذلك إلا لانفصالنا الكبير عن "معايشة" الطبيعة وظواهرها، وهي المعايشة التي تؤهل الانسان لتقليد الأصوات الطبيعية أولا ثم لتطوير ذلك التقليد الى حروف لها معنى تتجمّع في كلمات تكوّن أساس اللغة.

* مما يتعلّق بما نحن فيه، كيف ترى مستقبل اللغة العربيّة، في خضمّ وسائل الاتّصال المعاصرة وتأثيراتها الثقافيّة والنفسيّة والاجتماعيّة، وهل ثمّة مؤامرة تستهدف اللغة العربيّة وثقافتها وتراثها وقيمها؟

- سؤال جدير بأن نقف عنده، فثمة إثارات من قبل بعض الكتاب، وخاصّة في دول العالم النامي حول مسألة تأثير وسائل الاعلام العالمية على الشعوب والأمم، ويصورون الأمر وكأن هناك "مؤامرة" على تلك الشعوب والأمم، وكأنّ تلك الشعوب بلغت بها السذاجة الى درجة أضحت معها لا تحسن التفكير ولا الاختيار ويرى هؤلاء أنّ تلك الشعوب، مؤهّلة بسذاجتها للوقوع في أحابيل تلك "المؤامرة" التي يرون لها تأثيرات في جميع جوانب الحياة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية وعلى البنى الأخلاقية والسلوك اليومي للناس غير ان هذه الاثارة تفتقد الى الأرضية الصلبة التي يجب أن تتوفر لها كي تحظى بالمصداقية فمن الصحيح جدا أن دول العالم وشركاته العملاقة تبني سياساتها على وفق مصالحها، وبالتالي فان وسائل اعلامها ستكون وسيلة من جملة وسائل لتحقيق تلك المصالح ولكن من الصحيح أيضا، أنّ العالم اليوم بيت من زجاج، وجدران غرفه من الزجاج أيضا، فلا تخفى فيه خافية، فلم تعد ثمة حاجة للتخفي وراء الستار والتآمر بالضد من الآخرين، فالستار نفسه لم يعد موجودا، وأصبحت الأمور متجلية واضحة لا تحجبها سحب الدخان، ولا يمكن الاحتفاظ بها طيّ الكتمان فمن الذي سينخدع بما يرى ويقرأ ويسمع إلا الذين يعيشون خارج متون التاريخ؟ وهذا يعني أن تطور أي بلد من بلدان العالم النامي، وأخذه بمنهج علمي سديد في بناء حاضره ومستقبله بوعي، وبفهم عميق لمتطلبات البلاد، من جهة، والموازين العالمية، والعلاقات الدولية، من جهة أخرى وترسيخ المسيرة العامّة للدولة على أسس ثابتة رصينة ومكينة في نفوس الناس، ومتجذرة في أعماقهم، ومن ثم رعايتها بالتوجيه السليم المبني على العلم والوعي، أيضا، من شأنه أن يقوم بافشال أي مخطط إعلامي معاد، وأيّ ثقافة تخريبية تريد أن "تغزو" شعبا ما، أو مجتمعا ما.

* وهل يمكن تجاهل تأثير أساليب التشويق والاستثارة في تقديم تلك الرسائل الاعلاميّة؟

- لا ننكر أن طريقة التقديم، وأساليب التشويق، ومواصلة الالحاح على قضية معينة، ستترك شيئا من الأثر المراد من وراء المرسلة الاعلامية، ولكن هذا الأثر يتفاوت من شعب الى شعب، ومن بلد الى بلد، بل ومن إنسان الى إنسان، ويمكن الحد من سلبياته بالتثقيف المستمر والتوعية المتواصلة، وتزايد الانجازات الوطنية، وتعميق الصلة بين جميع أجزاء المجتمع، من الحكومة وسائر أبناء الشعب ثم هذه هي طبيعة الحياة، لا بد لها من ظاهرة الصراع الأزلي بين الخير والشر، ولكن تلك الظاهرة ليست شيئا غيبيا، بل هي أمر واقعي وحقيقي فيجب وضعها في إطارها العصري الملائم لها، والانتباه إلى مستقبل الصراع نفسه، وأنه محسوم بانتصار الخير إن نصره أهله والدول القوية في ذاتها، الواثقة من خطواتها ترتضي حرية الرأي شعارا وسلوكا، لأنها تدرك أن القوة الذاتية لأبنائها ستواصل سموّها وتصاعدها، ولن تستطيع أيّ من قوى الظلام أن تشوّهها أو تحرفها عن مسيرتها وقيمها.

* وهل هذه المنطلقات التي تؤمن بها على الصعيد الشخصي، هي التي قادتك إلى سلطنة عُمان؟ ترى كم كتبت عنها؟

- لحدّ الآن، أنجزت عشرين كتابا، عن تراث عُمان ونهضتها المعاصرة. كما تمّ الانتقال من التخصّص اللغوي إلى التخصّص في الشؤون العُمانيّة، فكيف؟ ساعدني التخصّص اللغوي كثيرا في كتاباتي عن عُمان، فما يتّصل بالتراث، هو لغويّ أو ذو علاقة باللغة، مثل كتاب العين، وكتاب الماء، والأمالي العُمانيّة، والخليل بن أحمد، وابن دريد، وغيرها وأما ما يتّصل بالنّهضة العُمانيّة المعاصرة، فيرتكز على التحليل البنيوي للخطاب السياسي العُماني المعاصر، في مناحيه الشاملة للاقتصاد والاجتماع والثقافة والعلاقات الدولية وهذا التحليل ينطلق من ذات منطلقات التحليل اللغوي، مع توشيجه بالمنجزات الواضحة للعيان، فكان أن كتبت في هذا الاتجاه: الفكر السياسي العُماني، الفكر الاقتصادي العُماني، الفكر الاجتماعي العُماني، سلطنة عُمان من النطق السامي إلى النظام الأساسي، الوعد والوفاء، وغيرها.

*هذه الكتب تبيّن تأثّرك بعُمان تراثا وحاضرا؟

- أما التراث فهو تراث العرب، فمن عُمان انطلق العلماء كالخليل وابن دريد وأبي محمد الأزدي وغيرهم وأما الحاضر، فلذلك قصّة أذكرها لك. في أيار/مايو ١٩٩١ قمت بأول زيارة الى سلطنة عُمان قبل أن تهبط الطائرة في مطار السيب في مسقط، حوّمت بنا فوق العاصمة، بيوت حديثة متناثرة بلونها الأبيض كعقد من اللؤلؤ انفرطت حبّاته البِيض على مساحة واسعة من الأرض ما بين البحر والجبال والرمال الصفر لقد كان المنظر من الأعلى أخّاذا بشكل يصعب على الوصف، وكأنّ مسقط تكشف عن جمالها من أوّل نظرة، بحيث يأخذك الحلم إلى أعماق التاريخ، وتستعيد منه صورا خالدة من مراكز الحضارة الأصيلة كانت ثمّة أسئلة تدور في خاطري: كم قطعت عُمان من طريق الألف ميل نحو دخول هذا العصر والتأثير في أحداثه؟ وكم التفتت الى نفسها في خضم الأحداث الساخنة والباردة التي شهدتها المنطقة؟ وهذا انشغال مبرَّر ومشروع، فهذه البلاد لم تستطع أن تبدأ مسيرتها التنموية إلا في سنة 1970 وما إن بدأت أولى خطواتها حتى اصطدمت بمشكلات عنيفة في جنوب البلاد وما إن انتهت تلك المرحلة حتى اندلعت في المنطقة حرب شرسة بين أقوى دولتين فيه، وهي الحرب العراقية الايرانية التي لا بد انها ألقت بظلالها وكلكلها على جميع دول المنطقة وفي سنة ١٩٩١ بالذات كانت المنطقة لم تلتقط أنفاسها بعد، نتيجة ما حدث بين العراق والكويت، وتداعيات ذلك، حيث كانت زيارتي بعد ثلاثة أشهر فقط من توقّف المعارك فالى أيّ مدى استطاع العمانيون استيعاب تلك الصدمات والتعامل معها والحد من تأثيراتها على مسيرتهم التنموية؟ وأستطيع أن أقول انّ ما شاهدته أدهشني حقّا، غير انّ ذلك الاندهاش، تحوّل إلى أمر طبيعيّ جدّا، بعد أن درست النّهضة العُمانيّة المعاصرة، فرأيت ما حقّقه العُمانيّون أمرا طبيعيا تماما بناء على الخطط العلميّة الموضوعة لتطوير البلاد.

*وهل من مشاريع جديدة عن عُمان؟

- انتهيت من الجزء الأول من "التاريخ السياسي العُماني" الذي تناول الفترة منذ بدء الخليقة إلى سنة 1970 وأكاد أنجز الجزء الثاني منه والمخصّص لفلسفة النّهضة العُمانيّة، وبعده سيأتي الجزء الثالث، الذي سيتناول الفترة من 1970 إلى الآن، إن شاء الله

د هادي حسن حمّودي، الباحث المتخصص في الشؤون العمانية (نبذة)

- باحث وجامعي عراقي مقيم في لندن درّس في جامعات متعددة في البلاد العربيّة وخارجها

- أمين عام المجمع العلمي للبحوث والدراسات (م ع ب د) ومقرّه في لندن

- مؤلّفات: خمسة وثلاثون كتابا، في التراث وقضايا العصر الحديث، منها"مجمل اللغة"، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ٥ أجزاء، "الفكر السياسي العماني"، دار رياض الريس، "الفكر الاجتماعي العماني"، مسقط، "الفكر الاقتصادي العماني"، مسقط، "الفكر واللغة"، بيروت، "العين للخليل - منظّم على الألف باء مع إعادة التحقيق"، مسقط ٦ أجزاء، "سلطنة عمان من النطق السامي إلى النظام الأساسي"، مسقط، "كتاب الماء"، مسقط في ثلاثة أجزاء، "أوضح المسالك"، بيروت مجلدان، "المقامات"، بيروت، "الخليل بن أحمد"،مسقط، "ابن دريد"، مسقط، "شرح ابن عقيل، على مخطوطة نادرة"، بيروت، "أحمد بن فارس"، بيروت، "معجم الأصمعي"، بيروت، "فهرس المخطوطات العربيّة في مكتبة باريس"، باريس، وغيرها إضافات إلى مقالات وبحوث في الدوريات والمجلات العربية والأجنبيّة.