سد إيلسو سلاح أردوغان الجديد لتعطيش العراق

سد إليسو الذي وافقت عليه الحكومة التركية في عام 1997 من أجل توليد الكهرباء للمنطقة، تسبب في تشريد نحو 80 ألف شخص من 199 قرية وأثار قلق العراق بسبب تأثيره على إمدادات المياه لنهر دجلة.
تركيا تسعى لمنافسة إيران في تصدير الطاقة الكهربائية للعراق
سد إليسو سيولد 1200 ميغاوات من الكهرباء ويهدد العراق بالجفاف
تركيا تصادر أغلب حصة العراق المائية من نهري دجلة والفرات
تحذيرات من التأثير البيئي السلبي لسد إليسو التركي

إسطنبول - يواصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استفزازاته ضد الدول العربية ليختار هذه المرة العراق، حيث اختار انشغال العالم بأزمة فيروس كورونا للإعلان عن بداية تشغيل سد إليسو المثير للجدل جنوب شرق تركيا بسبب تأثيراته إمدادات نهر دجلة.

وقال أردوغان أمس الاثنين بشكل مفاجئ عقب اجتماع أسبوعي لمجلس الوزراء إن تركيا ستبدأ في تشغيل أول توربين في سد إليسو الواقع على نهر دجلة وجنوب شرق تركيا الأسبوع المقبل.

وأضاف في خطاب إلى الأمة "سنبدأ في تشغيل واحد من ستة توربينات لسد إليسو، أحد أكبر مشروعات الري والطاقة في بلادنا، في 19 مايو/أيار".

وتسبب السد، الذي وافقت عليه الحكومة التركية في عام 1997 من أجل توليد الكهرباء للمنطقة، في تشريد نحو 80 ألف شخص من 199 قرية وأثار قلق السلطات في العراق المجاور الذي يخشى من تأثيره على إمدادات المياه لنهر دجلة.

وبعد سنوات من التوقف والتأخير، بدأت تركيا في ملء خزان السد في يوليو/تموز وهي فترة خطيرة اشتكى العراق الذي يعاني أصلا من مشكلة الجفاف خلالها من انخفاض التدفقات المائية لديه. ودعا نشطاء يقودون حملة ضد المشروع إلى إفراغ الخزان لمخاوف بيئية وثقافية.

وسيولد سد إليسو 1200 ميغاوات من الكهرباء ليصبح رابع أكبر سد في تركيا من حيث الطاقة الإنتاجية.

وتصادر تركيا أغلب حصة العراق المائية من نهري دجلة والفرات وهما أطول ثلاثة أنهار في الشرق الأوسط بعد النيل، معرّضة بلاد وادي الرافدين للجفاف والى مخاطر في مجال الأمن الغذائي.

ولطالما التمست السلطات العراقية مرارا من نظيرتها التركية مراعاة حصة العراق المائية وعدم ملء سد إليسو من موارده المائية لغرض انتاج الكهرباء وانعاش منطقة الأناضول التركية.

حكومة حزب العدالة والتنمية وعدت العراق بحصته من مياه السد مع بعث مشاريع زراعية مشتركة لتهدئة المخاوف وربحا للوقت حتى تستكمل بناء المشروع الذي ألغت قانونا يمكن الأتراك من متابعتها قانونيا

في المقابل واصلت حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا بناء السد واكتفى أردوغان بإرسال مبعوث له لتهدئة المخاوف العراقية ربحا للوقت لاستكمال المشروع الذي يهدف بالدرجة الأساس لتعزيز مصالح تركيا دون مراعاة مصالح دول الجوار.

وقدم مبعوث أردوغان للحكومة العراقية مجموعة مقترحات لتنفيذ مشاريع لاستصلاح الأراضي، وأخرى لتنمية قطاع مياه الشرب والصرف الصحي إضافة إلى إنشاء مركز أبحاث مشترك متخصص بإدارة المياه بين البلدين يكون مقره العاصمة العراقية بغداد.

ويروج المسؤولون الأتراك إلى أن العراق "سيستفيد" من تشغيل السد لمعالجة نقص إنتاج وإمدادات الطاقة الكهربائية اللازمة لتلبية حاجة الاستهلاك اليومية، في خطوة تمهيدية لاحتمال تصدير أنقرة للكهرباء المستخرجة من السد للعراق.

وقال رئيس جمعية تجارة الطاقة بتركيا إن "العراق يمكن أن يكون سوقاً جديدة لصادرات الكهرباء التركية، وأن تجارة الكهرباء مع العراق يمكن أن تبدأ خلال 2020".

وأضاف المسؤول التركي أن بلاده تخطط لتصدير ما بين 200 إلى 400 ميغاوات في المرحلة الأولى في حال تم الاتفاق، مما سيحقق دخول عملة صعبة للبلاد.

وتسعى أنقرة بهذا المشروع لمنافسة إيران التي تصدر ألف ميغاواط من الطاقة الكهربائية للعراق الذي يبلغ حجم إنتاجه منها قرابة 18 ألف ميغاواط/ ساعة، بينما يبلغ حجم الاستهلاك 23 ألف ميغاواط.

 لكن العراقيون يرون في تلك الإغراءات التركية لتوليد الكهرباء وتصديره سوى محاولات بائسة لصرف النظر عن سرقة مواردهم المائية وتهديد خطير بزوالها.

وكان انشغال العراق بمشاكله الداخلية والحروب التي أنهكت الدولة سببا في ضعف الحكومات المتعاقبة لممارسة وسائل الضغط السياسي على أردوغان للتوصل إلى تسوية تضمن حقوق العراق في مياهه وعدم عبث تركيا بموارده الطبيعية.

ال
القرى التركية كما العراقية ضحية مشروع السد

ويخشى العراق من تأثيرات السد التركي على الأراضي الزراعية العراقية في المناطق التي تقع على ضفاف نهر دجلة، مما سيؤدي إلى كارثة بيئية أكثر تعقيداً مما كانت عليه في الماضي.

وسبق وأن حذر نشطاء البيئة الذين يعملون على صيانة الأهوار في العراق من أن سد إليسو سيخلق مشكلات غير قابلة للحل للعراق والبلدان المجاورة له، وسيؤدي إلى تجفيف أعداد كبيرة من الأهوار، مثل هور الحويزة، وهذا نتيجة المرحلة الأولى فقط من عملية ملء سد إليسو بالمياه.

وعلى الرغم من التطمينات التركية إلا أن الناشطين في مجال البيئة في العديد من دول المنطقة ما زالوا قلقين بشأن التأثير البيئي السلبي لسد إليسو، الذي من الممكن أن يسمح لتركيا بوقف تدفق مياه دجلة إلى العراق وسوريا خلال سنوات الجفاف وسيكون لذلك آثار مدمرة على البلدين وخاصة العراق إذ يعتبر نهرا الفرات ودجلة المصدران الأساسيان للمياه المستخدمة لأغراض الزراعة والشرب في العراق، وهما مصدر الحياة لأهوار العراق وسكانه.

يذكر أن السدود التي بنتها أنقرة على نهر دجلة والفرات وكلاهما ينبع من تركيا، تسببت أيضا في تهجير مئات القرى خصوصا تلك التي يقطنها الأكراد، حيث أُجبر مئات الآلاف منهم على الهجرة إلى المدن الكبرى غربي البلاد.

وفي ديسمبر الماضي، قامت السلطات التركية بنقل هياكل مبان تاريخية، بما فيها ضريح، وحمام تركي عتيق ومسجد "الرزق" الذي شيد في القرن الخامس عشر من مدينة حصن كيفا التي تعد من أقدم المدن في العالم، قبل أن تغمرها مياه السد التي بدأت في الارتفاع تدريجيا.

كما تم إجلاء سكان المدينة ذات الأغلبية الكردية والواقعة جنوب شرقي محافظة باتمان خوفا من غرق بيوتهم تحت مياه السد بينما فرضت السلطات طوقا أمنيا على البلدة وأغلقت الطرق المؤدية إليها. 

ورفع أنصار البيئة والمدافعون عن بلدة حصن كيفا في السابق دعوى أمام القضاء التركي لوقف بناء سد إيلسو لأن السلطات لم تقم بدراسة الأثر البيئي للمشروع كما يشترط القانون التركي، فما كان من الحكومة سوى إلغاء القانون ببساطة. فلجأ المعارضون إلى محكمة حقوق الإنسان الأوروبية سنة 2018 في مسعى أخير لوقف عمليات تخزين المياه في السد، لكن آمالهم خابت بعد أن قالت المحكمة إن حماية الإرث الثقافي للأفراد ليس من بين حقوق الإنسان الأساسية المعتمدة عالميا.

ان
تركيا تريد التحكم في شريان حياة الدول المجاورة لها بأي ثمن

ويرى مراقبون إن القرار التركي المفاجئ في هذا التوقيت الذي ينشغل فيه العالم بأزمة انتشار فيروس كورونا، بتشغيل السد ينبئ بصراع جديد أعاد أردوغان فتح جبهته بالتزامن مع تشكيل الحكومة العراقية الجديدة ليندرج ضمن نفس سياسة المطامع التي ينفذها الرئيس التركي للاستحواذ على موارد الطاقة الطبيعية في أكثر من بلد عربي، ابتداء من سوريا وصول إلى ليبيا اللتان تدخلت أنقرة فيهما عسكريا بحثا عن حصة من مواردهما من النفط والغاز خلال الحرب الدائرة هناك.

واستخدمت تركيا في السنوات الماضية سلاح المياه للضغط على الأكراد والدول المجاورة من خلال إقامة سدود على ضفتي نهري دجلة والفرات اللذين ينبعان من أراضيها ويشكلان شريانا حياة بالنسبة للملايين من البشر في المنطقة.

وحرص أردوغان من خلال العملية العسكرية التي أطلقها في أكتوبر الماضي بشمال شرق سوريا ضد وحدات حماية الشعب الكردي على وضع يده على إحدى أهم محطات المياه “علوك” خلال تمدد القوات التركية على طول الشريط الحدودي مع سوريا والرابط بين رأس العين (سرييه كانييه) من محافظة الحسكة وتل أبيض التابعة إداريا لمحافظة الرقة.

وتعمدت تركيا خلال الأشهر الماضية استخدام التعطيش كسلاح للضغط على أكراد سوريا مع تفشي كورونا حيث أوقفت ضخ المياه من محطة "علوك" عدة مرات، آخرها في 29 مارس، الأمر الذي ينذر بكارثة إنسانية في المنطقة خاصة مع انتشار فايروس كورونا داخل الأراضي السورية.

واعتبرت مجلة "ناشن" الأميركية في تقرير سابق لها إن إنشاء تركيا للسدود على نهر دجلة سيجعل المصير المائي للعراق بيدها.

وقال العالم البيئي الألماني أولريش ايخيلمان "إن سد إليسو يعتبر سلاحا ضد الأراضي المنخفضة، لقد خطط له وبني بطريقة تمنع مياه دجلة لمدة طويلة".

وأضاف ايخيلمان "إذا نظرت للمياه على أنها سلاح، فإن السدود ستكون هي المدافع الجديدة، إن العراق لديه النفط، وتركيا لديها المياه، وأحيانا يكون من الأفضل أن يكون لديك المياه".

يذكر أن العلاقات التركية العراقية أيضا شهدت توترا في السنوات الأخيرة بسبب السياسات أردوغان المستفزة بالتدخل في شؤون العراق الذي أصبح أرضا مفتوحة لهجمات الطيران التركي المتكررة لمطاردة الأكراد دون احترام للأعراف الدبلوماسية الدولية وحسن الجوار.