رياض سلامة يتلاعب بالقضاء اللبناني مستغلا ثغرات قانونية

نتائج دعوى حاكم مصرف لبنان السابق ضد القضاة لا تعطل القضاء اللبناني فحسب، بل تعيق التعاون ما بين بيروت والقضاء الأوروبي في الملفات العائدة له.

بيروت – استطاع حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة تعطيل ملفه داخل القضاء اللبناني برفعه دعوى مخاصمة ضد الرئيس الأول لمحاكم الاستئناف في بيروت، بعد أن حصل لبنان على مستندات جديدة من القضاء السويسري لن يتم التحقيق فيها حاليا بسبب تجميد القضية لوقت طويل.

وتقدم سلامة بدعوى أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز لمخاصمة الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف في بيروت القاضي حبيب رزق الله، عما أسماه "الخطأ الجسيم" الذي ارتكبه الأخير جراء تعيين هيئة اتهامية للنظر بالطعن المقدم من هيئة القضايا في وزارة العدل، بقرار قاضي التحقيق السابق في بيروت شربل أبوسمرا الذي ترك سلامة رهن التحقيق ولم يصدر قرارا بتوقيفه.

والدعوى تعني أن القاضي رزق الله لم يعد قادرًا على تعيين أي هيئة اتهامية جديدة للبت بالاستئناف، أي أن سلامة نجح بالتلاعب بالقضاء اللبناني، عبر اعتماد الحيل القانونية الملتوية، ونجح في منع الملف من الوصول إلى قاضي التحقيق الأول الحالي بلال حلاوي.

وذكر مصدر قضائي مطلع أن "الملف سيبقى مجمدا لوقت طويل، باعتبار أن رزق الله، هو المرجعية التي تعين أو تنتدب هيئة قضائية، تقرر ما إذا كان قرار أبوسمرا قانونيا أم لا، مشيرا إلى أن نتائج هذه الدعاوى لا تعطل القضاء اللبناني فحسب، بل أعاقت التعاون ما بين لبنان والقضاء الأوروبي في الملفات العائدة له".

وكشف المصدر أن "النيابة العامة التمييزية تسلمت في الأيام الماضية مستندات إضافية من القضاء السويسري تتعلق بحسابات رياض سلامة ومقربين منه في المصارف السويسرية، وذلك تلبية لطلب القضاء اللبناني، لكن قاضي التحقيق لن يتمكن من التحقيق فيها بسبب وجود الملف لدى الهيئة الاتهامية".

ويشكك متابعون فيما إذا كان القضاء اللبناني، الذي تعتمد التعيينات فيه إلى حد كبير على الدعم السياسي، يحقق بجدية في اتهامات مرتبطة بشخصية تحظى بمثل مكانة سلامة، وذلك بالنظر إلى الدعم السياسي الذي يتمتع به من مسؤولين كبار.

ولا ينكر القضاء وجود صعوبات. وقال أعلى قاض بلبنان في نوفمبر 2022 في تعليق عام إن التدخل السياسي في العمل القضائي أدى إلى وضع فوضوي يتطلب "ثورة في المقاربات" لحله.

وكان سلامة حجر زاوية في النظام المالي الذي خدم المصالح الخاصة للفصائل الرئيسية في لبنان بعد الحرب الأهلية 1975-1990، ويقول العديد من المراقبين إن هذه الفصائل تخشى أن يكون لسقوطه تداعيات عليها.
وسأل رئيس حركة "التغيير" ايلي محفوض كلاَّ من "التيار الوطني الحر " والرئيس السابق ميشال عون عن الأسباب التي دفعتهما للتمديد لحاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة بينما يرفضان بقاء قائد الجيش جوزيف عون في منصبه.

وسبق أن كشف تقرير نشره موقع "ميديا بارت" الفرنسي عن بعض جوانب الخطة التي أعدها فريق سلامة وكتبت بخط اليد وصادرتها السلطات الفرنسية من منزل معاونته ماريان حويك.

وحددت الخطة أهدافاً واضحة هي "تغيير القاضية الفرنسية، وعرقلة التحقيقات اللبنانية والفرنسية، ومن ثم منعها من الوصول إلى نتائج لا تصب في مصلحة سلامة وأعوانه".

وجاء التقرير على ذكر اسم الوزير السابق وئام وهاب، مشيراً إلى إبلاغ كبيرة مستشاري مصرف لبنان ماريان حويك، وهي إحدى المقربين من الحاكم رياض سلامة، القضاء الفرنسي باتصال وهاب بها أثناء وجودها في فرنسا وتقديم الملاحظات لها، و"خريطة الطريق"، وقد قامت الحويك "بتدوين جميع ملاحظاته وقيمة المبالغ المالية، إلا أن الخطة لم تنفذ".

كما كشف التقرير عن معلومات في شأن ملابسات توقيف السلطات الفرنسية للمصرفي اللبناني مروان خير الدين، الذي يملك بنك "الموارد"، وكان أحد المتعاونين مع تعاميم حاكم مصرف لبنان في شأن الصيرفة، حيث استجوب وتمت مصادرة هاتفه الشخصي وجهاز الحاسوب الخاص به، للتدقيق بمراسلاته قبل إطلاق سراحه بصورة موقتة، بشرط مثوله مجدداً أمام القضاء الفرنسي.

من جهته نفى الوزير السابق وئام وهاب عبر منصة "أكس" أن يكون على معرفة بماريان حويك "لا من قريب ولا من بعيد، ولم يرها في حياته"، مضيفاً "مصدر الخبر هو واتساب الوزير مروان خير الدين، وحقيقتها أن الوزير وهاب قال له إنه سمع في باريس أن محامي رياض سلامة ليسوا أقوياء بما فيه الكفاية، وأن لدى وهاب محامين أهم منهم، فكان جواب مروان بأن سلامة يفضل الإبقاء على محاميه".

وجاءت ملاحقة سلامة في فرنسا بعد مسار طويل بدأ بشكوى تقدم بها مجموعة من المتضررين اللبنانيين ضد "مجموعة أشرار ومن يظهره التحقيق متورطاً، سواء كان فاعلاً أو محرضاً في موضوع الانهيار المالي بلبنان وخسارة الودائع".

وبدأت التحقيقات بتدقيق سويسري بشأن ما إذا كان سلامة وشقيقه رجا اختلسا أكثر من 300 مليون دولار من مصرف لبنان بين عامي 2002 و2015.

ومنذ ذلك الحين، بدأت دول أوروبية بينها فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ وليختنشتاين تحقيقاتها الخاصة فيما إذا كانت عشرات الملايين من الدولارات من الأموال التي يشتبه في اختلاسها من مصرف لبنان قد جرى غسلها في أوروبا.

وفي مارس/آذار 2022، أعلنت وكالة التعاون في مجال العدالة الجنائية التابعة للاتحاد الأوروبي تجميد نحو 120 مليون يورو (130 مليون دولار) من الأصول اللبنانية في فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ وموناكو وبلجيكا فيما يتصل بقضية قال ممثلو الادعاء في ميونيخ إن سلامة مشتبه بتورطه فيها.

وأصدرت فرنسا مذكرة توقيف في 16 مايو/أيار بعد تغيب سلامة عن جلسة استماع في باريس. وقال إنه سيطعن على المذكرة. وأصدر الإنتربول النشرة الحمراء الخاصة بسلامة في الأسبوع نفسه.