زخم الاحتجاجات يعود إلى العراق

عودة الاحتجاجات المناهضة للطبقة السياسية يأتي في ظل تأزم الوضع الأمني في العراق بعد مقتل سليماني وانتشار القلق بين العراقيين من أن تتحول بلادهم إلى ساحة حرب بالوكالة بين إيران وأميركا.
برلين تحذر من أن انسحاب قوات التحالف يجعل العراق ساحة لعودة الإرهاب
الغضب يجتاح الناصرية بعد اغتيال ناشط مدني على أيدي مجهولين
مواجهات عنيفة بين قوات الأمن والمحتجين تخلف عشرات الإصابات في صفوفهما

بغداد - استأنف آلاف العراقيين الجمعة تظاهراتهم في أنحاء العراق، منددين بإيران والولايات المتحدة اللتين شنتا ضربات مؤخرا على الأراضي العراقية، ما أثار قلقاً من سقوط البلاد في الفوضى مجدداً.

وأعاد المتظاهرون إحياء الحركة الاحتجاجية غير المسبوقة المناهضة للحكومة، مع دخولها يومها المئة منذ انطلاقها مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ويأتي هذا بعد أن خيم القلق قبل أيام على الشارع العراقي من أن يتحول بلدهم إلى ساحة حرب بالوكالة بين طهران وواشنطن، على خلفية مقتل قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني إثر غارة أميركية في طريق مطار بغداد.

وفي الـ3 من يناير/تشرين الثاني يوم مقتل سليماني هددت طهران برد قوي وعاجل انتقاما لذلك، حيث استهدف الأربعاء الحرس الثوري الإيراني بصواريخ باليستية قاعدتان أميركيتان في أربيل والأنبار شمالي وغربي العراق. وكانت واشنطن قبل تصفيتها لسليماني بأيام قليلة قد نفذت هجمات على ميليشيات عراقية موالية لإيران.

وفي ساحة التحرير المركزية وسط العاصمة بغداد وعلى غرار مدن عدة في جنوب البلاد، تظاهر الآلاف من العراقيين هاتفين "يلعن أبو أميركا وأبو إيران"، بحسب ما أفادت مصادر إعلامية على عين المكان.

وخرج المتظاهرون إلى الساحات الرئيسة في الديوانية والناصرية والبصرة والنجف، وكربلاء التي شهدت مواجهات ليلاً بين المتظاهرين والقوات الأمنية.

ومنذ أيام عدة تنتشر دعوات من ناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي لاستئناف الحراك في العاشر من الشهر يناير/كانون الثاني الجاري.

ويندد العراقيون منذ أكثر من ثلاثة أشهر بالطبقة السياسية الحاكمة التي يتهمونها بالفساد والمحسوبيات، ودفعت الاحتجاجات رئيس الحكومة العراقي عاد عبدالمهدي إلى الاستقالة مطلع ديسمبر/كانون الأول.

وتعيش البلاد حالة شلل سياسي منذ استقالة عبدالمهدي، ولا تزال الكتل السياسية غير قادرة على التوافق لإيجاد شخصية بديلة لرئاسة الوزراء رغم انقضاء المهل الدستورية.

وأسفرت أعمال العنف التي شهدتها التظاهرات في أنحاء البلاد عن مقتل نحو 500 شخصاً غالبيتهم من المحتجين، وإصابة أكثر من 25 ألفاً بجروح. وتعرض الناشطون أيضا لحملات تخويف وعمليات خطف واغتيال في محافظات عدة.

ولكن فيما تتجه الأنظار اليوم إلى العراق الذي صار أشبه بملعب بين واشنطن وطهران على خلفية اغتيال الأميركيين للجنرال الإيراني النافذ في بغداد، يرى العراقيون في ذلك فرصة لإيصال صوتهم.

وقال الناشط حيدر كاظم من الناصرية إن "عودة التظاهرات يعبر عن التمسك بمطالب ثورة أكتوبر، وتجديد لمطالب الشعب بأن ترفع الطبقة الحاكمة يدها عن مقدرات البلاد".

ويعاني العراقيون في بلد غني بالنفط أزمة اقتصادية وظروف اجتماعية صعبة حيث يعاني واحد عن كل أربعة من البطالة.

وبعد قتل القوات الأميركية في بغداد لسليماني ونائب قائد فصائل الحشد الشعبي العراقية أبو مهدي المهندس، أقر البرلمان العراقي في الـ5 من يناير/كانون الثاني قانونا يدفع الحكومة لطرد القوات الأميركية من العرق وإلغاء طلب المساعدة من التحالف الدولي التي تقوده واشنطن.

ولوحت واشنطن بفرض عقوبات اقتصادية على العراق حال طرد القوات الأميركية، فيما هددت فصائل حزب الله العراقي المدعومة إيرانية بضرب صادرات النفط المتجهة إلى الولايات المتحدة إدا فرضت عقوبات.

وفي هذا السياق حذرت برلين من أن انسحاب قوات التحالف سيجعل من العراق ساحة للإرهاب.

وقال وزير خارجية ألمانيا هايكو ماس الاثنين في مؤتمر صحفي مشترك عقده مع نظيره الأردني أيمن الصفدي في عمان، إن "العراق سيكون أرضية خصبة للإرهاب حال انسحاب قوات التحالف الدولي وستطال الهجمات المنطقة وأوروبا".

وساعد التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة عام 2017 القوات العراقية على دحر الميليشيات الإرهابية لتنظيم الدولة الإسلامية.

وفي سياق عودة الاحتجاجات، اغتال الاثنين مسلحون مجهولون بالرصاص  متظاهرا عراقيا قرب منزله جنوب مدينة الناصرية مرطز محافظ ذي قار، في أحدث عملية القتل التي تستهدف المحتجين السلميين.

وقالت مصادر إعلامية على عين المكان إن "مسلحين مجهولين يستقلون دراجة نارية اغتالوا المتظاهر حسن هادي مهلهل بإطلاق أربع رصاصات من مسدس كاتم للصوت، قرب منزله في ناحية العكيكة التابعة لقضاء سوق الشيوخ جنوب الناصرية ولاذوا بالفرار".

وتشهد مدن التظاهرات في العراق عمليات اغتيال شبه يومية تطال المتظاهرين والناشطين المدنيين من قبل مجهولين باستخدام الرصاص الحي.

كما أفاد شهود عيان الجمعة بإصابة نحو 40 من المتظاهرين والقوات الأمنية بعد مصادمات بينهما في شوارع مدينة الكوت مركز محافظة واسط التي تبعد 170 جنوب شرقي بغداد.

وقال الشهود إن "صدامات بين قوات الأمن ومحتجين حدثت اليوم، بينما استخدمت القوات الأمنية الغاز المسلي للدموع لتفريق المحتجين، فيما استخد المتظاهرون الحجارة ما أسفر عن إصابة 40 من الطرفين بجروح وحالات اختناق كحصيلة أولية".

وذكر الشهود أن المتظاهرين أحرقوا الإطارات وقطعوا الشوارع، وسط هتافات تندد بعنف القوات الأمنية ضد المتظاهرين السلميين.

وتشهد محافظة واسط إضرابا دائما في الجامعات والمدارس وعددا من الدوائر الحكومية للمطالبة بالشروع في تشكيل حكومة جديدة والتنديد بالعنف.