زيارة وفد من الكونغرس لسوريا تمهّد لإنهاء التوجس من الحكم الجديد

نائبان جمهوريان يستكشفان خلال الزيارة طبيعة الحكم الجديد في سوريا ويؤكدان على ضرورة انهاء النفوذ الإيراني في البلاد وتعزيز التعددية وتشريك الأقليات في السلطة.
السوريون يطالبون النائبين الأميركيين بالعمل على رفع العقوبات على بلادهم
النائبان يطالبان الحكومة السورية بمكافحة الارهاب واخراج المقاتلين الأجانب
النائبان يطالبان بمنع سقوط السلطة الجديدة في سوريا في أحضان روسيا والصين
فتح قنوات اتصال لا يعني بالضرورة تطبيعًا سريعًا أو شاملاً للعلاقات بين دمشق وواشنطن

دمشق - وصل عضوان بالكونغرس الأميركي إلى العاصمة السورية، الجمعة، في زيارة غير مسبوقة منذ الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد أواخر العام الماضي. وتأتي الزيارة وسط إشارات إلى انفتاح أميركي حذر على القيادة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، بعد فترة من الجمود السياسي والتحفظ المشوب بالترقب، خصوصًا في ظل التعقيدات الإقليمية المرتبطة بالدور الإيراني في سوريا وكذلك ارتباط الرئيس الانتقالي السابق بالقاعدة وطبيعة الحكم المقبلة وعلاقتها بالاقليات.
كما تأتي الزيارة التي قام بها النائبان الجمهوريان كوري ميلز عن ولاية فلوريدا، ومارلين ستوتزمان عن ولاية إنديانا، وسط إشارات إلى انفتاح أميركي حذر على الشرع، الرجل الذي أثار الكثير من الجدل بسبب تاريخه الميداني ضمن جماعات إسلامية مقاتلة، من بينها ارتباطات وثيقة بتنظيم القاعدة، قبل أن يعلن انفصاله عنها لاحقًا.
وقد التقى ميلز بالرئيس السوري مساء الجمعة في جلسة استمرت نحو 90 دقيقة، تطرقت إلى مسألتين تعتبران مفتاحيتين في العلاقة المستقبلية بين واشنطن ودمشق وهي العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، والنفوذ الإيراني في البلاد.
وبحسب مصدر من داخل الوفد الأميركي، فإن اللقاء اتسم بـ"الانفتاح والحذر في آن واحد"، إذ استعرض الجانب السوري رؤيته لإعادة بناء الدولة بعد سنوات الحرب، في حين شدّد ميلز على ضرورة التزام دمشق بقطع العلاقات مع ما يعرف بمحور "المقاومة" في المنطقة، خاصة إيران ووكلائها وبالتحديد حزب الله. وكان الرئيس السوري أكد مرارا أنه سيعمل على انهاء نفوذ طهران في بلاده.

اللقاء اتسم بالانفتاح والحذر في آن واحد

ويأتي اللقاء بين الطرفين في وقت طرحت فيه الولايات المتحدة، في وقت سابق من هذا العام، قائمة شروط مبدئية لتخفيف جزئي للعقوبات، من أبرزها إخراج المقاتلين الأجانب من مواقع القرار العسكري والسياسي إضافة لضمان عدم استخدام الأراضي السورية لتمويل أو تسليح جماعات مصنفة إرهابية وكذلك احترام مبدأ التعددية السياسية والدينية داخل البلاد.
وفي هذا السياق، يرى مراقبون أن زيارة عضوي الكونغرس – بصفتهما من الجناح المحافظ في الحزب الجمهوري – تعكس توجهاً أميركياً لفتح قنوات تواصل أكثر فاعلية مع النظام الجديد، دون أن يعني ذلك، بالضرورة، تطبيعًا سريعًا أو شاملاً.
ورغم الإشارة إلى تحول نسبي في السياسة الأميركية، تبقى التحفظات قائمة، خاصة ما يتعلق بشخص أحمد الشرع، الذي لا يزال اسمه مدرجًا ضمن لوائح العقوبات الأميركية والأممية. وتشير خلفياته إلى مشاركته السابقة في تنسيق عمليات ميدانية في العراق وسوريا ضمن تنظيم القاعدة، قبل أن ينشق ويُؤسس هيئة التحرير الشام التي قادت التحالف الأخير ضد الأسد.
ويُفهم من هذا السلوك الأميركي الأخير أن الواقعية السياسية بدأت تطغى على الخطاب المبدئي، حيث تدرك واشنطن أن تجاهل دمشق في ظل ديناميكيات إقليمية متحركة، قد يترك فراغًا تملؤه قوى مثل الصين وروسيا، أو يُستغل من إيران لتوسيع رقعة نفوذها.
وقد شدد النائب ستوتزمان، في تصريح على أن "من مصلحة الولايات المتحدة أن تُبقي سوريا خارج أحضان طهران"، معتبراً أن الفرصة متاحة اليوم لبناء علاقة جديدة مع دمشق، توازن بين المصالح الأميركية والتغيرات الجارية على الأرض.
وتُعد سوريا، من وجهة نظر واشنطن، ساحة محورية في صراع النفوذ الإقليمي، إذ لطالما استخدمتها الحرس الثوري الإيراني كممر لوجستي إلى لبنان، ولتأمين الدعم العسكري لحزب الله، وهو ما تعتبره إدارة ترامب – ودوائر القرار الأميركي – تهديدًا مباشرًا لأمن إسرائيل وللاستقرار في المنطقة.
وتجول النائبان في أحياء مدمّرة من العاصمة، والتقيا بزعماء دينيين مسيحيين، في إشارة إلى رغبة أميركية في اختبار مدى التزام النظام الجديد بمبدأ الشمولية والتعددية، وهو ما أشار إليه ستوتزمان بقوله "نريد أن نرى كيف ستتعامل دمشق مع المقاتلين الأجانب، وهل ستحكم البلاد بطريقة تستوعب تنوع مكوناتها."
كما أعرب عن أمله في أن ترى سوريا "حكومة قوية تدعم شعبها ويقف شعبها خلفها"، مشددًا على ضرورة تجنّب دفع دمشق نحو أحضان الصين أو روسيا.

النائبان الأميركيان يلتقيان بممثلين عن الديانة المسيحية
النائبان الأميركيان يلتقيان بممثلين عن الديانة المسيحية

ورغم أن الزيارة لا تمثل اختراقًا دبلوماسيًا بحد ذاتها، إلا أنها تؤشر على بداية انفتاح أميركي على سيناريوهات جديدة في سوريا، تقوم على الحوار المشروط، ومحاولة فك الارتباط بين دمشق وطهران. ويبدو أن واشنطن بدأت تدرك أن التغيير في سوريا، وإن أتى من خارج سياقاتها التقليدية، لا يمكن تجاهله طويلاً، خاصة إذا كانت هناك فرصة لإعادة صياغة المعادلة الجيوسياسية لصالحها.
وتطرق النائبان للضربات الإسرائيلية المستمرة على سوريا وذلك ردا على أسئلة من قبل من التقوهم من السوريين. وقال ستوتزمان إن السوريين في دمشق تحدثوا معه عن ضربات إسرائيلية استهدفت مواقع عسكرية في جنوب سوريا وفي أنحاء العاصمة. وأرسلت إسرائيل أيضا قوات برية إلى أجزاء من جنوب سوريا، وضغطت على الولايات المتحدة لإبقاء سوريا ضعيفة ومفككة وبلا حكم مركزي.
واضاف "يحدوني أمل في قيام حكومة قوية في سوريا تدعم الشعب السوري، ويدعمها الشعب السوري، وأن تكون العلاقة بين إسرائيل وسوريا قوية. أعتقد أن هذا ممكن، أعتقد ذلك مخلصا".
وتأتي زيارة النائبان في ظل خطة أميركية لتخفيض عديد القوات في سوريا حيث قالت زارة الدفاع الأميركية " البنتاغون" الجمعة أنها تعتزم خفض عدد الجنود الأميركيين المنتشرين في البلاد إلى أقل من ألف جندي تقريبا في الأشهر المقبلة.
وتحتفظ واشنطن بقوات على الأراضي السورية منذ سنوات كجزء من الجهود الدولية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية الذي استولى على مساحات شاسعة من الأراضي هناك وفي العراق المجاور قبل أكثر من عقد قبل أن يمنى بهزائم في البلدين.
وقال المتحدث باسم البنتاغون شون بارنيل في بيان إن "وزير الدفاع أعطى اليوم توجيهات بإدماج القوات الأميركية في سوريا عبر اختيار مواقع محددة"، دون تحديد المواقع التي سيجري فيها ذلك.
وأضاف أن "هذه العملية المدروسة والمشروطة من شأنها خفض عديد القوات الأميركية في سوريا إلى أقل من ألف جندي أميركي خلال الأشهر المقبلة".
وتابع بارنيل أنه "مع حدوث هذا الادماج، بما يتفق مع التزام الرئيس ترامب بالسلام من خلال القوة، ستظل القيادة المركزية الأميركية مستعدة لمواصلة الضربات ضد بقايا تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا"، في إشارة إلى القيادة العسكرية المسؤولة عن المنطقة.
وسبق أن شكك الرئيس دونالد ترامب بجدوى وجود قوات أميركية في سوريا وأمر بسحب هذه القوات خلال ولايته الأولى، لكنه عدل عن رأيه في النهاية.