رؤية مسرحية لقوارب الموت في عرض 'الشقف' التونسي

مسرحية فازت بالعديد من الجوائز تغوص في الدوافع الاجتماعية والسياسية لهجرة عدد كبير من الأشخاص بطريقة غير قانونية عبر البحر المتوسط.
لكل مهاجر حكاية ليست مدفوعة بالضرورة بعوامل اقتصادية
رحلات الموت توحد بين العرب والأفارقة
المسرح الأقدر على إيصال الرسائل

تونس - تغوص مسرحية "الشقف" بمقاربة فنية فريدة في الدوافع الاجتماعية والسياسية التي نادرا ما يحكى عنها لهجرة عدد كبير من الأشخاص بطريقة غير قانونية عبر البحر المتوسط، لتنتهي رحلاتهم في أحيان كثيرة على نحو مأسوي.
وهذا العمل المسرحي "الشقف"، وتعني باللهجة المحلية التونسية قارب صيد صغير، من إخراج التونسية سيرين قنون واللبناني مجدي أبو مطر وهي تكتسي أهمية خاصة في المنطقة العربية وإفريقيا حيث تسجّل موجات من الهجرة غير القانونية باتجاه السواحل الأوروبية أملا في حياة أفضل، غير أن الموت يترصد المهاجرين في كثير من الأحيان.
وتقول سرين قنون بمناسبة انتهاء سلسلة عروض للمسرحية في تونس في سياق حملة توعية للمنظمة الدولية للهجرة انطلقت نهاية 2018 "يهمني معرفة من هم هؤلاء المهاجرين غير القانونيين ولماذا يُسارع أغلبهم نحو الموت".
وسعت قنون من خلال عملها المسرحي إلى التأكيد على أن ظاهرة الهجرة لا تقتصر بالأساس وكما هو متداول على دوافع اقتصادية مرتبطة بتدني المستوى المعيشي في بعض البلدان فقط، بل تتجاوز ذلك الى أسباب اجتماعية وسياسية في بعض الأحيان.
وتضيف "حاولت ان أكون صوتهم كي لا يتحولوا إلى مجرد أرقام وصور تعج بها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، في حين أن لكل منهم حكاية ليست مدفوعة بالضرورة بعوامل اقتصادية".
وتُتَداول في وسائل الإعلام وكذا في مواقع التواصل الاجتماعي باستمرار أخبار عن غرق أو فقدان لمهاجرين عرب وأفارقة من بينهم من يأتون إلى تونس بغية الوصول إلى جزيرة لمبيدوزا الإيطالية.

وكان البحر المتوسط لسنوات أكثر بحر مميت في العالم للمهاجرين مع نسبة وفيات سجلت ارتفاعا كبيرا.
وتفيد الأرقام التي نشرتها مفوضية الأمم المتحدة مطلع 2019 أن 2262 مهاجرا لقوا حتفهم أو اعتبروا مفقودين لدى محاولتهم اجتيازه في 2018، مقابل 3139 في 2017.
وستعرض مسرحية "الشقف" وهي من إنتاج "فضاء الحمراء" للفنان التونسي الراحل عز الدين قنون في ربيع 2019 في كلّ من فرنسا وإيطاليا ولبنان.
وتقول لورينا لاندو ممثلة المنظمة الدولية للهجرة بتونس "ندعم هذا العمل الفني بهدف فتح نقاش مباشر ومغاير حول مسألة الهجرة غير القانونية من أجل مشروع هجرة عادل"، مبررة دعم العمل بأن المسرح "مساحة للتفكير أقدر على إيصال الرسائل لأن له تاثيرا مباشرا".
الهجرة لتعلم الرقص
وشارك في المسرحية سبعة ممثلين يجسدون أدوار مهاجرين من أصول عربية وإفريقية، وقد بدوا مثقلين بمآسي أوطانهم، محشورين في القارب الصغير الذي تتقاذفه أمواج البحر فيتملكهم الرعب والتوتر حين يعلمون أنهم مهددون بالغرق والموت.
وتبدأ المسرحية التي تمتد على أكثر من ساعة، بمشهد لأشخاص يحاولون التسلل إلى القارب وسط العتمة للإبحار خلسة باتجاه الضفة الأخرى من المتوسط بعد أن دفعوا مبلغا ماليا مقابل ذلك جمعوه بصعوبة.
ويبرز في هذا العمل حضور الممثلة اللبنانية الشابة صوفيا موسى التي جسدت دور ياسمين القادمة من جنوب لبنان.
وأقدمت ياسمين على حرق أصابعها لمحو بصماتها لتتمكن من طمس هويتها وانتحال شخصية فتاة سورية حتى تستطيع الهجرة إلى أوروبا حيث تطمح الى احتراف الرقص و"القطع مع العادات والتقاليد والأحكام المسبقة التي تعرقل طموحها"، وفقا للممثلة.
وتقول لوكالة فرانس برس بعد العرض إن "شخصية ياسمين تمثل صوت الشباب الثائر الذي يدفع ثمن الحروب السياسية والعقائدية وحتى الأخلاقية في المنطقة العربية"، واصفة "عملية انتحال شخصية أخرى بقمة المأساة".

كان البحر المتوسط لسنوات أكثر بحر مميت في العالم للمهاجرين مع نسبة وفيات سجلت ارتفاعا كبيرا

ومنذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011 فرّ ملايين الأشخاص من الحرب الطاحنة في بلدهم إلى الخارج، وضمن أمواج اللاجئين السوريين الذين توافدوا على أوروبا انتحل عدد من الشباب العرب الهوية السورية بهدف الحصول على وضع قانوني يسمح لهم بالإقامة فيها.
وتتسارع فصول المسرحية، وتمضي الممثلة السورية ندى الحمصي بدورها في تجسيد الواقع السوري المأساوي بلباس تغلب عليه الألوان الداكنة.
الهروب من زيف الخطابات السياسية
يحاول الشاب التونسي بيرم إيجاد موضع له في "قارب الموت" المزدحم للمرة الرابعة على التوالي، هروبا من "زيف" الخطابات و"الوعود الكاذبة" للطبقة السياسية بعد ثورة 2011 وكذلك "الاغتيالات السياسية" التي هزت تونس عام 2013.
أما مواطنه أسامة، الشاب المثلي، فقد أقحم نفسه في مجازفة خطيرة هربا من النظرة القاسية للمجتمع التونسي لهذه الفئة التي ظلّت "منبوذة اجتماعيا" في تونس رغم أن الثورة أثارت آمالا كبيرة بأن تسير البلاد على طريق تعزيز الحريات الفردية والعامة والتطوير القانوني.
والمثلية الجنسية من المحظورات القانونية والاجتماعية في تونس.
وتكشف التونسية ريم عن ظواهر اجتماعية تفاقمت من بينها الرشوة والمحسوبية التي تقف عائقا أمام رغبتها في العيش بكرامة في تونس.
ومن دولة بنين، يصوّر شابان الواقع المتأزم في دول إفريقيا جنوب الصحراء، حيث تنتشر أعمال العنف والنزاعات المسلحة والاستغلال الجنسي.
وقد حصلت المسرحية على عشر جوائز من بينها "الجائزة الكبرى" في البحرين وجائزة "العمل المتكامل" في الأردن.
وترى سرين قنون التي احتكت بمهاجرين لمدة طويلة خلال التحضير لعملها الجديد، أن "المسرح سلاح نرفعه ضد شبكات تهريب المهاجرين" حتى ننجح في رفع "مستوى الوعي بمخاطر الهجرة غير القانونية".