رهان روسي على حفتر دون دعم عسكري

بعد إنقاذ روسيا لحليفها بشار الأسد في سوريا، فإنّ الأزمة الليبية من شأنها أن تمثّل فرصة لروسيا لتتحرّك، خطوة جديدة في وجه واشنطن، لكن دون دعم عسكري للجيش الوطني الليبي.

روسيا تريد الظهور كوسيط محايد في الأزمة الليبية
موسكو تظهر كمن يتجنب الانحياز في العلن إلى أحد أطراف النزاع
الروس يبقون على قنوات مفتوحة مع حكومة الوفاق الوطني

موسكو - سلط موقف روسيا الأخير في مجلس الأمن الدولي الذي حال دون بيان دولي يدعو لوقف عملية طرابلس، الضوء على المقاربة الروسية إزاء التطورات الأخيرة في ليبيا مع مواصلة قوات الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر عملية طرابلس لطرد الميليشيات المسلحة التي تشكل أذرعا لتيار الإسلامي السياسي في العاصمة الليبية.

وتبدو موسكو كمن يتجنب الانحياز في العلن إلى أحد أطراف النزاع العسكري الدائر في ليبيا حفاظا على مصالحها، لكنها في الكواليس اختارت على ما يبدو المعسكر الذي تفضل وباتت تراهن، حسب خبراء، على المشير خليفة حفتر.

وتكثّف روسيا الحليف القديم لنظام معمّر القذافي جهودها في السنوات الأخيرة لتظهر كوسيط محايد نسبيا في ليبيا حيث تُستحضر الذكرى المريرة لعدم مواجهتها التدخّل الغربي عام 2011.

وجدد الكرملين دعوته إلى "كل الأطراف" الاثنين لتجنب "إراقة الدماء" في طرابلس حيث أدت الاشتباكات بين قوات الجيش الوطني الليبي وقوات حكومة الوفاق حتى الآن إلى سقوط عشرات القتلى.

وفي الأيام الأخيرة، التقى نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف المشير خليفة حفتر الذي سبق أن زار موكسو عام 2017، ومن ثمّ التقى مسؤولا في حكومة الوفاق الوطني.

علاقات جيدة بين موسكو وحفتر
روسيا تريد الحفاظ على مصالحها في ليبيا

ويؤكد الباحث في العلوم السياسية ألكسي مالاتشنكو أنّ "روسيا تدعم حفتر الذي يتحدث الروسية وسبق أن التقى وزير الدفاع سيرغي شويغو"، غير أنّه يستدرك بالقول إنّ موسكو "لا تستطيع أن تدعمه بشكل كامل حاليا. سيرتبط كل شيء بقدرته على السيطرة على طرابلس وبحجم الضحايا الذين سيسقطون خلال هذه العملية".

وينظر الباحث في مركز تحليل صراعات الشرق الأوسط في موسكو ألكسندر شوميلين إلى التواصل الروسي مع خصوم حفتر في حكومة الوفاق الوطني على أنّه "بمثابة غطاء وادعاء مقاربة متوازنة لا وجود لها في الحقيقة".

وكإشارة على دعم قائد الجيش الوطني الليبي، عرقلت موسكو يوم الأحد صدور بيان عن مجلس الأمن كان سيدعو قوات حفتر إلى وقف الهجوم. وقالت إنّها ترغب بأن يتوجه البيان إلى كل الأطراف.

وإذا كانت موسكو تنفي تقديم أي دعم عكسري، فإنّ صحيفة ذي صن البريطانية، ذكرت نقلا عن معلومات استخبارية، بالإضافة إلى ذي تلغراف، عن مصادر عاملة في قطاع النفط، أشارتا إلى إرسال مرتزقة روس ينتمون إلى الشركة الخاصة فاغنر إلى ليبيا، علماّ أنّ عناصر من هذه الشركة متواجدون في سوريا وفي عدة دول أفريقية.

ميليشيات طرابلس معظمها أذرع لجماعات الاسلامي السياسي
ميليشيات طرابلس معظمها أذرع لجماعات الاسلامي السياسي

وتستخدم موسكو أحيانا هذه المجموعة الغامضة التي تتجاوز عند الضرورة الجيش الروسي وتزود قوات المشير حفتر في ليبيا بقطع مدفعية ودبابات وطائرات بلا طيار وذخائر، وفقا لمصادر تحدثت إليها الصحيفتان البريطانيتان. ولم تتأكد هذه المعلومات بشكل رسمي على الإطلاق.

وتأمل روسيا عبر حذرها النسبي بالمحافظة على مصالحها الاقتصادية في البلد الغني بالنفط والذي انزلق إلى الفوضى بعد سقوط نظام العقيد القذافي نهاية 2011.

وكان وزير الاقتصاد الليبي ناصر الدرسي أبدى مثلا خلال زيارة إلى موسكو في شهر أكتوبر/تشرين الأول، رغبة في شراء مليون طن من القمح الروسي وتطرق إلى إعادة إطلاق مشروع روسي لبناء خط سكة حديد بقيمة 2.5 مليار يورو كان توقّف بسبب الحرب.

وكانت موسكو ظفرت قبل 2011 بعقود واعدة تبلغ قيمتها عدة مليارات دولار، تتعلق ببيع أسلحة ومشاريع نفطية في ليبيا التي كانت في حينه أحد زبائنها العرب الرئيسيين.

ويلخّص مالاتشنكو الوضع بالقول إنّ "ليبيا هي النفط. والروس يتقربون منها منذ زمن"، مشيرا أيضا إلى رغبة موسكو بـ"إظهار حضورها" في ليبيا بعد منجزاتها في سوريا وعودتها التدريجية في عدة دول أفريقية.

ولم تمنع روسيا عام 2011 تدخّل قوات حلف شمال الأطلسي في ليبيا وتغيّبت عن التصويت برفقة الصين في مجلس الأمن لعرقلة هذا التدخل. واعتبرت أنّ الغربيين خدعوها بعد مقتل القذافي، حليف موسكو منذ المرحلة السوفييتية.

وفي السنوات اللاحقة، بنت علاقاتها مع المشير حفتر بتأن بعدما عاد إلى بلاده في 2011 في أعقاب مرحلة نفي استمرت 20 عاما.

ويشير شوميلين إلى أنّ "حفتر قريب أيديولوجيا من روسيا وهو ينشط بصورة فعالة للتعاون معها وحصل على أسلحة روسية. إنّه رجل موسكو".

من جانبه، يرى مالاتشنكو أنّه بعد إنقاذ روسيا لحليفها بشار الأسد في سوريا، فإنّ الأزمة الليبية من شأنها أن تمثّل فرصة لروسيا لتتحرّك خطوة جديدة في وجه واشنطن. ويقول إنّ "انتصارا لحفتر سيكون غير مريح للغاية بالنسبة إلى الولايات المتحدة حيث يُعتبر رجل بوتين".