ذهاب الى جذور الإرهاب

حاربت الولايات المتحدة الإرهاب في العالم. اليوم تلتفت إلى جذور الظاهرة.

في حال ذهبت الإدارة الاميركية الى النهاية في وضع الاخوان المسلمين كـ"منظمة إرهابية"، على غرار تصنيفها لـ"الحرس الثوري" الايراني، يتبيّن مرّة أخرى، اقلّه نظريا، مدى جدّية هذه الإدارة من جهة ومعرفتها العميقة بالشرق الاوسط من جهة أخرى. فمن رحم "الاخوان"، ولدت كلّ التنظيمات المتطرفة، بما في ذلك "القاعدة" و"داعش".

ليس الارهابي أسامة بن لادن سوى خريج مدرسة الاخوان المسلمين. امتلك ما يكفي من زاد اخواني ليصل الى مرحلة جنّد فيها ما يكفي من الإرهابيين، من جنسيات مختلفة، كي ينفّذ غزوتي نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من أيلول – سبتمبر 2001. فعل ذلك باسم الإسلام في حين ان الدين الإسلامي براء من مثل هذا النوع من الممارسات التي تصبّ في خدمة كلّ ما له علاقة بتمزيق المنطقة العربية عبر الصراعات المذهبية وتأليب الرأي العام الدولي على المسلمين.

يشكلّ التقدم في الموقف الاميركي على صعيد تصنيف الاخوان المسلمين كـ"منظمة إرهابية" خطوة في طريق الذهاب الى الجذور، أي الى جذور الإرهاب في المنطقة العربية وما يتجاوز المنطقة العربية. لا يعني ذلك في طبيعة الحال حصر الإرهاب بالسنّة، خصوصا ان افضل من استغلّ الاخوان من اجل تنفيذ مآربه هو ايران. لعلّ افضل دليل على ذلك، الإحاطة الايرانية بإخوان مصر عندما استولوا على السلطة في السنة 2012 واوصلوا محمد مرسي الى رئاسة الجمهورية. من يتذكّر زيارة الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد للقاهرة وحرصه على الذهاب الى جامعة الازهر؟

هناك من استخدم الاخوان المسلمين الى ابعد حدود. تظلّ ايران بين افضل من فعل ذلك. الموضوع ليس محصورا فقط في طبيعة تنظيم اسمه تنظيم الاخوان المسلمين. الموضوع الاهمّ في استخدام جهات معيّنة، عربية وغير عربية، للإخوان المسلمين في خدمة اهداف محددة. الأخطر من ذلك كلّه، ان الاخوان تسللوا عبر سنوات طويلة الى الإدارات المهمّة في معظم الدول العربية وتحولوا الى شبكة تجسس في خدمة هذه الدولة المعروفة او تلك التي توفّر لهم المأوى والتمويل وحرية التنقل.

لا يقتصر النشاط التخريبي للإخوان على توفير الخدمات لجهات معيّنة عربية أحيانا وغير عربية في أحيان كثيرة. يشمل هذا النشاط خدمة كلّ ما من شأنه خلق أوضاع غير مستقرّة في ايّ مكان يستطيعون الوصول اليه. يظلّ دورهم في اليمن وقطاع غزّة ابرز دليل على ذلك الشبق الذي لا حدود له الى السلطة لدى الاخوان.

ماذا فعل الاخوان في اليمن؟ وماذا فعلوا في غزّة؟ في اليمن كانوا في خدمة ايران، وان بطريقة غير مباشرة، وفي قطاع غزّة كانوا في خدمة إسرائيل وايران في الوقت ذاته. لعبوا في اليمن الدور الأساسي الذي أوصل البلد الى ما وصل اليه. ركبوا موجة الاحتجاجات على علي عبدالله صالح في العام 2011 وتحولوا رأس الحربة في اسقاط النظام الذي كان على رأسه الرئيس الراحل، وهو نظام كانت له حسنات كما كانت له سيئات. نجدهم في نهاية المطاف انّهم كانوا في خدمة الحوثيين الذين اصبحوا الطرف الرابح من تشظي اليمن. يلعبون حاليا دورا خبيثا في الحؤول دون أي تغيير ذي طابع عسكري على الأرض. في كل جبهة يتولّى الاخوان مسؤوليتها، هناك جمود. يعتقدون ان الوقت يعمل لمصلحتهم وانّهم سيتمكنون يوما من اقتسام اليمن مع الحوثيين.

هذا لا يعني ان علي عبدالله صالح كان ملاكا وان نظامه لم يكن يحتاج الى اصلاح. لكنّ ثمة فارقا بين السعي الى تدمير ما بقي من مؤسسات الدولة اليمنية عبر ركوب موجة "الربيع العربي" وبين لعب دور إيجابي في مجال التغيير والتفكير في الوقت ذاته بالخطر الحوثي الذي كان ماثلا في كلّ وقت.

في غزّة، اثبت الاخوان المسلمون ممثلين بحركة "حماس" انّهم قادرون على افشال المشروع الوطني الفلسطيني. عملوا دائما على نشر فوضى السلاح وخدمة اليمين الإسرائيلي الذي لم يتوقف عن ترديد ان "لا شريك فلسطينيا يمكن التفاوض معه". الّبوا العالم على الفلسطينيين عندما نفذوا عمليات انتحارية في الضفة الغربية وفي الداخل الإسرائيلي من اجل تحقيق هدف واحد. يتمثل هذا الهدف في الوصول الى ما وصلت اليه القضية الفلسطينية، فضلا عن وضع قطاع غزّة تحت الحصار. لم يكن من هدف للاخوان المسلمين في فلسطين سوى تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني، من مجتمع منفتح على نفسه وعلى العالم، الى مجتمع تمثله صورة ذلك الملثم المتزمت الذي يريد تحرير فلسطين من البحر الى النهر او من النهر الى البحر، لا فارق.

لعبت إدارة باراك أوباما دورا في دفع الاخوان المسلمين الى الواجهة. كان في تلك الإدارة، التي اختزلت كل مشاكل الشرق الاوسط بالملفّ النووي الايراني، شخصيات لا تريد ان تعرف شيئا عن المنطقة باستثناء انّها لا تستأهل اكثر من ان تكون تحت حكم الاخوان المسلمين. لم يوجد في إدارة أوباما من يطرح ولو سؤالا واحدا عن البرامج التعليمية التي سعى الاخوان الى تمريرها في غير بلد عربي بما في ذلك مصر والسعودية والكويت ودولة الامارات والأردن، على سبيل المثال وليس الحصر.

ان تعي الولايات المتحدة خطورة المشروع الاخواني خطوة في الطريق الصحيح. لكنّ ما لا يمكن تجاهله ان بداية التصدّي لهذا المشروع كانت عربية. من تصدّى له كان الشعب المصري اوّلا الذي نزل الى الشارع واسقط النظام الذي سعى الاخوان الى فرضه على المصريين عبر واجهة متخلّفة اسمها محمّد مرسي. كان مرسي يتمتع بدعم إيراني وتركي في آن. لم يكن للتظاهرات الكبيرة الشعبية الكبيرة التي اسقطت حكم الاخوان ان تنجح لولا تلك الجرأة العربية في التصدّي لمحاولة اخذ مصر الى مكان آخر. كانت الترجمة الفورية لهذه الجرأة المساعدات الكبيرة لمصر التي كان مصدرها المملكة العربية السعودية والكويت ودولة الامارات العربية المتحدة. ما يمكن قوله الآن ان مصر تمرّ في مرحلة مصيرية وذلك بغض النظر عن التزمت السياسي على الصعيد الداخلي الذي يعبر عنه سلوك النظام القائم. ما لا يمكن تجاوزه او تجاهله ان مصر لم تعد أسيرة غزّة، كما في عهد محمد مرسي. صارت مصر تؤثر في غزّة وليس العكس. اضافة الى ذلك، هناك تحسن كبير على الصعيد الاقتصادي تؤكده لغة الأرقام. هذه لغة لا تخطئ.

في النهاية، ليس التغيير الذي حصل في موقف الولايات المتحدة سوى ثمرة جهد طويل مرشح لان ينجح في غير مكان. في أساس هذا الجهد وعي عربي لخطورة المشروع الاخواني الذي يهدّد كل دولة عربية. الأكيد انّ انقاذ مصر من براثن الاخوان شكّل نقطة تحوّل. من المهمّ في المرحلة المقبلة تفادي سقوط تونس والجزائر حيث يتحرّك الاخوان في الخفاء أحيانا والعلن في أحيان اخرى من اجل ان يكون لهم موقع مميز في هذين البلدين بعد اخراجهم من السودان.