سجن وزير النفط في حكومة الدبيبة بتهمة اهدار المال العام
طرابلس – أصدرت النيابة العامة في ليبيا الأربعاء، قرارا بسجن وزير النفط والغاز بحكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها ومدير شؤون مكتبه وذلك على خلفية قضية فساد مالي بالتزامن مع تواصل حالة التوتر بين مسؤولي النفط في ليبيا منذ أشهر، بسبب صفقات واتفاقيات حول كانت أبرمتها حكومة عبدالحميد الدبيبة مع عدة دول، وسط جهود لإنهاء حالة الفوضى والانقسام.
ولم يذكر بيان النائب العام اسم الوزير ولا مدير مكتبه لكن تبدو الإشارة واضحة إلى خليفة عبدالصادق الوزير المكلف والمدعوم من قبل الدبيبة عقب تجميد مهام محمد عون الذي نفى بدوره في تصريح لقناة العربية أن يكون هو المقصود بقرار الحبس الصادر عن النيابة العامة.
وتردد في عدة مواقع عربية ودولية وحتى ليبية اسم محمد عون قبل أن يوضح الرجل أنه ليس المقصود بقرار النائب العام الصديق الصور، ما يفتح الباب لعودة عون لمنصبه على أرجح التقديرات وما يضع أيضا حكومة عبدالحميد الدبيبة في حرج وهي التي تواجه منذ أشهر طويلة ضغوطا داخلية واتهامات باهدار المال العام وضغوطا خارجية لتشكيل حكومة وحدة وطنية تشرف على الانتخابات العامة (التشريعية والرئاسية) التي طال انتظارها والتي يعول عليها المجتمع الدولي لقيادة ليبيا لبر الأمان وانهاء سنوات من الفوضى والاقتتال.
وأوضح بيان النيابة أن "مكتب النائب العام تقصى واقع انحراف المتهمين عن مقتضيات الوظيفة المعهودة إليهما، واستدل على انتهاجهما سلوكًا لا يتآلف مع الفروض الوظيفية"، مضيفا أن ذلك "تمثَّل في تهديد مسؤول محاسبة الشركات لحمله على اعتماد مستند يجيز التصرف في 457 ملايين و600 ألف يورو لفائدة شركة أجنبية بالمخالفة للتشريعات، وانتهى المحقق إلى حبس المتهمين على ذمة القضية".
وفي وقت سابق كشف الصور عن ملف فساد في المؤسسة الوطنية للنفط التي شهدت في الفترة الأخيرة اتهامات عديدة بشأن تجاوزات تورط فيها مدراء ومسؤولون بارزون في الدولة.
وبدأت وزارة النفط الليبية في شهر يونيو/حزيران الماضي التحقيق في شبهات فساد تحدّث عنها مسؤولون بريطانيون. وقالت في تفاعل مع الملاحظات البريطانية إنها تابعت التصريحات الصادرة عن وكيل وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية ديفيد روتلي، مبرزة أنها "أولت هذا الموضوع اهتماما بالغا، وباشرت العمل على تجميع المعلومات والبيانات والملابسات، كي تتمكن من الاستيعاب الصحيح لمراد الحديث فيما يتعلق بالفساد في قطاع النفط".
ويأتي إيقاف الوزير المكلف من الدبيبة بادارة وزارة النفط في إطار سلسلة من الإيقافات التي استهدفت عددا من الوزراء في السلطة المؤقتة في غرب ليبيا، ففي أغسطس/آب من عام 2023 أُعلن عن إيقاف وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش احتياطيا وإحالتها للتحقيق بعد الكشف عن لقاء جمعها مع وزير الخارجية الإسرائيلي في روما.
لكن مصادر متطابقة محلية ودولية كشفت أن اللقاء تم بعلم وترتيب من الدبيبة ذاته وأن المنقوش التي فرت خارج ليبيا، قدّمت ككبش فداء للتغطية على مسؤولية رئيس الحكومة ولاحتواء الغضب الشعبي من حالة تطبيع غير معلنة رسميا مع إسرائيل.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2021 أصدر النائب العام الليبي قرارا بسجن وزير التعليم موسى المقريف بعد استجوابه واتهامه بالإهمال والمحسوبية في أزمة تأخر طباعة الكتاب المدرسي. كما صدر بعد أسبوع واحد، قرار بحبس وزيرة الثقافة وتنمية المجتمع مبروكة توغي عثمان احتياطيا على خلفية فساد مالي وإداري، وتم الإفراج عنها لاحقا والسماح لها بالعودة إلى مزاولة عملها.
وكانت هيئة الرقابة الإدارية في ليبيا قد أصدرت في 26 مارس/آذار الماضي قرارا بإيقاف عون عن العمل وذلك بسبب ما قالت "ارتكابه مخالفات قانونية أضرت بالمصلحة العامة للدولة". وقالت في بيان حينها إن قرار الايقاف جاء "لدواع ومقتضيات مصلحة التحقيق، وبناء على مذكرة مدير الإدارة العامة للتحقيق، ومجريات التحقيق حيال وقائع القضية رقم 178 الكاشف لوجود مخالفات قانونية".
لكن القرار صدر عن هيئة رقابة ادارية ولم يصدر عن النيابة العامة كما لم يخضع عون للتحقيق بشكل رسمي قبل أن تنصفخ الهيئة، ما يعني عمليا عودته لممارسة مهامه التي منع منها لاحقا.
وتشهد العلاقة بين مسؤولي النفط في ليبيا حالة من التوتر والنزاعات منذ أشهر، بسبب صفقات واتفاقيات حول النفط والغاز كانت أبرمتها الحكومة في الغرب مع عدة دول من بينها إيطاليا وتركيا، وكذلك بسبب خلافات بشأن إدارة عائدات النفط، وهو نزاع من شأنه أن يقوّض إعادة بناء وإصلاح هذا القطاع.
ويعود الخلاف بين محمد عون (وزير النفط الليبي) الذي تولى منصبه في فبراير/شباط 2021، والدبيبة إلى شهر سبتمبر/أيلول من العام الماضي، عندما قام الأخير بتشكيل المجلس الأعلى لشؤون الطاقة تحت رئاسته، وهو ما رفضه عون واعتبر أن فيه سلبا وتجاوزا لصلاحياته.
وتصاعد الخلاف بين الطرفين عقب توقيع الحكومة مذكرة تفاهم مع تركيا للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الليبية، في اجتماع تم خلاله تغييب عون واستبداله بوزير الاقتصاد محمد الحويج الذي تولى التوقيع.
كما برزت خلافات جديدة بسبب إعادة رئيس الحكومة المؤقتة تشكيل "المجلس الأعلى لشؤون الطاقة" تحت رئاسته، وهو ما يمنحه صلاحيات واسعة تتجاوز صلاحيات وزير النفط ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط، ما دفع عون إلى الاعتراض والمطالبة بسحب القرار.