رئاسيات الجزائر تعمق الفجوة بين شباب طموح وسلطة صمّاء

الشرطة اوقفت عشرة أشخاص على الأقل من بين المتظاهرين في العاصمة الذي كان أغلبهم من الطلاب الشباب الرافضين لانتخابات الرئاسة المقرر إجراءها الخميس.
توقعات بامتناع الشباب عن التصويت في الانتخابات الرئاسية
أعمار أكثر من نصف سكان الجزائر تقل عن 30 عامًا
الصمت الانتخابي بدأ بمظاهرات مؤيدة وأخرى رافضة للاستحقاق الرئاسي

الجزائر - فرقت الشرطة الجزائرية الاثنين تظاهرة معارضة للانتخابات، قادها طلاب جامعيون ومن المرحلة الثانوية، ردّا على تظاهرة مؤيدة للانتخابات انطلقت من موقع غير بعيد بوسط العاصمة الجزائرية.

وقامت الشرطة بتوقيف عشرة أشخاص على الأقل من بين المتظاهرين، وهم نحو 200 طالب من الجامعة المركزية بشارع ديدوش مراد ومن ثانوية بابا عروج الملتصقة بها وكذلك بعض المارة الذين التحقوا بهم.

وهتف الطلاب "لا للانتخابات مع العصابات" و"12/12 لا يجوز" في إشارة إلى الانتخابات الرئاسية المنتظرة الخميس 12 كانون الأول/ديسمبر.

وأكد عبدالكريم، 22 سنة، "كنا داخل الجامعة في وقفة تأييد للإضراب العام الذي بدأ (الأحد) وخرجنا عندما شاهدنا المؤيدين للسلطة يتظاهرون، دون مشاكل". وتابع "أردنا أن نعبر عن موقفنا الرافض للانتخابات كما عبروا هم".

وبعد إجبارهم بالقوة على إفساح الطريق لمرور السيارات، عاد الطلاب للتجمع أمام مدخل الجامعة جالسين على الأرض ومردّدين هتافات ضد السلطة.

وفي منطقة القبائل كما في نيزي وزو على بعد 100 كلم شرق العاصمة الجزائر، أقفل التجار محلاتهم وتوقفت الإدارات.

وخرج الطلاب من جامعتهم في العاصمة ردّا على التظاهرة المؤيدة للانتخابات التي انطلقت من ساحة البريد المركزي معقل الحراك الشعبي، وشارك فيها نحو 400 شخص، وذلك تزامنا مع بداية صمت انتخابي يدوم 3 أيام.

وجاء مؤيدو الانتخابات الرئاسية من مختلف محافظات البلاد بدعوة من الاتحاد العام للعمال الجزائريين (أكبر منظمة نقابية في البلاد)  المقرب من السلطة ومنظمات أخرى كما تظهر لافتات رفعوها.
وردد المتظاهرون شعارات داعمة لانتخابات الرئاسة ورافضة للتدخل الأوروبي في الأزمة، إلى جانب أخرى داعمة لقيادة الجيش.
ومن بين ما تم ترديده من هتافات "جيش شعب خاوة خاوة.. وأولاد فرنسا مع الخونة" و"يا ماكرون (الرئيس الفرنسي) ادي (خد) أولادك الجزائر موش (ليست) بلادك" .
وتزامنت هذه الوقفات مع دخول الجزائر مرحلة صمت انتخابي تدوم ثلاثة أيام تمهيدا لانتخابات لاختيار خليفة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة الذي أطاحت به قبل أشهر انتفاضة شعبية دعمها الجيش.

الطلاب خرجوا من جامعتهم ردّا على تظاهرة مؤيدة للانتخابات كانت بدأت في ساحة البريد المركزي شارك فيها نحو 400 شخص تلبية لدعوة أكبر منظمة نقابية في البلاد

وقال إلياس، وهو طالب جيولوجيا يبلغ من العمر 22 عاما، خلال مشاركته في التظاهرة الطلابية بوسط العاصمة ملتحفا علم بلاده، إن ما يفصل بين الشباب وهم أغلبية السكان في الجزائر والحكام "ليس فجوة، بل حفرة عميقة".

ورغم اعتبار بعض الجزائريين هذه الانتخابات حتمية لتجاوز الأزمة المستمرة منذ تفجر الحراك الشعبي في 22 فبراير/شباط الماضي، فإن أغلبة المتظاهرين يرفضونها منذ استقالة بوتفليقة في أبريل/نيسان الماضي، مطالبين برحيل جميع رموز نظامه أولا ثم تنظيم انتخابات شفافة محذرين من أن هذا الاقتراع في الظروف الحالية سيكون طريقًا ليجدد النظام لنفسه.

ويكشف الرفض الشعبي للانتخابات الرئاسية عن فجوة هائلة تفصل بين الشباب، المحرّك الأساسي للاحتجاجات والحريص على الديمقراطية والحرية، وسلطة صمّاء تريد أن تتجدّد من خلال الرموز التي حكمت خلال عهد بوتفليقة البالغ 82 سنة.

تقل أعمار أكثر من نصف سكان الجزائر عن 30 عامًا، في حين أن جميع الحكّام من كبار السن، على غرار رئيس الأركان أحمد قايد صالح، 79 عامًا، والرئيس بالنيابة عبدالقادر بن صالح، 78 عامًا.

ويقول إلياس إن "الديناصورات التي احتكرت السلطة منذ الاستقلال جعلتنا نكره السياسة"، معترفا بأن الشباب لم يعيروا اهتماماً للسياسة قبل اندلاع الحراك، في أواخر شباط/ فبراير.

والدليل، كما يقول، أن معظم رفاقه ليسوا مسجلين حتى في القوائم الانتخابية.

وأيد رأيه أصدقاؤه. فهم يتظاهرون كل يوم ثلاثاء منذ أكثر من تسعة أشهر للمطالبة برحيل "النظام" الحاكم منذ الاستقلال في عام 1962.

وهم يتبعون في كل مرة الترتيبات نفسها: يجلبون أعلامهم باللونين الأخضر والأبيض تتوسطها نجمة وهلال باللون الأحمر، يلفونها حول أكتافهم، تعبيراً عن "الفخر الذي يحمله الجزائريون" كما تقول الطالبة سمية، وهي في مثل عمر إلياس.

أما "اللمسة الأخيرة" فهي اللافتة التي يكتبون عليها مطالبهم بـ "جزائر حرة وديمقراطية واجتماعية".

كما أصبح الحكام هدفًا مفضلا لشعارات الطلاب خلال المظاهرات.

وعند سؤالهم عن مطالبهم، يقول شباب الجزائر إنهم يطمحون للعيش بحرية أكبر ويتطلعون إلى أن تُسمع أصواتهم، وتتاح لهم الدراسة في ظروف جيدة، والعثور على منصب عمل دائم وقدرة شرائية مقبولة والتمتع بأوقات ترفيه حقيقية بدلاً من التسكع في الشارع.

ولكن يتم تجاهل هذه التطلعات من قبل سلطة يتحكم فيها "شيوخ"، مثلما قال شباب منهم طلاب أو أصحاب شهادات يعملون في وظائف صغيرة أو عاطلون عن العمل.

وقالت هانية أصالة عبدالدايم، الطالبة البالغة 24 عاما، "في السابق كنّا نخاف التعبير لكن الأمور تغيرت منذ الحراك".

أما أسماء (21 سنة) فاعتبرت أنها "كبرت مع الحراك" وهي التي تخلّت عن حذائها الجميل مقابل حذاء رياضي للمشاركة في مسيرة ضد النظام "ووضع بعض الشيوخ الذين يحكموننا في المتحف"، وفق تعبيرها.

لقد اتسعت الفجوة بين شباب يتطلع إلى "جزائر أخرى" وجيل يتشبث بالسلطة.

ويقول الباحث الاجتماعي ناصر جابي إن الانتقال المطلوب "في الجزائر ليس مجرد تحول سياسي، بل هو أيضاً انتقال من جيل إلى جيل".

ولكن حتى في حالة وجود صراع بين الأجيال، فإن بعض الشباب أنفسهم يعتقدون أن أسباب الأزمة الحالية لا تنحصر في هذا العامل بمفرده.

ويقول لمين حرحاد، الطالب البالغ 22 سنة، إن جميع الأجيال حاضرة على نطاق واسع في الحركة الاحتجاجية، ولذلك فليس لديه "مشكلة مع 'الشيوخ' ولكن مع الأفكار القديمة".

وبرأيه فإنه من الضروري إيجاد "نظام يرتكز على الديمقراطية من أجل جزائر تشجع الشباب دون إهمال (كبار السن) الذين يتحلون بالخبرة".

وشاركه هذا الرأي المنور حماموش، طالب علم الاجتماع في جامعة بجاية، شرق الجزائر، الذي قال إن "الفجوة بالنسبة له، ليست في تباين السن بل في النظر للأمور".

ويخشى المنور من تعقيد الأزمة وتوطيد سيطرة السلطة، لكنه مقتنع بأن الشباب "لن يتراجعوا".

والكثير منهم يتوقعون امتناعاً واسعاً عن التصويت في انتخابات الخميس.

وترى الباحثة الاجتماعية يمينة رحو، من مركز البحوث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية في وهران (غرب البلاد)، أن المشكلة "تتعدى السنّ، فهي مشكلة سياسية بين الشباب الذي يمثلون أغلبية السكان ويتطلعون إلى دولة قانون عصرية، وأولئك الذين تملّكوا الدولة لإخضاع الجزائريات والجزائريين".

ويتنافس في هذه الانتخابات الرئاسية 5 مرشحين هم عزالدين ميهوبي، الذي تولى في يوليو/تموز الماضي الأمانة العامة بالنيابة لـ"حزب التجمع الوطني الديمقراطي"، خلفًا لرئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى، الذي أودع السجن بتهم فساد.
إضافة إلى رئيسي الوزراء السابقين، علي بن فليس، الأمين العام لحزب "طلائع الحريات"، وعبدالمجيد تبون (مستقل)، وكذلك عبدالعزيز بلعيد، رئيس "جبهة المستقبل"، وعبدالقادر بن قرينة، رئيس حركة "البناء الوطني" (إسلامي).