سحب تركيا لمرتزقتها من ليبيا، عملية بيضاء أم تمويه

إدارة أنقرة لعملية سحب المرتزقة بعد الضغوط الدولية تثير الريبة، فبينما وصلت مجموعة تابعة لفصيل السلطان مراد إلى سوريا أرسل فصيل سليمان شاه الموالي لتركيا مجموعات إلى الأراضي التركية في تحركات أشبه باستعدادهم للانتقال إلى جبهة قتال أخرى.
المرصد السوري يؤكد بقاء آلاف المرتزقة الموالين لتركيا في ليبيا
تركيا تسعى لإعادة المرتزقة السوريين عبر طريق سري لتلافي تتبعات الجنائية الدولية

بيروت - كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان السبت عن تلاعب تركيا بسحب مرتزقتها من ليبيا، مشيرا إلى أن مجموعة المرتزقة غادرت ليبيا دون معرفة ما إذا كانت وصلت الأراضي التركية أم انتقلت إلى منطقة أخرى من الأراضي الليبية أو هربت باتجاه أوروبا، في تحركات أشبه بعمليات بيضاء لتمويه المجتمع الدولي المطالب بسحب كل القوات الأجنبية والمرتزقة.

وأفاد المرصد بأن هناك مجموعة أخرى من المرتزقة الموالين لتركيا وصلت إلى الأراضي الليبية، فيما لا يزال نحو 7 آلاف مرتزق في ليبيا تحت إمرة القوات التركية.

وقال مدير المرصد رامي عبدالرحمان "بينما عادت مجموعة من فصيل السلطان مراد من ليبيا إلى سوريا في 21 مارس/آذار الماضي، كان فصيل سليمان شاه يرسل مجموعات أخرى إلى داخل الأراضي التركية، وسط تساؤلات؛ لماذا يقولون للذين هم في ليبيا احزموا حقائبكم انتهت المهمة وبعد ذلك يرسلون مرتزقة إلى الأراضي التركية؟".

وقبل أسابيع صدرت أوامر تركية رسمية للمرتزقة بالاستعداد للعودة إلى الأراضي السورية بعد تزايد الضغوط الدولية على أنقرة لسحب مرتزقتها من ليبيا.

وكانت تقارير تحدث عن أن طريق عودتهم مجهول وأن تركيا قد تلجأ لإعادتهم  بشكل سري وغير معلن حتى لا تتحمل إدانات دولية وتكلفة تتبع محكمة الجنايات الدولية بشأن قضية تجنيد المرتزقة في الأراضي الليبية، فيما يواجه آلاف المرتزقة الذين أرسلهم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان مصيرا مجهولا بعد وقف النار وتقدم العملية السياسية في ليبيا.

وأرسلت تركيا إلى ليبيا منذ توقيعها في العام 2019 اتفاقية أمنية مع حكومة الوفاق آنذاك نحو 20 ألف مرتزق بينهم سوريون وآخرون يحملون جنسيات مختلفة وعناصر من تنظيم الدولة الإسلامية، في عملية أثارت انتقادات دولية واسعة واتهامات لأنقرة بتأجيج الحرب الليبية في وقت كانت الأطراف الدولية تسعى لإيجاد حل سلمي يجنب الليبين مزيدا من الاقتتال.

وسعت أنقرة من خلال نشرها للمرتزقة فضلا عن تواجد عناصرها العسكرية في طرابلس إلى إغراق ليبيا في الفوضى وإشعال النزاع بين طرفي الصراع، استنساخا للسيناريو السوري، فيما دأبت السلطات التركية للاستثمار في الاضطرابات الأمنية والسياسية بهدف تثبيت تواجدها في الأراضي الليبية وتوسيع نفوذها في منطقة غنية بالمحروقات، وذلك ضمن مشروع اردوغان الطامع في نفوذ أوسع بالمنطقة، بعد أن داس على القوانين الدولية، متحديا المجتمع الدولي ومتنكرا لتعهدات مؤتمر برلين وخارقا لحظر الأسلحة الأممي على ليبيا.

وكانت تركيا قد وقعت مطلع العام الماضي اتفاقا دوليا في برلين يقضي بعدم التدخل في الشؤون الليبية، لكنها لم تلتزم بتعهداتها، واستمرت في دعمها العسكري لحكومة فايز السراج، وهو ما أجج حينها الصراع بين الفرقاء الليبيين وصعب جهود إرساء السلام في بلد يغرق في الفوضى منذ الإطاحة بالزعيم الراحل معمر القذافي عام 2011.

بعد اتفاق الفرقاء الليبيين مؤخرا على تشكيل حكومة انتقالية تقود البلاد نحو إجراء انتخابات في أواخر العام الجاري ومنح الثقة لحكومة عبدالحميد دبيبة، دعا مجلس الأمن الدولي قبل نحو أسبوعين إلى انسحاب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا وعلى رأسها القوات التركية.

وجاء قرار مجلس الأمن يقينا منه أن مسألة انتشار المرتزقة والقوات الأجنبية تمثل عائقا من شأنه أن يعرقل جهود إرساء السلام في ليبيا في وقت أحرز الليبيون تقدما في عملية السلام.

وفي مارس/آذار منح مجلس النواب الليبي خلال جلسة بمدينة سرت (شرق طرابلس) الثقة للحكومة الجديدة، بتأييد 132 صوتا من أصل 133 حضروا جلسة التصويت، وأدى دبيبة اليمين الدستورية بعد ذلك وباشر مهامه لقيادة البلاد إلى انتخابات ديمقراطية أواخر العام الجاري.

وطالب مجلس الأمن بتسليم جميع السلطات والاختصاصات إلى حكومة الوحدة الوطنية الليبية، داعيا الحكومة للتحضير لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية "حرة ونزيهة" في 24 ديسمبر/كانون أول 2021، وأيضا إلى "إطلاق عملية مصالحة وطنية شاملة وحماية المدنيين"، مؤكدا على أهمية توحيد المؤسسات الليبية.

ومنذ سنوات تعاني ليبيا صراعا مسلحا بين ميليشيات تابعة لحكومة الوفاق وقوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر الذي قاد في أبريل/نيسان 2019 عملية عسكرية في محاولة لتطهير العاصمة طرابلس من سيطرة الجماعات المسلحة، لكنه لم ينجح في ذلك.

ويأمل الليبيون والمجتمع الدولي في أن ينجح تقدم العملية السياسية في توحيد المؤسسات الليبية وخفض العنف وإنهاء انتشار الجماعات الإرهابية المسلحة.