سجالات ترسم اتساع نطاق المواجهة بين الرئاسة التونسية واتحاد الشغل

نورالدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل يؤكد أن حضور الأمينة العامة لاتحاد النقابات الأوروبية إيستر لانش إلى البلاد ليس استقواء بالأجنبي.
الطبوبي يؤكد أن الاتحاد "سيبقى صامدا مهما مارسوا من تشويهات وشيطنة وفبركة ملفات"
الطبوبي يتوعد بالتصدي لـ"الهجمات التي يريد البعض انتهاجها لتمرير مشاريع بيع مكاسب البلاد"
سعيد يؤكد أنه "لا مجال للسماح لأي جهة كانت من الخارج للاعتداء على سيادة الدولة وسيادة شعبها"

تونس - دخل الاتحاد العام التونسي للشغل والرئاسة التونسية في سجالات سياسية فجرتها مشاركة مسؤولة نقابية أوروبية في مسيرات للاتحاد بمدينة صفاقس، في خضم شدّ وجذب متواصل بين الطرفين وخلافات لا تبدو لها نهاية، بينما تكابد المنظمة النقابية لاستعادة تأثيرها السياسي بعدما دخلت في معركة لي أذرع مع السلطة.

وأكد نورالدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل (أكبر نقابة عمالية) اليوم الأحد أن حضور الأمينة العامة لاتحاد النقابات الأوروبية إيستر لانش إلى البلاد "ليس استقواء بالأجنبي"، معتبرا أنه يأتي في إطار التضامن النقابي العالمي، في أول تعليق على قرار الرئيس التونسي قيس سعيد طرد لانش عقب إلقائها كلمة في تظاهرة نظمتها المنظمة العمالية بمدينة صفاقس (جنوب) انتقدت فيها السلطات.
وألقى الطبوبي كلمة خلال افتتاح مؤتمر نقابي خاص بأعوان وموظفي وزارة الداخلية في مدينة الحمامات (شرق) بحسب موقع "الشعب" الإلكتروني التابع لاتحاد الشغل، قائلا إن "حضور الأمينة العامة لاتحاد النقابات الأوروبية إيستر لانش كان رسالة دعم ومساندة وتضامن وليس كما رُوج له استقواء بالأجنبي".
وتابع: "لا نستقوي بأحد، نحن نستقوي بمبادئنا وتاريخنا ومناضلينا ولكن التضامن النقابي الدولي هي دروس قدمها النقابيون في العالم ودفعوا فيها الغالي والنفيس ودخلوا من أجله السجون"، مشددا على أن "الاتحاد سيبقى صامدا مهما مارسوا من تشويهات وشيطنة وفبركة ملفات مثلما وقع في الستينات والسبعينات والثمانيات، لكن بقيت المنظمة العمالية صامدة ورحل كل من فبرك ملفات" وتلك الفترات من القرن الماضي شهدت محطات اصطدم فيها الاتحاد بالسلطة في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة (1956 -1987).
وأكد أن "تونس لا يمكن أن تُبنى بخطاب الكراهية والاتهامات والسباب.. الاتحاد مستعد لمواجهة الهجمات التي يريد البعض انتهاجها لتمرير مشاريع بيع مكاسب البلاد".
واعتبر الرئيس سعيد السبت أن لانش "شخص غير مرغوب فيه" وأمر بمغادرتها البلاد "في أجل لا يتجاوز 24 ساعة"، بعد أن "أدلت بتصريحات فيها تدخل سافر في الشأن الداخلي التونسي"، وفق الرئاسة
وخلال تظاهرة اتحاد الشغل قالت لانش أمام المتظاهرين "نقول للحكومات ارفعوا أيديكم عن نقاباتنا العمالية، حرروا قادتنا.. أتيت هنا لإيصال صوت تضامن 45 مليون نقابي ونقابية من أوروبا.. من الخطأ الفادح أن تتم مهاجمة النقابات".
وكان سعيد قد أكد خلال زيارته ثكنة عسكرية بالعاصمة أواخر يناير/كانون الثاني الماضي إن "الحق النقابي مضمون بموجب الدستور لكن لا يمكن أن يتحول لتحقيق مآرب سياسية".

ونفذت الاتحادات الجهوية للشغل يوم السبت في ثماني ولايات (محافظات) هي صفاقس والقيروان والقصرين والمنستير ونابل وبنزرت ومدنين وتوزر تجمعات عمالية أمام المقرات الجهوية عقبتها مسيرات، في مسعى جديد من المنظمة العمالية للتصعيد ضد الرئيس قيس سعيد، مستغلة حملة الإيقافات الأخيرة لتحقيق أهداف سياسية وأيضا استعدادا لمواجهة اتهامات قد توجه إلى شخصيات نقابية أخرى.

وتتزامن هذه التحركات الاحتجاجية مع كشف الرئيس قيس سعيد عن أسباب حملة الاعتقالات التي شملت عددا من السياسيين ورجل أعمال وكوادر أمنية وغيرها، إذ قال خلال اجتماعه بوزير الداخلية توفيق شرف الدين وقيادات أمنية في قصر قرطاج بالعاصمة تونس مساء الجمعة إن حرية التعبير مضمونة ولا وجود لعلاقة إطلاقا بين هذه الايقافات وحرية التعبير، بل بالتآمر والفساد وبالاستيلاء على أموال ضخمة من مؤسسات مصرفية وُزّعت خارج كل إطار قانوني وأدّت إلى الإعلان عن إفلاس بعضها.

وأشار إلى أن من يدّعي أن حرية التعبير مهدّدة، فإمّا أنه لا يعلم حقيقة الملفات وإما أنه يتجاهلها للإساءة لبلده ووطنه ويرفض المحاسبة التي ينادي بها الشعب، فيما سبق أن اتهم بعض الموقوفين بأنهم إرهابيون وأن "لا هم لهم إلاّ السلطة والمال ولا يتورعون في الارتماء في أحضان أيّ جهة أجنبية".

وكانت السلطات التونسية قد أوقفت مؤخرا تسعة أشخاص بينهم أعضاء في المكتب التنفيذي لإحدى النقابات الأمنية ووسطاء بتهمة الاختلاس والقيام بعمليات مالية احتيالية وتزوير وتلاعب مالي بقيمة 134 مليون دينار (نحو 45 مليون دولار) في خطوة تهدف إلى مواجهة الفساد داخل النقابات الأمنية وتنفيذا لتعهد الرئيس سعيد بأن تشمل المحاسبة جميع القطاعات دون استثناء.

وبدا أن التصعيد الأخير للاتحاد يخفي وراءه ارتباكا داخليا تغذيه مخاوف من أن تطال الإيقافات شخصيات أخرى بالمنظمة النقابية، خاصة في ظل مؤشرات على تواصل الحملة.

وألقت قوات الأمن الشهر الماضي القبض على نقابي بارز بسبب إضراب لعمال تحصيل الرسوم على الطرق السريعة، كما تم استدعاء عدد من كبار مسؤولي النقل الآخرين للمثول أمام التحقيق على خلفية إضرابات.   

وأرجع الناطق الرسمي باسم اتحاد الشغل سامي الطاهري التحركات الاحتجاجية إلى التعبير عن الغضب من تردي الأوضاع الاجتماعية ودفاعا عن الاتحاد أمام الهجمة التي طالت عددا من النقابيين وعزل عدد منهم والمضايقات في العمل النقابي وضرب الحوار، مشير إلى أنها تهدف إلى الحصول على دعم من المنظمات الوطنية في مبادرة الحوار الوطني وإعطائها قوة أمام انغلاق السلطة ورفضها لأي تشاور.

 وتعاني تونس منذ 25 يوليو/تموز 2021 من أزمة سياسية حادة حين بدأ سعيد فرض إجراءات استثنائية منها حل مجلس القضاء والبرلمان وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة وإقرار دستور جديد عبر استفتاء.
وتلك الإجراءات تعتبرها قوى في تونس "تكريسا لحكم فردي مطلق"، بينما تراها قوى أخرى "تصحيحا لمسار ثورة 2011"، كما يؤكد سعيد أن إجراءاته ضرورية وقانونية لإنقاذ الدولة من انهيار شامل.