سامراء تقاوم عبث الإيرانيين بتاريخها

مدينة سامراء العراقية تشهد عملية تغيير ديموغرافي ممنهج على أساس طائفي في محاولة لطمس الهوية التاريخية للمدينة.
غرامة 20 ألف دولار لمن يستبب بحادث سير بالمواشي
سكان سامراء يشتكون من التهميش والقرارات التعسفية الممنهجة ضدهم
العتبة العسكرية أغلقت الطرق والمحلات التجارية لإجبار السكان السنة ترك المدينة
اتهامات لإيران بالتدخل لتقسيم محافظة صلاح الدين

تكريت (العراق) - قرر مجلس محافظة صلاح الدين العراقية اليوم الاثنين، ترحيل عوائل شيعية من مناطق سامراء وتل الذهب وسيد غريب والدجيل الواقعة شمال بغداد، وإعادتهم إلى مناطق سكناهم في جنوبي العراق.

وقال المجلس، في بيان صحفي إنه "صوت بالإجماع على مصادرة المواشي التي تتجول داخل المدن أو على طرقها الخارجية وفرض غرامة قدرها 25 مليون دينار عراقي (20 ألف دولار) بحق المتسببين بحوادث السير من أصحاب المواشي".

ووجه المجلس في بيانه قيادة عمليات سامراء والأجهزة الأمنية كافة بتنفيذ ما جاء في القرار ابتداء من غد الثلاثاء.

ويبدو القرار الذي أصدره مجلس قضاء سامراء بترحيل مربي الجاموس قد اتخذ على خلفية الأضرار التي لحقت بالبيئة فضلا عن العديد من الحوادث التي راح ضحيتها مواطنون، لكن سكان المدينة ذات الأغلبية السنية يبدون تخوفهم أكثر من التغيير الديموغرافي الممنهج الذي تسعى أطراف طائفية نافذة لتنفيذه حتى تصبح المدينة مكانا مقدسا جديدا لدى الشيعة في العراق.

وكانت السلطات المحلية في قضاء سامراء أمهلت يوم الخميس الماضي عوائل شيعية من مربي الجاموس، ثلاثين يوماً لمغادرة المنطقة والعودة إلى مناطق سكناهم في منطقة الأهوار جنوبي العراق.

وشدد البيان على أن" بقاء مربي الجاموس يخالف قرارات لجان المصالحة المجتمعية التي تمنع التغيير الديموغرافي تحت أي ظرف وهو ما لم يلتزم به مربو الجاموس في شمالي سامراء".

وقال أحد أعضاء مجلس المحافظة من قضاء سامراء طلب عدم ذكر اسمه إنه "لا يتوقع أن ينفذ مربو الجاموس القرار لأنهم يلقون دعما من المراجع الدينية الشيعية والحكومة المركزية، وجميع القوات الأمنية تخشاهم لأنهم مرتبطون بجهات متنفذة".

وكانت نحو 300 عائلة من مربي الجاموس تمتلك نحو 10 آلاف جاموسة قد استقرت في قضاء سامراء الواقعة على بعد 120 كم شمال بغداد منذ عام 2014، تحت ذريعة انخفاض مناسيب المياه في الأهوار الأمر الذي عده أبناء القضاء محاولة للتغيير الطائفي بإسكان مواطنين شيعة في منطقة سنية خالصة.

وخلال سيطرة تنظيم داعش في 2014 على مدن عراقية كان أهمها الموصل، أغلقت "العتبة العسكرية" في سامراء العائدة إداريا إلى ديوان الوقف الشيعي، متاجر ومنازل مملوكة لسكان سنّة يمثلون أغلبية في المدينة وسط مخاوف من إجبارهم على النزوح وتقسيم المنطقة على أساس طائفي.

وتحت ذريعة محاربة داعش عمدت "العتبة العسكرية" إلى طرد أصحاب المحال التجارية ومنع دخولهم إلى مناطق عملهم، ما تسبب بخسائر مادية هائلة ألحقت ضررا كبيرا بالأهالي على مدى سنوات.

وفي يناير الماضي قدم رئيس مجلس محافظة صلاح الدين أحمد عبدالجبار الكريم دعوى قضائية، ضد رئيس ديوان الوقف الشيعي ورئيس العتبة العسكرية (مرقد الحسن العسكري وعلي الهادي) بالمدينة ذات الأغلبية السنية.

وقال الكريم آنذاك إن ضرراً كبيراً لحق بأهالي سامراء، نتيجة قطع الطرق وإغلاق المحال، ما تسبب بخسارة مادية كبيرة لسكان سامراء .

وأوضح أنه تقدم بالشكوى بعد أن طلب وجهاء وشيوخ أهالي مدينة سامراء من مجلس محافظة صلاح الدين التدخل لمنع الضرر الذي لحقهم جراء إغلاق المحلات والطرق في المدينة.

وأكد رئيس مجلس محافظة صلاح الدين أنه تعرض للتهديد بعد رفعه الدعوى القضائية من قبل بعض الميليشيات الموالية لإيران.

عملية تفجير المرقدين الشيعيين في سامراء في 2006 أخطت ذريعة للتضييق على السكان السنة لترحيلهم
عملية تفجير المرقدين الشيعيين في سامراء في 2006 أخطت ذريعة للتضييق على السكان السنة لترحيلهم

يذكر أن نظام الحكم في العراق شهد تغييرا بعد الغزو الأميركي وسقوط نظام صدام حسين، حيث تغيرت صلاحيات الوزارات وكيفية عمل بعضها، كما تم استحداث وزارات جديدة يعتبرها اليوم أغلب العراقيين أول الخطوات التي سهلت المشروع الطائفي التقسيمي الذي سعت لتكريسه إيران لحماية نفوذها في البلاد.

وكانت أهم هذه التغييرات استحداث الوقف الشيعي والوقف السني بدلاً عن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية التي ألغيت، ليصبح الفصل الطائفي تحت الراية الرسمية للدولة.

 وتضم مدينة سامراء واحدة من أهم العتبات الشيعية المقدسة هي ضريح الإمامين حسن العسكري وعلي الهادي.

وفي العام 2006 حصلت عملية تفجير إرهابية استهدفت ضريح الإمامين وسط مدينة سامراء، وأدى إلى إشعال فتنة طائفية في العراق.

وعلى إثر تلك الحادثة تزايدت مخاوف سكان سامراء من التهجير الطائفي لتعكس شعور كثير من السنّة الذين يمثلون أقلية في العراق ويخشون الطرد من مناطق حساسة يقولون إن الأغلبية الشيعية تريد السيطرة عليها.

وأخذت الميليشيات المدعومة من إيران وأبرزها الحشد الشعبي من المشاركة في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية، ذريعة لتبرير وجودها في المدينة، حيث أصبحت تروج إلى أن مهمتها فقط حماية الأماكن الدينية من داعش والمتطرّفين.

ويتهم سكان سامراء السنة مجموعات شيعية بدفع مبالغ مُغرية لأصحاب المنازل والأراضي والعقارات في المدينة بهدف المغادرة نهائيا حتى يتسنى لهم الاستيلاء عليها.

ويتوجس سكان سامراء من التعرض إلى نفس مصير سكان محافظات أخرى مثل ديالي ونينوى التي تعرضت لأعمال إرهابية وتهجير، وكانت ذريعة طرد داعش سببا في سيطرة الميليشيات الشيعية عليها خصوصا في مدينة الموصل.

الحوادث التي تسببت بها المواشي قطرة من بيحر التغيير الديمغرافي الذي ينتظر المدينة التاريخية
الحوادث التي تسببت بها المواشي قطرة من بحر التغيير الديمغرافي الذي ينتظر المدينة التاريخية

ويرفض المسؤولون الشيعة في الحكومة الحديث عن التقسيم وينفون أي نوايا لتغيير التركيبة السكانية للعراق، لكن عدم السماح لسكان سامراء بالعودة إلى مناطقهم بعد طرد تنظيم داعش يؤكد محاولات توطين منسقة للشيعة في المدينة ذات الغالبية السُّنية.

كما يتهم العراقيون السنة إيران بالتدخل في التخطيط الإداري للمحافظات العراقية، وأهم وآخر هذه المحاولات تجزئة محافظة صلاح الدين إلى محافظتين، لتكون إحداها محافظة دينية جديدة باسم محافظة سامراء أو "سامراء المقدسة".

وقالت مصادر عراقية إن السفير الإيراني عقد اجتماعاً في فبراير/شباط الماضي، مع محافظ صلاح الدين عمار جبر وعدد من المسؤولين والمدراء العامين في المحافظة لبحث مشروع تجزئة صلاح الدين إلى محافظتين، على أن تضم المحافظة الجديدة أقضية سامراء والبلد والدجيل (ذات أغلبية شيعية) وصولاً لحدود العاصمة العراقية بغداد.

وتأتي المحاولة الإيرانية لتقسيم المحافظة بهدف استغلال الأهمية الدينية لمدينة سامراء لدى الشيعة، وفصلها عن محافظة صلاح الدين ذات الغالبية السنية.

وتعتبر سامراء من أهم المدن العراقية تاريخيا وهي تقع على ضفاف نهر دجلة في محافظة صلاح الدين، وكانت عاصمة الدولة العباسية بعد بغداد.

لسامراء أهمية دينية هامة لدى الشيعة
لسامراء أهمية دينية رمزية لدى الشيعة