رئيس حكومة جديد في الجزائر بعد ساعات من تنصيب تبون

مخاوف في الجزائر من إعادة سيناريو بدوي الذي عينه بوتفليقة لامتصاص غضب شعبي لم يفلح في إسكاته بوعود تشبه تلك التي أطلقها تبون.

الجزائر - كلف الرئيس الجزائري المنتخب حديثا عبدالمجيد تبون اليوم الخميس، وزير الخارجية صبري بوقادوم بتسيير أعمال الحكومة لحين تعيين أخرى جديدة، وذلك بعد أن قدم رئيس الوزراء نور الدين بدوي استقالته.
ويأتي التكليف بعد ساعات من تنصيب تبون رسميا رئيسا للبلاد بعد فوزه بالأغلبية في الجولة الأولى من الانتخابات التي جرت قبل أسبوع.
وحسب التلفزيون الرسمي، فإن بدوي، قدم استقالته لتبون، وقبلها الأخير، معلناً تكليف وزير الخارجية صبري بوقادوم بقيادة الوزراء الحاليين إلى غاية تعيين حكومة جديدة.
كما أقال تبون، وفق المصدر ذاته، وزير الداخلية صلاح الدين دحمون، الذي هاجم سابقا بعض المتظاهرين وكلف وزير الإسكان كمال بلجود بقيادة الوزارة بالنيابة مؤقتا.
وشغل بدوي المستقيل منصب وزير الداخلية في عهد الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، وعينه في مارس/آذار الماضي رئيسا للوزراء، وكلفه بتشكيل حكومة جديدة لامتصاص غضب شعبي متصاعد، لكن ذلك لم يزد الأمر إلا تصعيدا مع إصرار الحراك على رحيل الجميع.
ومطلع أبريل/نيسان الماضي، استقال بوتفليقة على وقع انتفاضة شعبية غير مسبوقة، فيما استمر بدوي وحكومته في تصريف الأعمال تحت قيادة الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح.
وشكل مطلب رحيل بدوي وحكومته، إجماعا شعبيا وسياسيا في البلاد منذ رحيل بوتفليقة، وكان ذلك أيضا ضمن توصيات لجنة الوساطة والحوار ضمن تقرير رفعته للرئاسة توج حوارا لتجاوز الأزمة خلال الأشهر الماضية.
وسابقا رفضت قيادة الجيش مطلب رحيل الحكومة، وقالت إن عرقلة سير المؤسسات خط أحمر، فيما قال الرئيس المؤقت آنذاك، إن عوائق دستورية تمنع تغييرها.

وفاز تبون (74 سنة) بنسبة 58 بالمئة من الدورة الأولى للانتخابات التي جرت في 12 كانون الأول/ديسمبر، ليخلف بوتفليقة الذي استقال في نيسان/أبريل تحت ضغط حركة احتجاجية غير مسبوقة، بعد 20 سنة في الحكم، تحت ضغط حراك شعبي غير مسبوق ضد النظام.

تبون أقال وزير الداخلية صلاح الدين دحمون، الذي هاجم سابقا بعض المتظاهرين 
 

وتمنع المادة 104 من الدستور الجزائري تغيير الحكومة خلال المرحلة الانتقالية إلى غاية انتخاب رئيس الجمهورية الجديد.
وتعد استقالة بدوي، بمثابة سقوط الباء الأخيرة بين عدة " باءات" في إشارة رمزية لأسماء مسؤولين محسبوين على نظام بوتفليقة، طالب الحراك الشعبي المتواصل منذ 22 فبراير/ شباط الماضي برحيلهم وهو ما حدث تباعاً.

واليوم الخميس، تم قبول استقالة بدوي فور تولي تبون مهامه رئيسا للجمهورية الجزائرية بعد أدائه اليمين الدستورية في حفل رسمي في قصر الأمم بالعاصمة.

وفي أول خطاب له كرئيس للجمهورية شكر تبون الجزائريين على "تلبية نداء الواجب الوطني، لإعادة الجزائر إلى سكة الشرعية الدستورية والشرعية الشعبية التي لم يطعن فيها أحد"، في إشارة إلى عدم تقديم المرشحين الخاسرين لأي طعن في النتائج أمام المجلس الدستوري.

وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات 39.88 بالمئة، وهي الأدنى على الإطلاق مقارنة بجميع الانتخابات الرئاسية التعددية في تاريخ البلاد. وحتى هذه الأرقام غير صحيحة بالنسبة للحراك بينما شكّك فيها العديد من المراقبين.

وأمضى عبد المجيد تبون حياته موظفا في الدولة وكان مخلصا لبوتفليقة الذي عينه وزيرا ثم رئيسا للوزراء لفترة وجيزة، قبل أن يصبح منبوذا من النظام. ولكنه يبقى بالنسبة للحراك "ابن النظام" الحاكم في البلاد منذ الاستقلال في 1962.

والآن تنتظر الرئيس الجديد تركة ثقيلة لنظام بوتفيلقة الذي يتهمه المتظاهرون بإغراق البلاد في الفساد، حيث سيجد نفسه في مواجهة حركة احتجاجية قوية لم تتراجع منذ بدايتها قبل عشرة أشهر، مطلبها الأساسي هو رحيل كل رموز النظام، وهو مطلب رفضته جملة وتفصيلا القيادة العليا للجيش التي تتحكم بالسلطة منذ استقالة بوتفليقة.

hgpvhm
ألمؤسسة العسكرية رفضت الفراغ ومضت قدما في انتخاب رئيس جديد

وكما فعل فور إعلان فوزه مدّ تبون يده مجدّدا للحراك الشعبي من أجل الحوار، وكذلك تعديل الدستور قائلا إنه" سيقلص من صلاحيات رئيس الجمهورية ويحمي البلد من الحكم الفردي و يضمن الفصل بين السلطات ويخلق التوازن بينها وسيشدد مكافحة الفساد ويحمي حرية التظاهر" كما جاء في الخطاب.

 لكن الحراك عبر عن رفضه التام لعرض الحوار من خلال تظاهرات حاشدة، معتبرا أن تبون "رئيس غير شرعي", كما يرفض أن يقوم "النظام" بالإصلاحات السياسية لتجديد نفسه.

ولا يستبعد مراقبون إعادة الحراك لسيناريو بدوي الذي لم يفلح في إسكات الاحتجاجات بوعود بتشكيل حكومة "من الشباب" ثم أعلن حكومة أغلب أعضائها من الموظفين الرفيعي المستوى في الوزارات التي عينوا فيها مع بضع وجوه جديدة من شباب كما في وزارات الثقافة والرياضة والعلاقات مع البرلمان.

ومن المستبعد أن تكفي بعض الإجراءات الرمزية لإسكات الحركة الاحتجاجية المصمّمة على مطلب رحيل كل رموز "النظام".

وفي أول قرار رمزي لإثبات ما ينوي تنفيذه من الوعود التي أطلقها دعا تبون كل المسؤولين في الدولة إلى عدم وصفه بـ"فخامة رئيس الجمهورية" وسحب هذا اللقب نهائيا "من هذه اللحظة" وتعويضه بـ "السيد الرئيس وفقط".
ولم يقدم الرئيس الجديد موعدا لتشكيل أول حكومة له وشكلها لكنه لمح في تصريحات سابقة إلى نيته تعيين حكومة تكنوقراط ومنح حقائب لوزراء شباب لأول مرة.

في وقت قالت وسائل إعلام محلية إن الحكومة ستكون أهم تحدي في بداية حكمه كونه وعد بالتغيير.
ويشترط الدستور الجزائري على الرئيس استشارة الأغلبية النيابية في تسمية رئيس الوزراء علما أنها تتشكل حاليا من أحزاب كانت موالية للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وهو تحد آخر أمام تبون، لكسب موافقة البرلمان على برنامجها.