روسيا تحظر استنساخ البشر لمدة خمس سنوات

اقر البرلمان الروسي (الذي يعرف اختصارا باسم الدوما) قانونا يحظر العمل على استنساخ الانسان لمدة 5 سنوات، وهو ما يعني ان موسكو وواشنطن تسيران في نفس الاتجاه فيما يتعلق بالاستنساخ، اذ يعارض الرئيس الاميركي جورج بوش، الذي كان من المؤيدين النشيطين لتلك الفكرة منذ زمن غير بعيد، الاعمال المتعلقة بالاستنساخ بشكل مطلق.
ويؤكد المعارضون للاستنساخ بأن التجارب على البشر ستؤدي في الوقت الحاضر الى نتائج مخيفة. ولا يحب العلماء التخويف لمجرد التخويف انما هم يستندون عادة على المعطيات. ومن هذه المعطيات انه من بين 100 تجربة اجراها علماء الوراثة على خلايا وراثية حيوانية لقيت النجاح تجربة واحدة فقط بينما في التجارب الباقية خلق العلم كائنات ممسوخة او كما يسميها العلماء "عيوب جينية".
غير ان 49 شخصا من الحائزين على جائزة نوبل نادوا للسماح بالتجارب في مجال الابحاث على الخلايا الجنينية البشرية مبررين موقفهم بتصورات ذات طابع طبي وباكتشافات واعدة يمكن بفضلها علاج اشد الامراض خطرا.
وانطلاقا من هذه التصورات بالذات نشطت في فترة ما عائلة المحامي الاميركي مارك هانت التي الحت بعد وفاة ابنها البالغ من العمر 10 اشهر على فكرة استنساخ نسخة جينية مشابهة لطفلها المفقود. ولقد ارتكز هانت في تجسيد فكرته الغريبة تلك على مساعدة مسؤولة شركة "كلونايد" البيوتقنية بريجيت باوسيلييه وخصص للمشروع مبلغ 500 الف دولار.
وفجأة امتنع هانت نفسه عن تحقيق تلك الفكرة. ولكن "العفريت كان قد اطلق من الزجاجة" وقام حول الموضوع العديد من النقاشات شارك فيها السياسيون والعلماء والمحامون.
وفي الوقت الحالي اصبح موضوع الاستنساخ مادة للنقاش داخل جدران الامم المتحدة. وبالتحديد اعربت الجمعية العامة في العام 1999 عن موقفها من هذا الموضوع معلنة بأن "استنساخ الانسان يتعارض مع الكرامة الانسانية ويجب منعه". وتقدمت بعض الدول حتى باقتراحات تطالب بفرض عقوبات اقتصادية على الدول "التي تجري اختبارات غير مسموح بها".
ان المسألة بشكل عام لم تعد تحمل طابعا علميا محضا فالمؤيدون كما والمعارضون لها ينطلقون من مفاهيم اخلاقية. فبعض العلماء والسياسيين يميلون الى تشبيه التجارب الحالية في مجال الاستنساخ بولادة اليوجينيا وهي النظرية العلمية حول صحة الانسان الموروثة وطرق تحسينها والتي كانت شائعة في مطلع القرن العشرين.
وحسب تلك النظرية من الممكن "تحسين" خصائص الانسان الفكرية والجسدية عن طريق "التلقيح والانتقاء الجيني". وشهد علم اليوجينا انتشارا خاصا في المانيا الهتلرية. فالنظام الفاشي وجد فيه تبريرا لايديولوجيته العنصرية. وبناء على تعاليم اليوجينيا تم في سنوات الثلاثينات في عدد من الدول اخضاع الآلاف من المعاقين فكريا الى عمليات اعقام الزامية. وكانت تلك العمليات منتشرة ليس فقط في المانيا وانما في الولايات المتحدة والنرويج واستونيا ايضا.
وتعارض الكنيستان الكاثوليكية والارثوذوكسية استنساخ الانسان لاعتبارهما هذه التجارب تتناقض والحق الالهي. كما وتعارض الكنيستان اجراء التجارب على الاجنة البشرية معتبرتان ان الجنين قد اصبح ذاتا بشرية لحظة تشكله. ويتفق مع هذه النظرة العديد من رجال الدين في العالم الذين يؤمنون بأن "الاستنساخ يعارض النظرة المسيحية الى العالم ويدمر كرامة الانسان".
ونجد من الصعب عدم الموافقة على هذا الموقف. فمعروفة هي الحادثة التي وقعت في الولايات المتحدة عندما اعلن زوجان عن استعدادهما من اجل ان يتم زرع نخاع العظم لطفلهما المريض الى ولادة طفل آخر ليتم أخذ نخاع العظم منه. فأين هي مبادئ الانسانية في حال كهذه!
اما فيما يختص بمجال الطب في روسيا فليست هناك حتى الآن تجارب في مجال استنساخ الانسان. اضافة الى ان العلماء الروس لديهم وجهة نظر خاصة في هذا الشأن. فظهور هذا الاتجاه الطبي الجديد مبدئيا يضع امام العلماء عددا غير قليل من التساؤلات ولا سيما من وجهة النظر الاخلاقية.
هذا ما اعلنه في العام 1997 مدير المركز الجمهوري لاعادة الانتاج الانساني لدى وزارة الصحة الروسية اندريه اكوبيان وهو المركز التي شكلت على قاعدته لجنة شؤون الاخلاق البيوطبية. اما الاكتشاف نفسه الذي ظهرت بنتيجته النعجة دوللي فهو برأي هذا العالم "رائعة من الروائع واعجوبة بيولوجية". اذ ان الاستنساخ يتمثل في القدرة الجديدة للخلية الناضجة "عندما يرغمونها على الانقسام بشكل تعود معه الى المسار الجنيني في تطورها". غير ان اجراء مثل تلك التجارب على الانسان يعتبر خطرا على "الناس الجدد" الذين يحاول العلماء الحصول عليهم. وذلك لان الاستنساخ يؤدي الى افقار الجعبة الوراثية من دون ان يمكن المخلوق الجديد من اظهار جعبته الوراثية الخاصة. ويرجح الخبراء بأنه حتى ولو نتج عن عملية الاستنساخ كائن بشري ما الا ان وضع هذا الكائن الصحي سيكون سيئا.
ومن الجدير التذكير بان روسيا سبق وانضمت الى الاتفاقية العالمية حول حظر استنساخ الكائنات البشرية في اطار ميثاق المفوضية الاوروبية الخاص بحقوق الانسان. ولقد اتخذت اغلبية الدولة الاوروبية قرارا بحظر اجراء التجارب على استنساخ الانسان لديها. ولذلك فان الحظر الذي اقرته الدوما الروسية يسير ضمن الخط الذي اعتمدته غالبية بلدان العالم القديم.