زيارة شي للرياض تسرع خطوات التقارب الصيني السعودي

ولي العهد السعودي يرى أن الصين شريك مهم في محاولته لتطوير صناعات أخرى بما يتماشى مع أجندة رؤية 2030.
اتفاقات مبدئية بأكثر من 29.3 مليار دولار خلال القمة السعودية الصينية
تحسين العلاقات مع الصين أصبح يمثل أولوية للسعوديين.
التقارب السعودي الصيني لا يعني قطعا مع الحليف الأميركي
القمة الصينية العربية تؤسس لشراكات واسعة

الرياض - ترسم قمة صينية سعودية وأخرى صينية عربية تعقدان على هامش زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للمملكة، خارطة تعاون أوسع وملامح تحالف تكسر التحالف التقليدي السعودي الأميركي لكنها لن تشكل بالضرورة قطيعة بين الرياض والولايات المتحدة رغم حالة التوتر التي تشوب علاقات البلدين.

وتسعى السعودية إلى تحقيق مكاسب اقتصادية من زيارة الرئيس الصيني للمملكة هذا الاسبوع، في خضم خطة يقودها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تأخذ في الاعتبار مبدأ تعزيز المصالح ولتنويع الشركاء الدوليين بما يخدم تلك المصالح.

وقالت وكالة الأنباء السعودية اليوم الثلاثاء إنه سيتم توقيع اتفاقات مبدئية بأكثر من 110 مليارات ريال (29.26 مليار دولار) خلال القمة السعودية الصينية هذا الأسبوع.

ويبدأ الرئيس شي جين بينغ زيارته الأولى للسعودية منذ 2016 على أن تستمر حتى يوم الجمعة، يشارك خلالها في قمتين خليجية-صينية وعربية-صينية يحضرهما قادة دول المنطقة، بحسب وكالة الأنباء السعودية.

وتأتي هذه الزيارة في خضم تصاعد التوترات بين السعودية والولايات المتحدة بشأن قضايا تتراوح من سياسة الطاقة إلى الأمن الإقليمي وحقوق الإنسان.

وجاءت آخر الضربات لتلك الشراكة التاريخية في أكتوبر/تشرين الأول عندما وافق كارتل 'أوبك بلاس' على خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميا وهي خطوة قال البيت الأبيض إنها ترقى إلى "الاصطفاف مع روسيا" بشأن الحرب على أوكرانيا. واختارت المجموعة التي تضم السعودية وروسيا الأحد الإبقاء على مستويات خفض الإنتاج نفسها.

ويقول الخبير في العلاقات الخليجية الصينية بالمعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية ناصر التميمي إن رحلة الرئيس الصيني إلى الرياض "لا تتعلق فقط بالولايات المتحدة، أو إرسال إشارات إلى الولايات المتحدة، بل بالسعودية نفسها".

وأضاف "البلد (السعودية) يتغير. إنهم يحاولون تغيير هيكل اقتصادهم وهيكل سياستهم الخارجية. الموضوع الرئيسي بالنسبة لهم هو التنويع"ن فيما يرى الباحث في مركز 'صندوق مارشال' الألماني اندرو سمول أن "بكين تدرك جيدا عمق العلاقات السعودية الأميركية - على الرغم من التوترات الحالية، لكن إذا أرادت الرياض التحوط، فهذه فترة ستحرص بكين فيها على الاستفادة من ذلك".

العاهل السعودي والرئيس الصيني أظهرا في السنوات الأخيرة رغبة في تعزيز الشراكات بين بلديهما
العاهل السعودي والرئيس الصيني أظهرا في السنوات الأخيرة رغبة في تعزيز الشراكات بين بلديهما

والسعودية هي أكبر مصدّر للنفط في العالم والصين هي أكبر مستورد للخام، حيث تشتري ما يقرب من ربع الشحنات السعودية.

وقد ذكرت صحيفة 'وول ستريت جورنال' في مارس/اذار أن الرياض تدرس تسعير بعض عقودها النفطية باليوان بعد تداولها حصريا بالدولار لعقود، لكن رئيس شركة أرامكو وصف التقرير بأنه عبارة عن "تكهنات". كما أن هناك إمكانية للجانبين لتكثيف التعاون في تطوير البنية التحتية مثل المصافي.

ويقول سمول إن الصين حريصة على "تعزيز علاقاتها مع موردي الطاقة الرئيسيين في وقت يستمر فيه عدم القدرة على التنبؤ بالسوق".

وبعيدا عن الطاقة، يرى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أن الصين شريك مهم في محاولته لتطوير صناعات أخرى بما يتماشى مع أجندة رؤية 2030.

واعتبر محللون أن الصفقات قد تشمل عمل الشركات الصينية في مدينة "نيوم" المستقبلية الضخمة التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار، بما في ذلك التعرف على الوجوه وتقنيات المراقبة الأخرى.

ويرى جوناثان فولتون من معهد 'المجلس الأطلسي' أن الاجتماعات بين الرئيس الصيني وقادة مجلس التعاون الخليجي يمكن أن توفّر أيضا فرصة لإحياء اتفاقية التجارة الحرة التي طال انتظارها.

وتابع "الصين تبيع أساسا كل شيء للسعودية... فيما تبيع المملكة النفط ومنتجات النفط إلى الصين، لذلك أعتقد أنهم يرغبون في إيجاد طرق مختلفة لدخول السوق الصينية وعدم الاعتماد على مُنتج واحد".

محللون يعتبرون أن الصفقات قد تشمل عمل الشركات الصينية في مدينة نيوم المستقبلية الضخمة التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار بما في ذلك التعرف على الوجوه وتقنيات المراقبة الأخرى

ومع ذلك، فإن توثيق العلاقات مع الصين لا يعني أن المملكة العربية السعودية تريد خفض مستوى شراكتها مع الولايات المتحدة، فحتى في ذروة التصريحات الصاخبة حول تخفيض إنتاج النفط في أكتوبر/تشرين الأول حين تحدث الرئيس الأميركي جو بايدن عن "عواقب"، شدد المسؤولون السعوديون على أهمية علاقاتهم مع واشنطن.

ويقول المحللون إنه في الوقت الذي تتعاون فيه الصين والسعودية في مبيعات الأسلحة وإنتاجها، لا تستطيع بكين توفير الضمانات الأمنية التي دعمت الشراكة الأميركية السعودية منذ بدايتها في نهاية الحرب العالمية الثانية.

وقد عاشت المملكة لسنوات في ظل التهديد المستمر بهجمات الطائرات المسيرة من الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، حيث تقود تحالفا عسكريا لدعم الحكومة.

وقالت الولايات المتحدة الشهر الماضي إنها كشفت وردعت تهديدات وشيكة من جانب إيران، مؤكدة تقارير سابقة عن أن الجمهورية الإسلامية كانت تخطط لشن هجوم على السعودية.

ويرى كوربورن سولتفات من مؤسسة "فيريسك مابليكروفت" الاستشارية أن "تحسين العلاقات مع الصين يمثل أولوية" للسعوديين.

لكن بحسب المحلل، هناك "حد لمدى الابتعاد عن الولايات المتحدة طالما أن الديناميكيات الإقليمية على ما هي عليه، وطالما أنها معرّضة بشدة للهجمات العسكرية الإيرانية".

وقال دبلوماسيون لرويترز إنهم يتوقعون أن يوقع الوفد الصيني عشرات الاتفاقيات مع السعودية ودول عربية أخرى في مجالات تشمل الطاقة والأمن والاستثمارات.

والصين هي أكبر شريك تجاري للسعودية، إذ وصل حجم التبادل التجاري بينهما إلى 87.3 مليار دولار في 2021. وبلغت قيمة الصادرات الصينية للمملكة 30.3 مليار دولار، فيما بلغت واردات الصين من الرياض 57 مليار دولار.

وتظهر بيانات الجمارك الصينية أن السعودية هي أكبر مورد للنفط للصين، فهي منشأ 18 بالمئة من إجمالي مشتريات بكين من النفط الخام. وبلغ إجمالي الواردات 73.54 مليون طن (1.77 مليون برميل في اليوم) في الأشهر العشرة الأولى من 2022، بقيمة 55.5 مليار دولار.

وبلغت واردات النفط العام الماضي 87.56 مليون طن بقيمة 43.9 مليار دولار، تمثل 77 بالمئة من إجمالي واردات الصين السلعية من السعودية.

ولدى عملاق النفط السعودي أرامكو صفقات توريد سنوية مع عدد من المصافي الصينية، من بينها سينوبك ومؤسسة البترول الوطنية الصينية والمؤسسة الوطنية الصينية للنفط البحري وسينوكيم وشركة شمال الصين للصناعات (نورينكو) وشركة تشجيانغ الخاصة للبتروكيماويات.

الصين هي أكبر شريك تجاري للسعودية إذ وصل حجم التبادل التجاري بينهما إلى 87.3 مليار دولار في 2021 وبلغت قيمة واردات الصين من الرياض 57 مليار دولار

واتخذت أرامكو في أوائل 2022 قرارا استثماريا نهائيا ببناء مصفاة ومجمع للبتروكيماويات بعشرة مليارات دولار في شمال شرق الصين، في أكبر استثمار منفرد لها في البلاد.

والمشروع الذي أطلق عليه اسم شركة هواجين أرامكو للبتروكيماويات هو مشروع مشترك يضم أرامكو ومجموعة هواجين للصناعات الكيماوية، وهي وحدة تابعة لنورينكو ومجموعة بانجين سينسين الصناعية.

ويضم المشروع الذي من المتوقع أن يبدأ تشغيله في 2024، مصفاة تبلغ طاقتها 300 ألف برميل في اليوم ومصنع إيثيلين بطاقة 1.5 مليون طن سنويا، ومن المقرر أن توفر أرامكو ما يصل إلى 210 آلاف برميل يوميا من النفط الخام.

والاستثمار المشابه الآخر الوحيد لأرامكو في الصين هو حصة 25 بالمئة في شركة التكرير والبتروكيماويات المحدودة في مقاطعة فوجيان التي تسيطر عليها شركة التكرير الحكومية العملاقة سينوبك والتي بدأت في 2008 بتشغيل مصفاة تبلغ طاقتها الإنتاجية 280 ألف برميل يوميا ومجمع إيثيلين بطاقة 1.1 مليون طن سنويا.

ووقعت أرامكو في أكتوبر/تشرين الأول 2018 مذكرة تفاهم مع حكومة تشجيانغ لاستثمار تسعة بالمئة في تشجيانغ للبتروكيماويات التي تدير أكبر مصفاة منفردة في الصين بطاقة 800 ألف برميل يوميا. ولم يتم الإعلان عن أي تقدم آخر منذ ذلك الحين.

وبالمثل تمتلك سينوبك 37.5 بالمئة في ينبع أرامكو سينوبك للتكرير (ياسرف) وهي مشروع مشترك مع أرامكو يشغل مصفاة بطاقة 400 ألف برميل في اليوم في ينبع على ساحل البحر الأحمر.

صندوق طريق الحرير المملوك للدولة في الصين هو جزء من كونسورتيوم تقوده شركة إي.آي.جي غلوبال إنرجي بارتنرز ومقرها الولايات المتحدة التي أبرمت منتصف 2021 صفقة لشراء 49 بالمئة من أعمال خطوط أنابيب نفط أرامكو مقابل 12.4 مليار دولار.

وطريق الحرير هو أيضا جزء من كونسورتيوم تقوده شركة بلاك روك ريل أسيتس وشركة حصانة الاستثمارية التي أعلنت في فبراير/شباط استكمال الاستحواذ على حصة 49 بالمئة من شركة أرامكو لإمداد الغاز مقابل 15.5 مليار دولار.

وأعلنت شركة تطوير المرافق السعودية أكوا باور التي يملك جزءا منها صندوق الاستثمارات العامة وهو صندوق الثروة السيادي للمملكة، في سبتمبر/أيلول أنها اتفقت مع صندوق طريق الحرير على الاستثمار المشترك في محطة طاقة تعمل بالغاز بقدرة 1.5 جيغاوات في أوزبكستان مقابل مليار دولار، وهي جزء من مبادرة بكين (حزام واحد طريق واحد).

وتبني شركة الصين لهندسة الطاقة التي تديرها الدولة محطة طاقة شمسية بقدرة 2.6 جيغاوات في الشعيبة بالسعودية، المملوكة أيضا لأكوا باور.

وأوردت صحيفتا عرب نيوز وسعودي جازيت السعوديتين في مارس/آذار أن الشركة السعودية لأنظمة الاتصالات والإلكترونيات المتقدمة وقعت اتفاقا مع مجموعة تكنولوجيا الإلكترونيات الصينية لتصنيع أنظمة حمولات الطائرات المسيرة في المملكة.

وأعلنت الإمارات في فبراير/شباط أنها تخطط لطلب 12 طائرة هجومية خفيفة من طراز إل-15 من الصين مع خيار شراء 36 طائرة أخرى.