المغرب يسعى لمحاصرة ظاهرة تزويج القاصرات

دعوة وزير العدل المغربي عبداللطيف إلى تجريم زواج القاصرات تمنح جرعة أمل للجمعيات الحقوقية لمواجهة الظاهرة.

الرباط - دعا وزير العدل المغربي عبداللطيف وهبي مؤخرا إلى تجريم زواج القاصرات وهو ما أثار جدلا بشأن الظاهرة التي لم انفكت تعيد دائر النقاش القانوني والحقوقي حولها في المغرب وسط مطالب بإيجاد حلول للحد من تصاعدها المستمر.

ورغم أن مدوّنة الأسرة التي تم تعديلها في عام 2004 حاصرت ظاهرة تزويج القاصرات برفع سنّ الزواج إلى 18 عاما، إلا أن ما كشفته الأرقام بين أنّ الأمر ما زال مستمرا على ما هو عليه وأنه لا نجاح تحقق في مواجهة الظاهرة.

ففي 4 يناير/ كانون أشار وهبي في مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان) إلى أنه "في عام 2017 تم تسجيل 26 ألف حالة زواج قاصر وانخفض العدد سنة 2020 إلى 12 ألف حالة وفي سنة 2021 ارتفع إلى 19 ألفا"، داعيا إلى تجريم الظاهرة.

وشدد على أنه مع تجريم زواج القاصرات وإلغاء الإذن الذي يُعطى من طرف القاضي للقاصر من أجل السماح بحالات من هذا الزواج، مؤكدا على أن "السن المناسبة للزواج هي 18 سنة فما فوق".

منح هذا التصريح جرعة أمل للجمعيات الحقوقية، إذ تصاعدت دعوات العديد من الناشطات إلى تجريم الظاهرة.

ويرى خالد لحسيكة الأستاذ الباحث في علم اجتماع الأسرة والنوع الاجتماعي بالمعهد الجامعي للبحث العلمي في جامعة محمد الخامس بالرباط (حكومية) أن "تزويج الأطفال" هو المصطلح الصحيح لتلك الظاهرة.

وأكد أن الظاهرة تمثل "اعتداء على الأطفال في حقوقهم الطبيعية التي ربما كل المجتمعات ترفضه تحت إطار الاتفاقية الدولية لحقوق الأطفال".

ولفت بخصوص نطاق انتشار الظاهرة إلى أنها "توجد في المجالات المعزولة التي لا تصلها التأثيرات الثقافية والمكتسبات التنموية، خصوصا المجال القروي (الأرياف)"، معتبرا أن "المسؤول الأول عن انتشارها هو المُشرع.. في الواقع تزويج القاصرات ممنوع في القانون المغربي، لكن بسبب نافذة الاستثناء والسلطة التقديرية أضحى الاستثناء قاعدة".

ويتيح القانون الزواج للذكور والإناث في سن 18 عاما ويشترط الحصول على إذن من القاضي لتزويج الإناث اللواتي تراوح أعمارهن بين 15 و18 عاما، فيما يُمنع على الذكور الزواج قبل 18 عاما.

وشدد لحسيكة على ضرورة إلغاء هذا الاستثناء، فـ"منح السلطة التقديرية في اتخاذ القرار يتسبب في ترك مصير آلاف الأطفال تحت مسؤولية آخرين يقررون نيابة عنهم".

ويطالب حقوقيون للقضاء على هذه الظاهرة بتعديل قانون الأسرة بجعل السن القانونية للزواج هي 18 عاما ومنع زواج من هم دون ذلك.

وتنص المادة 20 من القانون على أنه لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية (18 عاما)، مع تبيان المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي.

وبحسب بشرى عبده رئيسة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة (غير حكومية)، فإن لانتشار زواج القاصرات أسباب عديدة أبرزها "غياب الوعي عند العائلات وعدم احترام القانون".

ولفتت إلى أن "الزواج المبكر يؤدي إلى ارتفاع نسبة الطلاق في المجتمع"، مشددة على "ضرورة وجود عقوبات صارمة للتغلب على الظاهرة".

ودعت إلى "تغيير القانون من خلال حذف الفصول التي توجد في مدونة قانون الأسرة باعتبارها تسمح بتنفيذ قرار تزويج القاصرات"، واصفة أرقام زواج القاصرات التي كشفت عنها النيابة العامة بأنها "واقعية" و"المدن الكبرى تعيش نفس ما تعيشه المناطق المهمشة في المغرب من انتشار هذه الظاهرة".

وأصدرت النيابة العامة المغربية في 2021 دراسة عن الظاهرة بين عامي 2015 و2019، أكدت فيها أن زواج القاصرات له "آثار سلبية تؤرق الدولة والمجتمع على حد سواء".

وشددت على أن الوضع "يستدعي تضافر الجهود ورفع مستوى تعبئة المجتمع"، معتبرة أن الظاهرة "ليست شأنا قضائيا صرفا تنحصر أسبابه في التدبير العملي لمقتضيات المادتين 20 و21 من مدونة الأسرة".

وأكدت أن الظاهرة "شأن مجتمعي تتعدد أسبابه التي تتوزع بين ما هو اجتماعي واقتصادي وثقافي وديني وتتشعب نتائجه فتمس كل شرائح المجتمع".

وسجلت الدراسة بخصوص سن الزواج أعلى عدد حالات زواج وهو 1099 بين مُن يراوح عمرهن بين 17 عاما و17 عاما ونصف وبلغ عدد حالات زواج القاصرات في عمر أكبر من 17 عاما ونصف 744 حالة، فيما تزوجت 262 قاصرا بين 16 عاما ونصف و17 عاما، يليه 181 حالة زواج لقاصرات بين 16 عاما ونصف و16 عاما، إضافة إلى 13 حالة زواج بين 15 و16 عاما وحالة واحدة في عمر أقل من 15 عاما.

وأفادت الدراسة بأن فارق العمر الغالب بين القاصرات وأزواجهن يراوح بين 5 أعوام و15 عاما، ثم يليه فارق بين 15 و25 عاما، ثم فوق 20 عاما.

وخلصت الدراسة إلى أن الزواج المبكر يؤثر على صحة القاصر، إضافة إلى معاناتهن من عنف معنوي ونفسي واقتصادي وجسدي وجنسي.

واقترحت النيابة العامة من خلال خطة العمل المندمجة لمحاربة زواج القاصرات اعتماد الخبرة الطبية والبحث الاجتماعي مع الفتاة القاصر على انفراد وإجراء بحث بواسطة النيابة العامة مع الخاطب واشترطت كذلك توفر الكفاءة من حيث السن والمستوى الاجتماعي والثقافي بين الخاطب والقاصر مع التأكد من كون الزواج ليس سببا في مغادرة القاصر للدراسة أو أنه يهدد متابعتها لدراستها.