رسائل مـحمـّد علي الطّـاهر للشّيخ عبدالعزيز الثّعالبي
تونس - مثّلت تونس محطة هامة في تاريخ الكاتب والصحفي الفلسطيني محمد علي الطاهر، ولعبت جريدته الشورى دورا رئيسيا في النصف الأول من القرن العشرين في التعريف بالقضية التونسية بل كان أمين سرها وواثق صلة في أهم حلقات نضالها.
ويعود ارتباط محمد علي الطاهر بتونس إلى علاقته المتينة بالشيخ عبدالعزيز الثعالبي. ثوثّق هذه العلاقة مجموعة من الرسائل المتبادلة بين الشيخ الثعالبي ومحمد علي الطاهر. تعتبر هذه الرسائل، التي جمعها وقدّم لها وحققها الباحث التونسي الدكتور محمد مسعود إدريس في كتاب صدر عن دار خريّف للنشر، بعنوان "مـحمـّد علي الطّـاهر: الشّـورى والقضيّـة التونسيّة من خلال رسائله للشّيخ عبدالعزيز الثّعالبي (1924- 1934)"، مرجعا سياسيا وتاريخيا هاما لأبرز الأحداث التي شهدتها تونس والمنطقة العربية وأيضا لمسار القضية الفلسطينية.
يقول د. محمد مسعود إدريس في مقدّمة كتابه: "هذا الكتاب هو مجموع الرسائل التي بعث بها محمد علي الطاهر إلى الشيخ عبدالعزيز الثعالبي والبعض من مسودات ردود الشيخ الثعالبي وهي تؤكد العلاقة الوطيدة التي كانت تجمعهما وخاصة العمل الحثيث الذي كانا يقومان به لصالح القضية الفلسطينية والقضايا العربية الأخرى، وخاصة المساهمة الهامة لجريدة الشورى في الدعاية للقضية التونسية إلى جانب باقي القضايا الأخرى".
و"من خلال هذه الرسائل نعلم أن عبدالعزيز الثعالبي هو الذي مهّد لربط العلاقات بين بلدان المغرب العربي وبلدان المشرق وهو الذي مهّد كذلك للعلاقات اللاحقة التي سيقيمها الحبيب بورقيبة في الأوساط السياسية بمصر وخاصة مع محمد علي الطاهر، هذه العلاقة التي غطّت على متانة علاقة محمد علي الطاهر بالشيخ الثعالبي وهذه الرسائل تعطينا فكرة واضحة على مدى مكانة الثعالبي عند الفلسطينيين وما قدّمه من دعم للقضية الفلسطينية في فترة تاريخية صعبة وبوسائله النضالية المتواضعة".
تعتبر العديد من هذه الرسائل قطعا أدبية وفكرية مثلما يعتبر مضمون الكتاب مرجعا هاما للسياسيين والباحثين والمؤرّخين وأيضا للعامة وللنخبة الحاكمة اليوم في تونس حيث يكشف عن جوانب خفية من تاريخ البلاد بعد الحرب العالمية الأولى وما شهدته من أحداث تحت نير الاحتلال الفرنسي فرنسا وترصّد إيطاليا وضغط الأستانة.
هذا الكتاب ينطبق عليه توصيف ابن خلدون للتاريخ بأنه في ظاهره لا يزيد عن الإخبار ولكن في باطنه نظر وتحقيق؛ فهو في ظاهره تجميع وتحقيق للرسائل بين محمد علي الطاهر وعبدالعزيز الثعالبي إلا أنه في باطنه تحقيق مفصل لواحدة من أهم الفترات التي صاغت المنطقة العربية وسياستها وتأثيراتها تمتدّ إلى اليوم.
نتيجة المضايقات التي عرقلت عمله السياسي ومحاصرة المقيم العام لاتصالاته، اضطر الشيخ الثعالبي إلى مغادرة تونس ومواصلة الدعاية للقضية التونسية من الخارج. وأوصى الشيخ الثعالبي البعض من أعضاء الحزب بمراسلته ومده بالمعلومات وخاصة مكاتبة الجرائد التي يشير إليها الثعالبي.
وهنا لعب محمد علي الطاهر الصحفي الفلسطيني المقيم في القاهرة دورا هاما في إيصال هذه المعلومات للشيخ الثعالبي. في مصر استعاد الشيخ الثعالبي نشاطه الفكري والسياسي وحاول ربط علاقاته بالحركات السياسية الكبرى منها منظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة مؤتمر الخلافة، وساهم بطلب من السلطان يحيى في اليمن في توحيد قبائله وتركيز الحدود مع السعودية.
خرج الشيخ الثعالبي، بعد انتهاء مهمته بعدن، في رحلة إلى الهند بدعوة من جمعية العلماء. دامت تنقلاته بمدن الهند ثلاثة أشهر التقى خلالها بالماهاتما غاندي وشوكت علي وشعيب قرش وغيرهم، ومنها رجع إلى بلدان الخليج منها مسقط ثم دبي والبحرين فالكويت، ووصل بغداد يوم 14 جويلية 1925. وباشر الشيخ الثعالبي التدريس بجامعة آل البيت.
ثم عاد إلى القاهرة ووجّه اهتمامه للقضية الفلسطينية، وعزم على عقد أول مؤتمر إسلامي لنصرة القضية الفلسطينية بالقدس مع الحاج محمد أمين الحسيني مفتي القدس. انعقد المؤتمر بالقدس في ديسمبر 1931 ودعي إليه أهم الزعماء الإسلاميين في الهند وكامل البلدان الإسلامية. وعند الانتهاء من هذه المهمة عاود رحلة أخرى إلى الهند وبورما ومنها كان هدفه الذهاب إلى الصين.
لم يحجب هذا النشاط الحثيث اهتمام الشيخ الثعالبي بالقضية التونسية، بل كان يعتبره تدعيما لها إذ كانت المسألة التونسية حاضرة في شخصه في كل هذه المناسبات يدعو لها ويعلي صوتها في فضاء أوسع من ضيق تونس وبصوت أعلى مع قضايا أخرى مثيلة لها، بل وكانت الأخبار تتناقلها الصحف وتكبر الدعاية لها.
وعلى امتداد هذه الرحلة، كانت الرسائل متواصلة بين الشيخ عبدالعزيز الثعالبي ومحمد علي الطاهر، يبثه في بعضها معاناته مع تضييق الانجليز عليه وتأثير ذلك على مبيعات جريدة الشورى، ويذكر في البعض الآخر تفاصيل هامة عن أحداث سياسية ولقاءات بين ملوك ورؤساء وتوجهات تخص القضية الفلسطينية، والعلاقات بين دول المنطقة العربية ودسائس الاستعمار وأعماله الشنيعة في المغرب العربي ويحول إليه الأخبار الواردة من تونس.
كما كان محمد علي الطاهر يطلب من الشيخ الثعالبي رأيه في كل القضايا الجارية الخاصة بالقضية الفلسطينية وغيرها من المسائل، وتزويده برأي بعض الزعماء أو الحكام أو الملوك الذين يقابلهم الثعالبي، مثل الإمام يحيى وتهيأة قبول رئيس الرابطة الشرقية ببغداد خدمت الشيخ الثعالبي القضية الفلسطينية أجلّ خدمة بالدعاية لها بالأقطار التي يحلّ بها وبالكتابة حول المظالم التي تعرضت لها.
وقد ظهر العدد الأول للشورى في 22 أكتوبر 1924 وأرسلها محمد علي الطاهر إلى الشيخ الثعالبي وهو بعدن، حتى يطّلع على أخباره بها حول رحلاته. وقد عمل الشيخ الثعالبي على مساعدة جريدة الشورى بالدعاية لها، لأن في رواجها رواجا للقضيتين الفلسطينية والتونسية والعربية عموما. . كما قابل محمد علي الطاهر هذا الجهد بدعاية وخدمات هامة للقضية التونسيّة وكان أمين سرها وواثق صلة في أهم حلقات نضالها.
واهتمت جريدة الشورى بكل القضايا العربية والإسلامية وقد ساهم فيها الشيخ الثعالبي باسمه أو بتوقيع "عربي" أو "كاتب عربي" أو "رحالة خبير". وساهم في الكتابة على أعمدتها شكيب أرسلان أو "أمير البيان" وأحمد زكي باشا حول المغرب ومحمد بهجت الأثري من العراق ومحمد لطفي جمعة... وغيرهم. وفي القضية التونسية، نشرت الشورى كل ما لم تستطع الصحف التونسية أن تصدع به علنا وباللهجة والقوة المناسبتين.