روسيا تزاحم قوى تقليدية على موطئ قدم ثابت في إفريقيا

من الماس إلى الأسلحة ومن النووي إلى النفط، لدى روسيا طموحات اقتصادية حقيقية في إفريقيا، لكن عليها التغلب على تأخير عمره ثلاثين عاما في منطقة يهيمن عليها الغربيون والصين وتركيا.

السوق الإفريقية الواعدة توقظ الحلم السوفييتي
روسيا تبحث توسيع منافذها في إفريقيا بعد الشرق الأوسط
موسكو تستضيف أول قمّة روسية إفريقية بالإضافة إلى منتدى اقتصادي كبير

موسكو - عدّلت روسيا بعد تأخر بنحو 30 عاما، بوصلتها صوب إفريقيا على أمل تحقيق حلمها من بوابة التجارة والأعمال، بعد أن وسّعت نفوذها في الشرق الأوسط تجاريا وسياسيا وعسكريا لترسم ملامح تمدد أيقظته وحفزّته سياسة أميركية باتت منذ وصول الرئيس الجمهوري دونالد ترامب للسلطة، أميل للانكفاء.

وبحثت موسكو في السنوات الأخيرة عن منافذ لتوسيع نفوذها في إفريقيا التي تعتبر تقليديا وتاريخيا فضاء تنافس بين الدول الغربية والصين وتركيا أيضا التي اقتحمت هذا الفضاء من بوابة التعاون الاقتصادي وربط صلات بجماعات وأحزاب إسلامية نافذة أو أنظمة ذات توجه إسلامي على غرار تحركها في السودان قبل عزل الجيش لحليفها عمر البشير وراهنت في الوقت ذاته على تلغيم الساحة الليبية من خلال نزولها بكل ثقلها في دعم جماعة الإخوان ومن والاها في الساحة الليبية.

ومن الماس إلى الأسلحة ومن النووي إلى النفط، لدى روسيا طموحات اقتصادية حقيقية في إفريقيا، لكن عليها أن تتغلب على تأخير عمره ثلاثين عاما في المنطقة التي يهيمن عليها الغربيون والصين.

افريقيا سوق واعدة وساحة تنافس بين العديد من القوى العالمية
افريقيا سوق واعدة وساحة تنافس بين العديد من القوى العالمية

وبعد توقف طويل نتيجة انهيار الاتحاد السوفييتي، يعتقد الكرملين الذي ينظّم في 23 و24 أكتوبر/تشرين الأول، أول "قمّة روسية إفريقية" بالإضافة إلى منتدى اقتصادي كبير، أن الوقت قد حان للعودة إلى القارة السمراء.

وبدأت الظروف تتهيّأ فبعد خمس سنوات من العقوبات الاقتصادية الغربية، تبحث روسيا عن شركاء جدد وعن فرص لتحفيز نموّها البطيء.

ورغم وصفها بأنها "قزم" اقتصادي في إفريقيا، إلا أنها تتمتع بوجود اقتصادي مماثل لوجود تركيا وهي جهة فاعلة أخرى في خضمّ توسّعها.

وفي العام 2018، بلغت نسبة المبادلات بين روسيا والقارة الإفريقية 20 مليار دولار، أي نصف قيمة مبادلات فرنسا وعشر مرات أقلّ من مبادلات الصين مع إفريقيا لكن ديناميكيتها إيجابية. وكذلك، تضاعفت قيمة الصادرات الروسية إلى إفريقيا خلال ثلاث سنوات وباتت الآن 4 بالمئة من إجمالي صادراتها مقابل 1 بالمئة قبل خمس سنوات.

شارل روبرتسون الخبير الاقتصادي الرئيسي في شركة رونيسانس كابيتال يرى أن لدى روسيا ميزة تنافسية فكفاءاتها في الأسلحة والهيدروكربونات أفضل من كفاءات الصين

ولكن هذه المرة، لم تعد المنتجات الروسية المصدّرة تقتصر على الهيدروكربونات أو خامات المعادن بل تتضمن الحبوب والأسلحة وهو أمر غير مفاجئ، إذ إن أفريقيا تمثّل 15 بالمئة من المبيعات العسكرية لثاني مصدّر للأسلحة في العالم.

إلا أن روسيا تتخذ لنفسها أيضا مكانا في القطاع النفطي في غانا أو في نيجيريا وفي قطاع الماس في أنغولا وتتقدم في قطاع النيكل في دول أخرى.

ويرى شارل روبرتسون الخبير الاقتصادي الرئيسي في شركة رونيسانس كابيتال أن "روسيا لديها ميزة تنافسية، كفاءاتها في الأسلحة والهيدروكربونات أفضل من كفاءات الصين".

ووفق روبرتسون، لم تصل موسكو متأخرة كثيرا فـ"إفريقيا ستستمرّ في النمو ونموّها سيكون الأسرع في العالم بحلول العام 2030. قالب الحلوى يكبر".

في الوقت الحالي، المبادلات التجارية موزعة بشكل غير متكافئ، إذ أن 80 بالمئة منها موجّهة إلى دول شمال إفريقيا على رأسها الجزائر ومصر.

ومن العاصمة الجزائرية، أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2006 عملية العودة إلى القارة مقترحا شطب ديونها مقابل إبرام عقد تسلّح ضخم. ومنذ ذلك الحين تمثل الجزائر 80 بالمئة من مبيعات الأسلحة الروسية إلى إفريقيا.

واستُخدم الأسلوب نفسه عام 2008 في ليبيا، عبر عقد سكك حديد وطموحات في مجال النفط، لكن الحرب الدائرة حاليا شلّت هذه الاستثمارات.

وتُعتبر التجربة المصرية إيجابية أكثر، فمع وصول الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عام 2013 إلى السلطة، استعاد بوتين حليفته الإستراتيجية من عهد الاتحاد السوفييتي.

وتنسّق القاهرة وموسكو في الملفات الإقليمية وتتفقان على عقود تسليح وفي المجال النووي. وكونها أول مستورد للحبوب في العالم، تحصل مصر على احتياجاتها بشكل أساسي من روسيا.

وبين عامي 2017 و2018، وقّعت روسيا أيضا عددا من اتفاقات بيع الأسلحة مع سلسلة دول إفريقية بناء على شراكات من نوع "الأمن مقابل منافع اقتصادية"، بحسب أرنو كاليكا من المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية.

ويوضح كاليكا أن الفكرة هي تقديم وسائل للحفاظ على النظام مقابل عقود من خلال الاستفادة من "الكلل لدى بعض الجهات الفاعلة الرسمية إزاء المقرض الصيني والعلاقة التجارية مع الصين"، لأن التبعية المالية حيال بكين تثير القلق في عدة عواصم إفريقية.

إلا أن الكرملين يظهر أيضا وكأنه من دون إستراتيجية للقارة ويبدو أنه يغتنم الفرص الظرفية على عكس أنقرة التي أطلقت عملية تقارب واسعة مع الدول الإفريقية.

وبالإضافة إلى رحلات 'التشارتر' السياحية، ليس هناك رحلات مباشرة منتظمة من روسيا إلا إلى مصر وإثيوبيا والمغرب. وفي المقابل، لدى تركيا حوالى خمسين وجهة إفريقية.

وترسل أنقرة أيضا وفودا اقتصادية ودبلوماسية كثيرة إلى القارة وقد انتشرت مكاتب وكالة الصحافة الرسمية التركية في جميع أنحاء إفريقيا.