زيد بن شاكر

كان زيد بن شاكر رجلا واقعيا. لم يبع الأردنيين ولا العرب الاوهام في يوم من الايّام.

كان ضروريا ان تصدر مذكرات الأمير زيد بن شاكر بغية وضع الامور في نصابها ان في ما يخص اهمّية الرجل من جهة او لجهة تصويب احداث تاريخية محورها الأردن من جهة أخرى. تظل هذه المذكرات للرجل الاستثنائي، الذي غادرنا باكرا في العام 2002، افضل تكريم لشخصه، بل للاردن.

كرّمت السيدة نوزاد الساطي، ارملة زيد بن شاكر، الراحل بكلّ ما يستحق عبر كتابها الذي يتضّمن مذكراته تحت عنوان "من السلاح الى الانفتاح". جعلت "أبوشاكر" حاضرا بيننا اليوم بكلّ ما يمثله ليس من دماثة اخلاق فحسب، بل من رؤية سياسية ايضا دافعت عن كلّ ما هو عربي في هذه المنطقة وحمت الفلسطينيين من التهّور والانزلاق في لعبة الوطن البديل الذي لم تعترض عليه إسرائيل يوما.

كان زيد بن شاكر دائما الى جانب الملك حسين، بل كان اقرب الناس اليه طوال مرحلة طويلة، خصوصا في 1967 واحداث 1970 مع الفصائل الفلسطينية وفي 1990 عندما اقدم صدّام حسين على مغامرته المجنونة واحتلّ الكويت. كان زيد بن شاكر حاضرا في كلّ تلك الاحداث كعسكري ثمّ كسياسي من طينة مختلفة تحوّل الى شخصية جامعة بين الأردنيين في كلّ مرّة احتاجت فيها المملكة الى رئيس للوزراء مقبول من الجميع.

يصعب سرد كلّ صفات زيد بن شاكر، الرجل الشجاع والمهذّب والقائد العسكري الذي يمتلك نظرة ثاقبة الى الامور وخبرة في مجال اختصاصه جعلته يحاول، من دون جدوى، افهام صدّام حسين انّه لا يستطيع مواجهة الاميركيين في الكويت.

لكنّ الصفة التي لا يعرفها كثيرون عن "ابوشاكر" الذي التقيته للمرّة الاولى قبل ثلاثين عاما في بيت نجله شاكر في عمّان، هي معرفته بالناس وقدرته على اكتشاف الموهوبين منهم. كان يحيط نفسه بشباب أردنيين من أصحاب المواهب وكان يدفع في اتجاه تولّي هؤلاء الشباب مواقع قيادية ومسؤوليات مهمّة. هناك صديق سابق لي هو نجيب ميقاتي، تولّى موقع رئيس الوزراء في لبنان مرتين، عرّفني على "ابوشاكر" بعد توليه رئاسة الوزراء للمرّة الاولى في 1989 وعلى افراد عائلته. سمح لي ذلك من خلال المعرفة بالرجل والحديث معه مراجعة ما تعرّض له الأردن والتعمّق في معرفة اهمّية المملكة الهاشمية ودورها في حماية المنظمات والفصائل الفلسطينية من نفسها اوّلا. سمحت لي معرفتي بـ"أبوشاكر" بكتابة مقال في العام 1994 عنوانه "الجحود"، وهي الكلمة التي وصف بها "أبوشاكر" طريقة تعامل كثيرين مع الأردن في عهد الملك حسين، خصوصا المنظمات الفلسطينية. لم تدرك هذه المنظّمات انّ ليس صحيحا انّه كان هناك شيء اسمه "أيلول الأسود". كلّ ما كان في 1970 هو انقاذ للاردن من التحوّل الى دولة فاشلة. لم ينقذ الملك حسين، بمساعدة رجال مثل "أبوشاكر" مملكته في العام 1970، بل انقذ الفلسطينيين أيضا من الوقوع في فخّ نصبوه لانفسهم عندما رفعوا شعارات من نوع ان "طريق القدس تمرّ في عمّان".

نشرت الزميلة "الشرق الاوسط" فصولا مختارة من كتاب السيدة نوزاد الساطي. تدعو هذه الفصول الى التوقف عندها. يختزل ما ورد في احد هذه الفصول الوضع عشية احداث 1970 والاسباب التي دفعت المك حسين الى اعتماد الحسم. جاء في المذكرات: "التسارع في خط الانهيار بدأ يسير بخطى واضحة وخاطفة، ليضع الحسين أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما الحسم وإنقاذ الأردن من العصابات المسلحة والدولة الموازية والانفلات والتمرد على القانون، أو تمرد القوات المسلحة وانفراط قدرة الدولة على ضبط الأمور. يضاف إلى هذا وذاك ما خلقه موضوع خطف الطائرات (طائرات الركاب الأجنبية) وإنزالها في الأردن، وتغيير اسم المطار إلى مطار الثورة، وبدء التفاوض بين «الجبهة الشعبية» والدول الأخرى، من انطباعات وصورة عن الأردن بوصفه دولة بلا سيادة ولا قانون، أي دولة فاشلة بامتياز وبكل ما تحمله الكلمة من معنى!".

يفسّر زيد بن شاكر الأخطاء التي ارتكبتها المنظمات الفلسطينية بموضوعية كبيرة. يقول في هذا المجال: "في الحقيقة، ومنذ البداية، كان الرهان الحقيقي لياسر عرفات ومنظمة التحرير على الوعود السورية والعراقية بدعم عسكري حقيقي لإسقاط النظام السياسي الأردني. وهو ما انكشف مع التدخل البري الكبير للقوات السورية. اعترف صلاح خلف (أبو إياد) بحدوث اجتماع حضره مع ياسر عرفات بقيادات بارزة في حزب البعث والنظام العراقي. هذه القيادات هي عبدالخالق السامرائي وزيد حيدر ومهدي عماش، وكان حينها وزيراً للداخلية العراقية، وذلك في أيار - مايو، أي قبل قرابة أربعة أشهر من أحداث أيلول، وذلك في قاعدة الحبانية. في ذلك الاجتماع، قال لهم الوفد العراقي: نظموا محاولة انقلاب عسكري في الأردن، وستدعمكم الوحدات العراقية لقلب النظام وإقامة سلطة شعبية. وهو العرض الذي لم يرفضه عرفات، لكنه طلب منهم منحه وقتاً لطرحه على السوريين، لإيجاد مقدار من التنسيق الكامل بين الأطراف الإقليمية الراعية للفدائيين".

تكشف المذكرات أيضا انّه "عندما أخذ الحسين ضمانات أميركية بعدم وجود نيات إسرائيلية لاستثمار انسحاب الجيش العربي (الأردني) من الحدود لمواجهة السوريين والتحديات الخطيرة في الداخل، قام بالضربة الحاسمة باستخدام سلاح الجو، مراهناً على أن السوريين لن يستطيعوا استخدام سلاحهم الجوي كي لا يظهر أن القوات هي سورية، وليست تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية. في الوقت نفسه، كانت لدى الحسين معلومات عن وجود خلافات بين وزير الدفاع، حينها، حافظ الأسد، والجناح السياسي في حزب البعث، فامتنع عن استخدام سلاح الجو في المعركة خشية الإدانة السياسية عالمياً، على الأغلب، نتيجة الاعتداء على دولة أخرى. وكسب الحسين الرهان. فأخذت القوات الأردنية زمام المبادرة، وانقلبت المعادلة فأصبحت تلاحق القوات السورية التي عبرت الحدود الأردنية ما انعكس بصورة سلبية تماماً على معنويات الميليشيات الفلسطينية".

كشفت المذكرات حصول خلاف بين الملك حسين وزيد بن شاكر عندما لجأ حسين كامل صهر صدّام حسين مع شقيقه الى الاردن. كان رأي "أبوشاكر" ان على الأردن التعاطي مع حسين كامل وشقيقه وزوجتيهما، وهما بنتان لصدّام حسين بتحفّظ. لكن العاهل الأردني لم يأخذ برأيه. في المقابل ورد في المذكرات نص الحوار الأخير الذي دار بين صدّام حسين والملك حسين الذي نصح الرئيس العراقي بالانسحاب من الكويت قبل الهجوم الاميركي. في هذا الحوار يقول العاهل الأردني لصدّام: "يا اخي أبو عديّ العالم كلّه تكتل ضدك ولا بد من الخروج من الكويت". كان ردّ الرئيس العراقي: "صحيح ان العالم ضدّي، لكنّ الله معي وسانتصر". في الواقع، كان الله مع الكويت ومع شعب الكويت.

في كلّ المحطات المهمة التي تناولها في مذكراته، كان زيد بن شاكر رجلا واقعيا. لم يبع الأردنيين ولا العرب الاوهام في يوم من الايّام. بعد 17 عاما على غيابه في الثلاثين من آب – اغطس 2002، يبدو حاضرا اكثر من ايّ وقت. شكرا للسيدة "ام شاكر".