رسامة كاريكاتير سورية تخط معاناة سكان إدلب

لوحات فنية تحمل انتقادات طالت الاتفاق التركي الروسي الذي عجز منذ إبرامه عن حقن دماء عشرات الآلاف من المدنيين بإدلب.
رسامة اختارت أن تناشد العالم بفنها أملا في تخفيف المعاناة
فتاة سورية ترسم تحت حكم الفصائل الإرهابية بإدلب
إمرأة سورية رسامة تسعى لكسر الصورة النمطية الشائعة عن النساء

إدلب - لم تمنع سطوة الحرب والقمع أماني العلي من أن تخطّ بقلم ضوئي رسماً كاريكاتورياً على لوح رقمي تظهر من خلاله مشقات الحياة اليومية، منتقدة ما يحدث في محافظة إدلب في شمال غرب سوريا التي تعدّ واحدة من آخر المناطق الخارجة عن سيطرة قوات النظام.

وتصور أماني (30 عاماً) بقلمها معاناة كبيرة لسكان المدينة جراء تردي الأوضاع الأمنية، حيث يواجه السكان يوميا خطر الموت بنيران القذائف ومنهم من اختار النزوح إلى المخيمات أين يتذوقون الفقر والجوع والعطش إلى أجل غير مسمى.

واختارت الرسامة أن تقاوم بقلمها، منتقدة بلمسات فنية ما يجري في مدينة إدلب الواقعة تحت نير القصف المتبادل بين قوات النظام والفصائل، موجهة أسهم نقدها إلى المجتمع الدولي الذي يشاهد بصمت جرائم إنسانية ترتكب من حين لآخر بحق المدنيين.

وتقول وهي ترتدي سترة حمراء طويلة وعلى رأسها حجاب أبيض اللون "هدفي أن أسلّط الضوء على قضية معينة تزعج أهالي المناطق المحررة".

وتضيف "أحاول أن أقف في صفهم وأن يعبر الرسم عما يشغلهم لأنقل ما يشعرون به ولا يتمكنون من قوله".

وتسيطر هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) على محافظة إدلب التي تؤوي ثلاثة ملايين نسمة. كما تتواجد فيها فصائل إسلامية ومعارضة أقل نفوذاً.

وتعرّضت المنطقة منذ نهاية أبريل/نيسان الماضي لتصعيد عسكري من قبل قوات النظام وحليفتها روسيا، إلا أن دمشق أعلنت موافقتها على هدنة دخلت حيز التنفيذ الجمعة الماضي وغابت بموجبها الطائرات الحربية، فيما تتعرض الهدنة لخروقات جراء تبادل القصف بين قوات النظام والفصائل.

وتسعى أماني من خلال رسوماتها إلى تحدّي القيود الاجتماعية للإضاءة على القضايا المعيشية في المناطق الواقعة تحت سيطرة الفصائل، مع حرصها على توجيه انتقادات لاذعة للنظام الذي تعارضه وللمجتمع الدولي الذي تجده صامتاً أمام ما يحصل في منطقتها، على حد قولها.

في أحد رسوماتها بعنوان 'العيد في إدلب' تلقي طائرات حربية قذائف مغلفة بأوراق سكاكر، بدلاً من الحلويات التي عادة ما توزع خلال الأعياد.

وفي رسم كاريكاتوري آخر تتساقط القذائف الحمراء على إدلب، فيما يبدو شخص يمثل المجتمع الدولي وهو يرمي شعار 'الإعجاب' المعتمد على موقع 'فيسبوك' إلى جانب طفل يحمل الراية البيضاء.

وتعتمد أماني في رسوماتها على ثلاثة ألوان هي الأحمر والأسود والأبيض وتعزو ذلك إلى أن "هذه هي الألوان الأساسية التي نعيش فيها لا نرى سوى الدم والسواد والدمار".

وأسفر التصعيد العسكري في إدلب منذ نهاية أبريل/نيسان الماضي عن مقتل أكثر من 790 مدنياً وفق حصيلة للمرصد السوري لحقوق الإنسان، رغم أن المنطقة مشمولة باتفاق روسي تركي يعود إلى سبتمبر/أيلول الماضي.

وينصّ الاتفاق على إنشاء منطقة منزوعة السلاح تنسحب منها الفصائل الجهادية، إلا أنه لم يتم استكمال تنفيذه، حيث اشترطت دمشق الخميس الماضي على الفصائل تنفيذ الاتفاق للموافقة على وقف إطلاق النار.

وسخرت أماني من هذا الاتفاق في رسم هو عبارة عن بقعة دماء كُتب فوقها "اتفاق إدلب".

وكسرت بشغفها حاجز التقاليد والقيود الاجتماعية التي وقفت عائقا أمامها بالنظر إلى المجتمع المحافظ في إدلب.

وكانت قد قدمت عند اندلاع النزاع في العام 2011 دراستها في معهد هندسة الكمبيوتر وتعمل كمدرسة رسم في مدرسة خاصة لتبقى قريبة من الهواية الأعزّ على قلبها.

وتقول "أعتبر نفسي فتاة كسرت العادات والتقاليد، كسرت الحاجز"، مضيفة "واجهت أهلي واستطعت أن أفرض عليهم الحياة التي أريدها لنفسي".

ولا يتقبّل المجتمع المحافظ الذي تعيش فيه أماني بسهولة انخراط النساء في الحياة السياسية عبر الفن والكاريكاتور.

وبدأت هذه الشابة بعد سيطرة الفصائل على إدلب في العام 2015، حياة جديدة وتحولت شيئاً فشيئاً إلى رسامة كاريكاتور وباتت رسوماتها تعرض اليوم في معارض في هولندا وبريطانيا.

وتقول أماني "أتمنى أن أوصل ولو جزءاً بسيطاً جداً من معاناة المدنيين".

وعدا عن انتقاداتها الدائمة للنظام السوري توجه أماني قلمها لتلاحق أخطاء الفصائل المسيطرة على إدلب خصوصاً هيئة تحرير الشام.

ويظهر في أحد رسوماتها رجل بلحية سوداء وعباءة سوداء وهو يضع حقنة في أذن شخص، بينما تخرج من أذنه الثانية عبارة "حرام.. حرام".

وانتقدت أماني أيضاً كثرة الضرائب المفروضة على المواطنين في إدلب، فضلاً عن غلاء الأقساط المدرسية.

ويظهر في أحد الرسومات رجل في قارب وعلى الجهة المقابلة منه شارة الدولار وهي تُغرق القارب من ثقلها. وأرفقت الرسم بعبارة "التعليم الجامعي في المناطق المحررة".

وتوضح الرسامة "لا أنتقد فصيلاً بعينه، وإنما أنتقد التصرف الذي قام به لأسلّط الضوء على الخطأ".

وتضيف "نحارب منذ ثماني سنوات لنتخلص من عادات وأفعال النظام وبعض رواسب النظام لا تزال موجودة وعلينا التخلّص منها".

وتمسك هيئة تحرير الشام بزمام الأمور إدارياً وسياسياً في محافظة إدلب، حيث تفرض قيوداً وشروطاً على قطاعات واسعة فيها من الأمن إلى التعليم ويتهمها ناشطون بقمع حرية التعبير وملاحقة منتقديها، إذ اعتقلت مراراً ناشطين معارضين لها.

وتقول أماني "أسلّط الضوء على هذه القضايا وإن كان من الممكن أن تعرضني للخطر". وحضيت بفضل رسوماتها بالكثير من المعجبين إلى جانب أعداء.

وتقول "لم أتعرض لمضايقات، لكن تصلني رسائل تنبيه كثيرة من قبيل انتبهي لنفسك، لا تعرفين ماذا تفعلين، خففي قليلاً غداً يعتقلونك"، إلا أنّ أكثر ما تسمعه هو "أنت فتاة ولا يجوز أن ترسمي بهذا الشكل".

وحازت على عكس الداخل بإعجاب كثيرين خارج البلاد في دول لم تتمكن من زيارتها وإن كانت رسوماتها عرضت فيها.

وتضيف "خلال معرضي في بريطانيا تفاجأ الكثير من الجامعيين البريطانيين بفتاة ترسم تحت حكم جبهة النصرة".

وصحيح أن إمكانية مشاركتها شخصياً في معارض خارج البلاد ضئيلة جداً، إلا أنها تأمل في أن تتمكن من كسر الصورة النمطية الشائعة عن النساء في شمال غرب سوريا، لناحية أن لا صوت لهنّ ولا يخرجنّ من منازلهنّ ويرتدين فقط الأسود.

وتقول أماني "نحن لسنا كذلك نعيش ونرسم ونمارس حياتنا الطبيعية"، مختتمة "صحيح أننا نقوم بذلك ضمن حدود، لكننا نقاوم لنعيش".