روح السخرية المصرية ترابط بالأراجوز رغم تحديات العصر والسياسة

الدمية المُحركة بقفازات قماشية مع رأسها الخشبي وقبعتها المحنية وعينيها السوداوين الكبيرتين والشارب المرسوم بالألوان تستمر في التهكم على الفاسدين ذوي النفوذ بسخرية وعناد وسوقية احيانا، متحدية انتشار العروض الحديثة وموجات التضييق على حرية التعبير.
الأراجوز ينتقد بلهجة ساخرة أفعال الأقوياء ويقاوم الفاسدين ولكنه لا يتعرض لشخصيات أو قادة محددين
فن الأراجوز ظهر في العصر الفاطمي وفق البعض، بينما يقول آخرون انه ازدهر في العصر العثماني

القاهرة - تستمر دمية أراجوز المحركة بقفازات قماشية مع رأسها الخشبي وقبعتها المحنية وعينيها السوداوين الكبيرتين والشارب المرسوم بالألوان، في تجسيد روح السخرية من خلال تهكمها على الفاسدين ذوي النفوذ بعدما ابتدعها المصريون منذ القدم.

وفيما باتت الشاشات الرقمية تبث عروضا لا حصر لها على مدار الساعة، لا تزال حفنة من فناني الدمى المصريين قادرة على انتزاع الضحكات من المشاهدين، والأطفال خصوصا، من خلال حكايات الأراجوز المتوارثة.

وخلف مسرح صغير مصنوع من القماش أقيم داخل بيت يعود الى العصر العثماني في حي الجمالية في القاهرة الاسلامية، يطلّ الأراجوز على جمهوره بزيه الأحمر وبصوته الرفيع الحاد المتميز.

يسأل الأراجوز دمية تجسّد شخصية "الفتوة" وهو رجل كان يفرض سطوته بالقوة على الأحياء القاهرية في النصف الأول من القرن العشرين، "ماذا تريد؟".

ويرغب الفتوة في خوض منازلة ليثبت أنه الأقوى ويصيح قائلا "من يكسب ينال تصفيق الجمهور".

وينهال عليه الأراجوز ضربا قبل أن يزيحه عن المشهد ويقول منتصرا "انصرف" وسط عاصفة من الهتاف والتصفيق.

مبارزة لفظية

منذ عشر سنوات، تنظم فرقة "ومضة" كل أسبوع عروضا مجانية يحضرها قرابة 200 شخص في بيت السحيمي، وهو منزل من العصر العثماني تم ترميمه وتحويله الى مركز ثقافي.

وفي حين تستمر المهرجانات الريفية أو الأعياد الشعبية في تقديم عروض للأراجوز يقدمها هواة، فإن فرقة "ومضة" هي الوحيدة التي لا تزال تقدم الأراجوز بشكل احترافي.

ويقول صبري متولي، أحد محركي الأراجوز القليلين الذين لا يزالون يحترفون هذا الفن ضمن هذه الفرقة، "وقعت في عشق الأراجوز وأنا صبي صغير".

ويضيف أن فن الأراجوز الذي أدرجته اليونسكو في قائمة التراث العالمي غير المادي للبشرية العام 2018، "يلقى اعجاب الناس لأنه يمثلهم" إذ أنهم يستطيعون من خلاله أن يتحدوا وأن ينتصروا على أعدائهم.

وغالبا ما يقال إن شخصيات الأراجوز تجسد المجتمع المصري فهي ساخرة وعنيدة وسوقية أحيانا. ويواجه الأراجوز عادة الطغاة أو عناصر الشرطة أو الأعداء الأجانب ويدخل معهم في مبارزات كلامية مثيرة للضحك.

ويؤكد نبيل بهجت مؤسس فرقة "ومضة" أن "الأراجوز ينتقد بلهجة ساخرة أفعال الأقوياء ويقاوم الفاسدين ولكنه لا يتعرض لشخصيات أو قادة محددين في الحياة السياسية الراهنة".

ورغم موجات التضييق على حرية التعبير في مصر، إلا أن الأراجوز لم يتأثر لأنه يظل "في حدود المسموح به".

ومثل أبيه من قبله، يقدم متولى الذي يحرك دميتين (واحدة في كل يد)، مسرحياته الشعبية التي تنقل شفهيا من جيل إلى جيل.

وهذه الطريقة في انتقال الفن تهدد بقاءه، بحسب متولي الذي يخشى أن يندثر الأراجوز مع انتشار العروض الحديثة والشاشات الرقمية.

ويشكل عدم وجود أي نص مكتوب السبب في أن أحدا لا يعرف أصل فن الأراجوز.

ويؤكد متولي أن "كل المسرحيات لا تحمل اسماء كتاب"، موضحا أنه نجح في جمع 19 رواية شفوية لكي ينشرها في كتاب.

ويظن البعض أن فن الأراجوز ظهر في العصر الفاطمي (من القرن العاشر الى القرن الثاني عشر)، بينما يقول آخرون انه ازدهر في العصر العثماني (من القرن السادس عشر الى القرن العشرين).

مهدد بالاندثار

وكلمة الأراجوز نفسها باتت مثيرة للجدل فالبعض يؤكد أنها مستوحاة من مسرح الظل الذي كان موجودا في العصر العثماني ومعروفا باسم "كاراجوز" قي حين يقول آخرون إن الكلمة تعود الى العصر الفرعوني.

ومع أن هذا الفن مهدد بالاندثار اليوم، استطاع الفنانون عبر العصور الحفاظ على الخصائص المميزة للاراجوز خصوصا صوته الرفيع الحاد الذي يتم الحصول عليه من خلال جهاز معدني صغير يوضع داخل الفم ويهتز تحت سقفه.

ويقول متولي "إن استخدام هذا الجهاز قد يكون خطرا بعض الشيء لكن هذا يميز المحترف عن الهاوي".

وخلال السنوات الأخيرة اصبحت كلمة أراجوز تستخدم كمسبّة عندما تُقال عن الشخص الذي يشبه المهرج في ادائه.

وأخيرا، استخدم مذيعو التلفزيون الموالون للسيسي تعبير "أراجوز" لوصف المقاول المصري محمد علي المقيم في إسبانيا الذي اتهم الرئيس المصري وقيادات في الجيش بالفساد في مقاطع فيديو انتشرت بشكل واسع على شبكات التواصل الاجتماعي قبل قرابة ثلاثة أشهر.

ومن قبل، تم وصف باسم يوسف مقدم البرنامج التلفزيوني الساخر الشهير "البرنامج" بـ "الأراجوز" من قبل جماعة الاخوان المسلمين وأنصار السيسي بسبب انتقاداته لهم. وقد هاجر يوسف إلى الولايات المتحدة بعد وقف برنامجه في مصر العام 2014.

ويقول بهجت بأسف "هذا يظهر عدم احترامنا لثقافتنا". ويتابع "انه لأمر محزن أن يكافح الناس من أجل بقاء فن الأراجوز في حين يستخدمه آخرون كمسبة".

وفي تشرين الأول/أكتوبر الماضي، توفي أشهر محرك أراجوز في مصر وهو مصطفى عثمان الذي اشتهر باسم "عم صابر"، عن عمر يناهز 80 عاما.

ويقول بهجت "كافحنا طويلا للحفاظ على هذا التراث وآن الأوان لكي يقوم الناس بالدفاع عن ثقافتهم".