زيارة روحاني الى العراق: حقيبةُ منْ امتلأتْ؟

الجديد هو معاناة طهران من الحصار الأمريكي فكان لا بد لها من خلق ثقوب تُمرر من خلالها قوتاً يساعدها على البقاء من هنا يمكن وضع زيارة روحاني الأخيرة كمرحلة متقدمة في طريق الحفر.

بقلم: ليث ناطق

إنها زيارة استثنائية ل”العدو التاريخي” الذي تحوّل في السنوات الاخيرة الى صديق وديع.فطوال عقود كان الطرفان يمثلان تهديدامتبادلاً يُسهر عيون بعضهما على حدود الآخر التي تمتد الى 1458 كلم، خصوصاً بعد حرب الأعوام الثمانية التي اندلعت بين العراق وإيران في الثمانينات وخلفت نتائج انسانية واقتصادية وسياسية وخيمة على الطرفين.

لكن التحول السياسي الذي عاشته بغداد بعد 2003 خلق تحولا آخر في علاقة البلدين اللصيقين جغرافياً، فصارت “الجمهورية الاسلامية في ايران” الصديق القوي والملجأ وهذا ما عملت إيران على تثبيته سياسياً وأمنياً واجتماعياً.

الجديد هو معاناة طهران من الحصار الأمريكي، فكان لا بد لها من خلق ثقوب تُمرر من خلالها قوتاً يساعدها على البقاء، من هنا يمكن وضع زيارة روحاني الأخيرة كمرحلة متقدمة في طريق الحفر.

جاء روحاني مسبوقاً بوزير خارجيته محمد جواد ظريف، الذي طرح ملفات مهمة تتصدرها قضية ترسيم الحدود ورغبة طهران بإعادة تفعيل اتفاقية الجزائر 1975. تلك الاتفاقية كان وقعها صدام حسين نائب رئيس الجمهورية آنذاك، ومن الجانب الإيراني شاه ايران محمد رضا بهلوي. كان العراق يرغب في وقف تمويل إيران لتمرد الزعيم الكردي الملا مصطفى برزاني في شمال العراق.

إعادة اتفاق الجزائر: إحياء موتى

أعلن الطرفان في البيان الختامي المشترك للزيارة العودة إلى تنفيذ اتفاق الجزائر والبدء بعمليات مشتركة لتنظيف شط العرب. ووفق البيان فإن منصة “العمية” منصة عراقية كما كانت.

نصت اتفاقية 1975 على اعادة ترسيم الحدود بين الطرفين فوق أعمق نقطة من شط العرب، أو ما يعرف بخط “التالوك” أو خط القعر، بعد أن كان شط العرب بأكمله عراقياً وفق اتفاق 1938 الذي ألغاه الطرف الإيراني عام 1969. لكن وكمصير اتفاقات سابقة، الغيت هذه الاتفاقية من قبل طرف واحد وهذه المرة الطرف العراقي. كان ذلك قبل اندلاع حرب عام 1980 .

حاول الايرانيون اعادة تفعيل الاتفاق مرات عدة، واجهت إحداها الرفض علناً من قبل رئيس جمهورية العراق الأسبق جلال طالباني عام 2007 وشكلت لجنة فنية لدراسة الحالة، لم تظهر نتائجها منذ سنوات.

يرى البعض بأن مطالبة الجانب الايراني بإعادة احياء الاتفاق باطلة، فحالة شطّ العرب وجغرافيته تغيرت بعد 45 عاما من الاتفاق بفعل التغيرات الجيولوجية التي تعرض لها، فزحف الشط 2200 مترا بالاتجاه العراقي، وأصبح ميناء العمية العراقي مثلاً داخل الأراضي الايرانية، واعادة الوضع الى سابق عهده يحتاج لاعادة شط العرب الى حالته في العام 1975 عبر عمليات حفر في الجانب الإيراني والطمر في الجانب العراقي.

يعاني شط العرب من ارتفاع تركيز الأملاح من مستواه الطبيعي البالغ 1000 جزء في المليون الى 25 ألف جزء بالمليون، وزيادة الترسبات والسموم الى ما فوق المستوى الطبيعي ايضا وللسياسات المائية الايرانية مسؤولية كبرى في ذلك.

مجزرة الروافد المائية

يدخل الى الاراضي العراقية 42 رافداً مائيا من ايران، قطع الجانب الايراني 35 رافدا منها، وفق لجنة الزراعة والمياه النيابية السابقة. وأحد أهم هذه الروافد هو نهر “الكارون” الذي كان يصب مباشرةً في شط العرب لكن السلطات الايرانية قامت بقطعه وحولت مساره عبر حفر قناة “بهشمير” الموازية لشط العرب، والتي تجري بضفتيها في الاراضي الايرانية، الشيء الذي ساهم بتفاقم الترسبات في شط العرب ويؤثر سلباً على مساحات زراعية واسعة. وترتفع مساوئ هذا التحول أكثر مع فتح الجانب الإيراني مزارع قصب السكر ومخلفاتها في مجاري الأنهر القادمة الى العراق.

لم يبنِ الإيرانيون “وحشاً” كسد “أليسو” التركي، لكنهم باشروا ببناء 109 سداً صغيراً يقع كثير منها على المجاري المائية المتجهة إلى الأراضي العراقية، منها سد “كولسه” في منطقة “سردشت” الايرانية الذي تسبب بحرمان نهر الزاب الأعلى من 80 بالمئة من مناسيبه.

تتوزع الاتفاقات التي خرجت بها الزيارة على قطاعات عديدة أهمها الاتفاق على رفع رسوم تأشيرة دخول مواطني البلدين لأراضيهما، لكنها خلت من ذكر لمناسيب المياه الآتية من إيران والتي انقطع نحو 80  بالمئة منها في السنوات الأخيرة.

رسوم تأشيرات الدخول.. هدية بغداد لطهران

سعى روحاني وطاقمه إلى إلغاء تأشيرات الدخول بين البلدين، لكن الجانب العراقي أصر على ابقائها بينما وافق على مجانيتها. يزور العراقيون إيران لأغراض كالسياحة والسياحة الدينية والطبية ويبلغ عدد العراقيين الذين يدخلون الاراضي الايرانية 1.7 مليونا في السنة حسب لجنة الحج والزيارة الايرانية، في حين يزيد عدد الايرانيين الذين يدخلون العراق سنويا على 2.3 مليونا، وهذا الرقم لا يشمل زائري ذكرى أربعين الامام الحسين، الذين يتجاوز عددهم لوحدهم في بعض السنوات 3 ملايين زائر.

يستحصل العراق مبلغ 40 دولاراً عن كل تأشيرة دخولة تمنح للايرانيين، لكنه سيفقد هذا الإيراد بعد نفاذ اتفاقية الغاء بدل التأشيرة. لم تكتفِ اتفاقات الطرفين بذلك، فامتدت الى قطاعات الطاقة والاستثمار والتجارة، منتجةً تفاهمات ستؤثر حتما بشكل علاقة البلدين في هذه المجالات.

انكفاء ميزان التبادل التجاري

لم تخل الزيارة من تفاهمات لخفض قيمة التعرفة الجمركية على البضائع المتبادلة بين البلدين، والحقيقة ان البضائع تسير باتجاه واحد من طهران الى بغداد. قبل ركوبه الطائرة متوجهاً الى بغداد صرح روحاني بأن حجم العلاقة الاقتصادية بين إيران والعراق تبلغ 12 مليار دولار، وقال هناك مساع لرفعها الى 20 مليارا.

بلغت موازنة ايران للعام 2019 47.5 مليار دولار وهي نصف قيمة الميزانية التي سبقتها. ويستورد العراق من ايران سلعاً استهلاكية بقيمة 8.6 مليار دولار سنوياً، ويعتمد في جزء كبير من تزويد الطاقة الكهربائية فيه على استيرادها من ايران. وتبلغ قيمة ما يستورده من إيران في هذا القطاع 3.5 مليار دولار في السنة، ما يعني أن السوق العراقية تمثل رئة الاقتصاد الإيراني.

تعاني الصناعات العراقية شللاً يقعدها تماما كمتفرج على جانب طريق البضائع المستوردة. زراعياً ليس الوضع أفضل، أما في قطاع الكهرباء فوفق لجنة النزاهة النيابية بلغ انفاق العراق عليه 50 مليار دولار منذ العام 2003 حتى 2018.