زمن الخيارات الصعبة في لبنان

يترك حزب الله لحلفائه الطموحين، من أمثال جبران باسيل، مهمة الدفاع عنه أمام الأميركيين.

في ضوء زيارة وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو لبيروت، يجد لبنان نفسه امام خيارات صعبة. الأكيد ان الردّ على بومبيو لا يكون باستخدام لغة خشبية من النوع الذي لجأ اليه وزير الخارجية جبران باسيل.

تحدّث الوزير اللبناني عن "حزب الله" الذي ليس سوى لواء في "الحرس الثوري" الايراني قائلا انّه "حزب لبناني". "حزب الله" نفسه لا يقول انّه حزب لبناني. يعترف الحزب بلسان امينه العام حسن نصرالله بانّ كل ميزانيته من ايران. اكثر من ذلك، ان نصرالله نفسه يقول انّه مجرّد "جندي" لدى الوليّ الفقيه، أي لدى علي خامنئي "مرشد الثورة" في ايران الذي يعتبر الآمر والناهي في "الجمهورية الإسلامية".

ما صدر عن وزير الخارجية الاميركي كان في المقابل كلاما منطقيا وواقعيا في الوقت ذاته. وصف "حزب الله" على حقيقته وشرح اين مصلحة لبنان. حدّد بومبيو بدقّة طبيعة "حزب الله" ونشاطه ودوره الإقليمي ومهمته. هناك في واشنطن إدارة تعرف كلّ شيء عن "حزب الله" وايران. لذلك لم يتردد بومبيو في الإشارة الى تفجير مقر المارينز قرب مطار بيروت في الثالث والعشرين من تشرين الاوّل – أكتوبر 1983. اسفر ذلك عن مقتل 241 عسكريا اميركيا في ما يمكن اعتباره أسوأ كارثة تعرّض لها الجيش الاميركي منذ حرب فيتنام.

ليس سرّا ان ايران كانت مرتبطة بعمليتي التفجير اللتين نفذهما انتحاريان لبنانيان واستهدفتا في 1983 جنودا اميركيين وفرنسيين في بيروت بهدف اخراج القوات الغربية من لبنان واحلال قوى موالية لها مكانها. سبق ذلك تفجير مقر السفارة الاميركية في عين المريسة. قتل في عملية التفجير تلك في نيسان – ابريل من العام 1983 أيضا، معظم مسؤولي مكاتب الـ"سي. آي. أي" في الشرق الاوسط، بمن فيهم المسؤول عن المنطقة كلها ويدعى بوب ايمز. كان ايمز اوّل من فتح قناة حوار مع منظمة التحرير الفلسطينية عبر المسؤول الأمني الفلسطيني علي سلامة (أبو حسن) الذي اغتالته إسرائيل في بيروت في كانون الثاني – يناير من العام 1979.

نعم، انّ "حزب الله" موجود في مجلس النوّاب اللبناني كما لديه ثلاثة وزراء، بينهم وزير الصحّة. هل يعني ذلك انّ في الإمكان تجاهل انّه ميليشيا مذهبية مسلّحة خطفت طائفة بكاملها؟ هل هذا كاف كي يتحدّث باسيل وغير باسيل بالطريقة التي تحدث بها متجاهلا البديهيات اوّلا وان اللبنانيين ليسوا، في معظمهم اغبياء وسذّجا، ثانيا واخيرا.

في الطريق الى ان يصبح لديه ثلاثة وزراء وكلّ هذا العدد من النواب، وقبل ذلك الى تحديد من يكون رئيس الجمهورية في لبنان بعد اغلاق مجلس النواب سنتين ونصف سنة، عمل "حزب الله" طوال تسعة وثلاثين عاما الكثير. الأكيد انّه لم يلجأ الى أي نوع من الأساليب التي لها علاقة بالديموقراطية لبلوغ ما هو عليه الآن. تظلّ في نهاية المطاف عناصر من "حزب الله" متّهمة باغتيال رفيق الحريري ورفاقه في العام 2005. لماذا يدافع جبران باسيل، اذا، عن مثل هذا الحزب الذي اخذ الطائفة الشيعية رهينة ويسعى حاليا الى تحويل لبنان كلّه رهينة لديه بحجة انّه يقاوم إسرائيل.

لا علاقة للدفاع عن "حزب الله" بالمنطق بمقدار ما انّ المطلوب من جبران باسيل المزايدة من اجل ان يضمن لنفسه موقع رئيس الجمهورية متى تنتهي ولاية عمّه ميشال عون لسبب او لآخر. هذا كلّ ما في الامر. كلّ ما تبقّى تفاصيل وتجاهل لما قد يكون اكبر كارثة حلت بلبنان منذ توقيع اتفاق القاهرة في العام 1969. تتمثّل هذه الكارثة في تحوّل "حزب الله" الى الناخب الأوحد لرئيس الجمهورية اللبنانية. بكلام أوضح، ان يقرّر "حزب الله"، أي ايران، من هو رئيس الجمهورية اللبنانية اشدّ خطورة على لبنان ومواطنيه من اتفاق القاهرة. معنى ذلك التخلي الكامل عن السيادة اللبنانية لمصلحة ايران، في حين كان اتفاق القاهرة بمثابة تخلّ عن السيادة على جزء من الأرض (ما سمّي فتح لاند في العرقوب).

كانت زيارة بومبيو فرصة كي يتصرّف لبنان بمسؤولية من دون الذهاب الى تبني وجهة نظر ايران في ما يخصّ "حزب الله" الذي لا يرى في البلد سوى "ساحة" ينطلق منها لتنفيذ مهمات في العراق وسوريا واليمن ودول أخرى وذلك بناء على توجيهات من طهران. في استطاعة لبنان ان يسأل ما الذي فعلته الإدارات الاميركية المتلاحقة منذ العام 1979 كي تساعد في كبح ايران وجعلها تتصرّف كدولة طبيعية. ماذا فعل جيمي كارتر عندما احتجزت السلطات الايرانية ديبلوماسيي السفارة الاميركية في طهران 444 يوما. كيف ردّ دونالد ريغان، الذي خلف كارتر، على تفجير مقرّ المارينز في بيروت. الم يكن اول ما فعله، وقتذاك، هو مباشرة التمهيد لانسحاب عسكري أميركي من لبنان... وترك البلد لسوريا وايران؟

الأكيد انّ على اللبنانيين تحمّل مسؤولياتهم. في المقابل، لا يستطيع لبنان تحمّل صدام من ايّ نوع مع "حزب الله" الذي اقام دولة خاصة به وبات يتحكّم بمفاصل أساسية في البلد بفضل الغطاء المسيحي الذي تأمّن له.

لا يمكن اعتبار ان اللبنانيين يتحملون وحدهم مسؤولية ما آلت اليه الاوضاع في بلدهم، خصوصا بعدما ترك العالم، خصوصا في السنوات الثماني التي أمضاها باراك أوباما في البيت الأبيض، ايران تتصرّف كقوّة مهيمنة في المنطقة. فوق لك كلّه، كان هناك نوع من التخلي العربي عن لبنان بحجة انّه ساقط عسكريا وسياسيا وان اللبنانيين في غير وارد الدخول في أي مواجهة مع "حزب الله" الذي اجتاح بيروت والجبل في ايّار – مايو من العام 2008 ولم يتصدّ له احد. حصل ايضا تخلّ عربي عن كلّ الاعلام اللبناني الذي كرّس نفسه لمواجهة "حزب الله" ومشروعه الذي يتجاوز حدود البلد.

حسنا، لا تزال الإدارة الاميركية تراهن على مؤسسة الجيش اللبناني وعلى وجود نواة داخل الحكومة ترفض الرضوخ لـ"حزب الله". هناك أيضا تغيير جذري في الموقف الاميركي من ايران مع بداية عهد دونالد ترامب في ضوء وجود الثلاثي مايك بنس (نائب الرئيس) ومايك بومبيو وجون بولتون. ليس السؤال، في ظل هذه المعطيات، ما الذي يستطيع لبنان عمله بمقدار ما انّ هناك سؤالا موجّها الى الإدارة الاميركية. الى أي مدى ستذهب في تغيير السلوك الايراني، وهل العقوبات كافية لإحداث هذا التغيير؟

لا يختلف اثنان على ان لبنان في وضع لا يحسد عليه. هذا زمن الخيارات الصعبة، لكنه ليس ايضا زمن الكلام غير المسؤول في الدفاع عن "حزب الله" وممارساته من اجل الوصول الى رئاسة الجمهورية. لا يدل هذا الكلام سوى على غياب ايّ نضج سياسي واي فهم لما يدور في المنطقة والعالم، فضلا عن عدم استيعاب اين تكمن مصلحة لبنان. من يراهن على ايران الآن هو مثل ذلك الذي راهن على صدّام حسين عندما اجتاح الكويت صيف العام 1990. من يتذكّر ماذا حصل في لبنان بعد ذلك؟