رانيا يحيى تدرس موسيقى أفلام يوسف شاهين

الباحثة المصرية تؤكد أن شاهين وضع موسيقى أفلامه داخل نسيج الأحداث الدرامية ذاتها بشكل عبقري.
يحيى تتناول مفهوم الموسيقى وجمالياتها وعلاقتها بالفنون الأخرى خاصة السينمائية
الباحثة توضح أن موسيقى الأفلام تقوم بدور رئيسي داخل العمل السينمائي
ثقافة شاهين للفنون العالمية تتبدى وتظهر بشكل كبير في أعماله

تعد موسيقى الأفلام عنصرا أساسيا من مقومات الفيلم السينمائي، ومن أهم عوامل نجاح الفيلم وباستطاعة المؤلف الموسيقى البارع أن يلعب دورا مهما في الصيغة النهائية المتكاملة للفيلم بإضافة الحيوية على السرد الروائي للقصة، ووضع الموسيقى الملائمة لإيقاع الفيلم، بما يتماشى مع الصورة السينمائية. 
في ضوء هذه الرؤية تتبع الناقدة د. رانيا يحيى في كتابها "موسيقى أفلام يوسف شاهين" مفهوم الموسيقى وجمالياتها وعلاقتها بالفنون الأخرى خاصة السينمائية، وأثرها البناء في بناء المجتمعات في كافة مراحلها مع الفنون الأخرى في التعبير عن الواقع الذي يعيشه الإنسان بأفراحه وأتراحه، حيث للثقافة الموسيقية دور اجتماعي مهم يجب تفعيله. 
وتتناول يحيى موسيقى الأفلام منذ نشأة السينما فى العالم مع التركيز على السينما المصرية، كما تعرض تاريخيا لرحلة يوسف شاهين الفنية، وجماليات الصورة السينمائية والعلاقة بين الموسيقى والصورة داخل فيلمه، وتحلل فنياً للجانب الموسيقى الإبداعى فى أفلام شاهين من خلال جماليات خمسة عشر فيلماً تتناول نصف قرن من رحلة المخرج الفنان، تعاون خلالها مع مؤلفين موسيقيين عظماء لهم دور بارز لا نستطيع إغفاله فى مجال موسيقى الأفلام وهم إبراهيم حجاج وفؤاد الظاهرى وعلى إسماعيل وجمال سلامة وعمر خيرت. " "
وقالت يحيى عن العلاقة بين الموسيقى والصورة داخل الفيلم السينمائي "الموسيقى مرتبطة بالصورة والمشهد منذ أزمنة بعيدة، وذلك ظهر في العروض اليونانية التاريخية حيث ارتبطت بالمسرح وبالنشاط الدرامي ثم من خلالها في عصر النهضة نهجت العروض المسرحية نفس النهج والذي أثّر على فن الأوبرا حيث زاد الارتباط بين الموسيقى والنص والحدث الدرامي، ويرجع ذلك لما للموسيقى من تأثير على الإنسان حيث تمنحه دفعة شعوية غير طبيعية لأنها سريعة النفاذ إلى الوجدان والعواطف ولها قوة تعبيرية تصل لأعماق النفس، كما أنها تعتمد على عنصر الايقاع الذي يعتبر من أهم العناصر المكونة لأي عمل فني وهو من أهم العناصر الموسيقية التي تحدد على أساسها طبيعة الموسيقى، كما أن الإيقاع داخل العمل السينمائي أيضا من أهم العناصر الفنية التي تتحكم في مسار العمل الدرامي، ولا بد من أن يحدث التوافق بين عنصري الإيقاع ليتحدا معا ليكونا عنصرا إيقاعيا واحدا في العمل الدرامي حتى تكون الموسيقى والصورة في وحدة إيقاعية واحدة تعمل على خلق بعد جمالي في الفيلم.

وأكدت يحيى أن موسيقى الأفلام تقوم بدور رئيسي داخل العمل السينمائي حيث أصبحت الموسيقى المصاحبة للأفلام تختلف باختلاف المخرجين حيث يتدخل بعض المخرجين في جميع التفصيلات الخاصة بالعمل الفني إلى الحد الذي قد يسيطر على المؤلف الموسيقي أثناء عملية التأليف للفيلم مما يؤدي لوجود بعض الجماليات التي يرى المخرج أهميتها من وجهة نظره. وقد يطلق بعض المخرجين العنان للمؤلف الموسيقي ليعبر بوجهة نظره وإحساسه عن المشاهد الدرامية، وكل أسلوب يخلق موسيقى لها شكل معين وجماليات معينة تختلف أيضا مع طبيعة كل مؤلف موسيقى، حيث يوجد بعض المؤلفين الذين يرفضون السيطرة على أسلوب تأليفهم من قبل المخرجين، وقد يتم الاتفاق بينهما على أن يقوم المؤلف الموسيقي بوضع الموسيقى ثم يتم بعض التعديلات في النهاية بالحذف أو الإضافة، ولكن يتميز بعض المؤلفين الموسيقيين بمرونة وحرفية عند تأليفهم للأفلام حيث يطوع المؤلف إحساسه وموهبته للمشهد السينمائي ويكون هو القائد له عند التأليف.
ولفتت يحيى إلى وجود نوعين من الموسيقى في الأفلام: الموسيقى الأساسية وهي التي تظهر مع بداية الفيلم وظهور عنوانه وأسماء الممثلين (التتر) أو عند النهاية أحيانا. وهذه الموسيقى غالبا ما يهتم بها المؤلف الموسيقي حيث تتعلق في أذهان المشاهدين، وتتعلق بالفيلم بقدر نجاحها، وتظل وكأنها عنوان له يميزه عن دونه من الأفلام الأخرى، وقد يعتمد عليها المؤلف الموسيقى بشكل كبير داخل الفيلم في مصاحبة اللقطات السينمائية أو تكون الأساس الذي يبني أفكاره الموسيقية، وقد يقوم ببناء تيمات لحنية مختلفة داخل الفيلم، وقد يجمع بين تلك الفكرتين معا في آن واحد. 

يوسف شاهين تأثر ببعض الأساليب المستخدمة في الموسيقى الغربية مثل فكرة اللحن الدال التي اشتهر بها المؤلف الألماني فاجنر في أوبراته والتي ظهرت في بعض أفلامه في ربطه للشخصية أو المكان بلحن معين

الموسيقى الثانوية: وهي الموسيقى التي تصاحب اللقطات السينمائية والأحداث الدرامية داخل الفيلم الروائي، ويستخدمها المخرج لأغراض درامية معينة فهي تتغير وفقا لما تتطلبه الأحداث فهي تستخدم أحيانا للربط بين المشاهد وفي أحيان أخرى تكون مجرد خلفية بسيطة غير ملحوظة بشكل كبير للمتلقي، وفي بعض الأحيان تعمل على تهيئة المتلقي لما سوف يحدث على الشاشة وغالبا ما تهيئنا لنهاية الفيلم. كما يعمل الصمت أحيانا على زيادة شعور وإحساس المتلقي بالمشهد الدرامي، فقد يكون الصمت أبلغ من الحوار ومن الموسيقى حسبما يتراءى للمخرج لتوصيل رؤياه الفنية وأثرها الجمالي على المتلقي.
وأشارت يحيى إلى أن أول فيلم يتم تأليف موسيقى له خصيصا هو فيلم "اغتيال دوق جيز" عام 1907 الذي ألفه المؤلف الموسيقي الفرنسي كامي سان صانص، ثم تبعه الكثير من الأفلام منها فيلمي جريفيث "مولد أمة" 1915 و"التعصب" 1916 للموسيقار جوزيف كاريل بريل إخراج شارل لو بارجي واندريا كالمتيس، حيث تربعت فرنسا على عرش الإنتاج السينمائي وساهمت في نمو وتطوير هذا الفن، وفي فترة العشرينيات ظهرت المدرسة الألمانية التي اتسمت بالعمق والثراء من خلال معالجة بعض الموضوعات على الشاشة، ولكنها لم تستمر طويلا، وفي هذا الأثناء ظهرت المدرسة الروسية التي أبهرت الكثيرين حيث امتزجت موسيقاها بأصوات غريبة مثل الشواكيش والخلاطات، وبلغت هذه المدرسة القمة فيما بين عامي 1925 ـ 1930 بظهور فيلم "المدرعة" لايزنشتين، وفيلم "الأم" لبودفكين، ثم الفيلمين الشهيرين لايزنشتين "بوتمكين" 1925 و"أكتوبر" 1928 وكتب تلك الموسيقى الثورية الرائعة ادموند مايزال، وغيرها الكثير من الأفلام التي توالت البداية الجرئية التي قام بها سان صانص، كما ألف الكثير من عظماء أوروبا نصوصا سينمائية للسينما خلال فترة العشرينيات أمثال: اريك ساتي، داريوس ميلو، آرثر هونيجر، جاك إيبير، جان سيبيليوس، بول هيندميث، ديمتري شوستاكوفيتش.
ورأت أن الفترة التي تمتد من عام 1941 ـ 1954 تعتبر العصر الذهبي للسينما حيث أحدثت الحرب العالمية الثانية كثيرا من التغيرات في صناعة الفيلم، فخلال الحرب وبعدها، ازدهرت الكوميديا بشكل ملحوظ، وانتشرت أفلام الرعب وتربعت الأفلام الموسيقية على عرش السينما، كما ظهرت أفلام الخيال حوالي عام 1950.

وأوضحت رانيا يحيى أن موسيقى الأفلام لا تلتزم بصيغة بنائية لموسيقاها مثل الصيغ المعروفة للموسيقى البحتة، ولكنها تخضع في تكوينها لمتطلبات الفيلم ذاته وكيفية الانتقال بين المشاهد السينمائية، والتي قد تختلف زمانيا أو مكانيا أو حتى غير مرتبطة ببعضها البعض نفسيا، وبالتالي فتكون تلك المشاهد لازمة للمؤلف باتباع صياغة موسيقية للفيلم داخل إطار كل فيلم على حدة تبعا لمكانه وزمانه ورأي المخرج.
واستعرضت يحيى تاريخ الفيلم المصري والبدايات الأولى لموسيقى الأفلام وأبرز مؤلفيها، لتنطلق بعد ذلك إلى المخرج يوسف شاهين راصدة لتاريخه السينمائي، ملاحظة أنه في جميع أفلامه هناك وجود لعنصر الرقص الشرقي وحتى الباليه وأيضا الموسيقى الشرقية، وأنه تعاون مع الكثير من الملحنين المصريين المتميزين في أفلامه بدءا من إبراهيم حجاج وفؤاد الظاهري وعلى إسماعيل وأندريا رايدر ومحمد نوح وكمال الطويل وفريد الأطرش ويحيى الموجي وياسر عبدالرحمن وعمر خيرت وجمال سلامة وفاروق الشرنوبي، كما تعاون شاهين مع فريد الأطرش وشادية في فيلم "أنت حبيبي"، وأيضا مع فيروز والإخوان رحباني في فيلم "بياع الخواتم" والفنانة ماجدة الرومي لبطولة فيلم "عودة الابن الضال"، بالإضافة إلى لطيفة في فيلم "سكوت حنصور"، أما محمد منير فهو حالة خاصة بالنسبة لشاهين وتعاونا معا في أكثر من فيلم حيث بدأ بـ "حدوتة مصرية" وأتبعها بفيلم "اليوم السادس" ثم فيلم "المصير".
وأضافت أن هذا التعدد لشاهين في اختيار المؤلفين الموسيقيين يعبر عن مدى اهتمامه بعنصري الموسيقى والغناء ومدى أهميتهما داخل أفلامه وكيفية توظيفها وأيضا رأيه كمخرج في مدى ملاءمة كل مؤلف موسيقي لموضوع الفيلم على أساس يتم اختيار المؤلف الموسيقي الذي سيحقق له وجهة نظره، ويترجم له إحساسه الداخلي في شكل موسيقي، كما يرى أنه هو الذي يسيطر على المؤلف وليس العكس، بحيث يصبح تحت  تأثير إحساس مؤلف واحد في جميع أفلامه، وبالفعل استطاع شاهين أن يصل بموسيقى أفلامه إلى هذا الحد، حيث ترتبط في الكثير من الأذهان موسيقى وأغاني أفلامه حينما يسمعها المتلقي بموضوع الفيلم، حيث وضعها داخل نسيج الأحداث الدرامية ذاتها بشكل عبقري. كما لا نستطيع إغفال عبقرية هؤلاء الموسيقيين الذين استطاعوا تحقيق تلك الرؤية السينمائية والتعبير عنها بكل هذا النجاح.
وحللت يحيى موسيقى أفلام الموسيقار إبراهيم حجاج "ابن النيل" و"سيدة القطار"، وأفلام الموسيقار فؤاد الظاهري "صراع في الوادي" و"شيطان الصحراء" و"صراع في الميناء" و"باب الحديد" و"نداء العشاق" و"اسكندرية ليه"، وأفلام الموسيقار على إسماعيل "رمال من ذهب"، "الأرض"، و"الاختيار" و"العصفور"، وأفلام الموسيقار جمال سلامة "حدوتة مصرية"، وأفلام الموسيقار عمر خيرت "اليوم السادس" و"سكون حنصور".
وبعد تحليلها لموسيقى هذه الأفلام انطلاقا من التتر فموسيقى المشاهد الدرامية وانتهاء بالمؤثرات الصوتية، قدمت يحيى رؤية لجماليات أسلوب المؤلفين الموسيقيين ورؤية يوسف شاهين الجمالية في الأفلام، خلصت إلى أن "ثقافة شاهين للفنون العالمية "الموسيقى الكلاسيكية والباليه" نجدها تتبدى وتظهر بشكل كبير في أعماله، وكل ذلك يؤثر على المتلقي ليرتفع به إلى مستوى أفضل سواء في التلقي أو التذوق والإدراك والفهم.
وأضافت أن توظيف شاهين للأعمال الموسيقية الكلاسيكية بشكل حي حيث اعتمد في بعض الأحيان على فكرة الدلالية من خلال تلك الأعمال، وذلك يختلف عما عهدناه حيث كان في السابق يعتمد بعض المخرجين على الموسيقى الأوركسترالية المسجلة كموسيقى للأفلام، ولكن شاهين عمل على توظيف بعض تلك الأعمال حسب رؤيته السينمائية ووضعها داخل السياق الدرامي بما يتناسب مع موضوع الفيلم.
وانتهت يحيى إلى أن شاهين تأثر بالموسيقى الغربية وتجلى ذلك في اختياراته المتعددة للمؤلفين الموسيقيين حيث كانوا جميعا دارسين للموسيقى الغربية الكلاسيكية وبأسلوب الكتابة لها. كما تأثر شاهين أيضا ببعض الأساليب المستخدمة في الموسيقى الغربية مثل فكرة اللحن الدال التي اشتهر بها المؤلف الألماني فاجنر في أوبراته والتي ظهرت في بعض أفلامه في ربطه للشخصية أو المكان بلحن معين.