رنين الشكل واللون في تجريديات عبدالعزيز الغراز

سلسلة "رنين" تضم ستة وعشرين عملا فنيا، بأسلوب يبرز فيه البحث التشكيلي الدءوب للفنان المغربي عن جمالية تجريدية مميزة.
أعمال تمد الجسور بين التقليدين وتبحث عن تخوم الجمال المجرد بينهما
مساحات لونية منتظمة في أشكال رباعية أو خطوط عريضة متوازية

الرباط ـ بعد معرضه "رقصة الألوان" ثم "التيه" و"وفرة"، يعرض الفنان عبدالعزيز الغراز جديد أعماله الفنية تحت عنوان "رنين"، والذي ينتهي في 31 ديسمبر/كانون الأول، برواق محمد الفاسي بالرباط.
تضم سلسلة "رنين" ستة وعشرين عملا فنيا، بأسلوب يبرز فيه البحث التشكيلي الدءوب لعبدالعزيز الغراز عن جمالية تجريدية مميزة، فبالرغم من أن الفنان عرف بانتسابه إلى التجريدية الغنائية، فتجربته تكشف هذه المرة عن أسلوب تجريدي يصعب تصنيفه بين الغنائية والتجريد الهندسي. 
هي أعمال تمد الجسور بين التقليدين وتبحث عن تخوم الجمال المجرد بينهما، وهو ما مكن الغراز من القبض على جمالية اللون والشكل والتركيب في لوحاته، والتي أضحت تتألف من مساحات لونية منتظمة في أشكال رباعية أو خطوط عريضة متوازية، في تناغم تام مع مساحات أخرى انسيابية متدفقة ومجردة من كل شكل هندسي. 
لكن الشكل عند الغراز ليس مجرد شكل هندسي جامد بل إنه شكل مشحون بالعاطفة، وبقدر ما يكون متزنا ومنتظما إلى جانب كتل ومساحات لونية أخرى، يتموقع في الفضاء ويعلن حريته. 
يعطينا هذا الأسلوب الانطباع بأن الشكل يرن ويتراقص ليعانق الألوان والكتل والخطوط في حركة لا تخلو من نغم وإيقاع هادئ وانسيابي لا حدود له. يخلق الفنان بهذا الأسلوب نوعا من التسامح مع الشكل في قلب التجريدية الغنائية مانحا للألوان فرصة العودة إلى جسدها بعد أن كانت سائرة نحو التلاشي والانصهار في المطلق. 

لقد أمكن لعبدالعزيز الغراز في سلسلة "رنين" أن يصالح بين المجرد المطلق والمجرد المجسم في لحظة بهية وأخاذة تنسينا الفوارق والتصنيفات والأحكام المدرسية القبلية، ومع ذلك يبقى وفيا دائما للغة البصرية التجريدية التي ليس فيها أية إحالة مرجعية إلى عالم الأشياء والظواهر الجاهزة، كما أنها لغة متحررة كليا من السرد. 
نكون إذن إزاء اكتشاف للذات وللوجدان كلما توغلنا في استبصار العمل الفني لعبدالعزيز الغراز، وكأننا أمام مرآة وليس لوحة، لكنها مرآة تدمج الناظر في عالمها وتَسِمُه بميسمها، بدل أن تكون مجرد انعكاس للجاهز. 
يتيح لنا الغراز أن نبصر الجميل في مطلقه، فيكون الجميل بذلك معبرا نحو الحقيقة ويفسح المجال للعين لكي تخترق عوالم التناغم والتسامح مع الذات والطبيعة والعالم. 
إن الحضور بين أعمال الغراز بمثابة حضور بين صور الذات - يقول سمير بوسلهام - وهي تبحث عن الحقيقة المجردة والتي لم نجدها في عالم الأشياء. نكون بين صور الحقيقة وهي تتكرر وفي تكرراها تتعدد وتختلف بتعبير جيل دلوز، وإن كنا نعلم أن ما نراه لا دلالة قبلية له وليس حقيقيا. يقول بيكاسو "نعرف جميعاً أن الفن ليس حقيقة... إنه كذبة تجعلنا ندرك الحقيقة".