سر كبح الأرق في طبق طعامك
من العدّ الخراف إلى الضوضاء البيضاء والبطانيات المُثقّلة، جرّب الناس عددًا لا يُحصى من الوسائل للحصول على نومٍ هانئ. إذ يمكن أن تؤدي اضطرابات النوم إلى عواقب سلبية واسعة النطاق، فتؤثر على صحة القلب والأوعية الدموية، والتمثيل الغذائي، والذاكرة، والتعلّم، والإنتاجية، وتنظيم المزاج، والعلاقات الشخصية، وأكثر من ذلك.
لكن يبدو أن أداة مهمة لتحسين جودة النوم كانت أمام أعيننا طوال الوقت… في قسم الخضار والفاكهة. فقد كشفت دراسة جديدة، قادها باحثون من جامعة شيكاغو للطب وجامعة كولومبيا، أن تناول المزيد من الفواكه والخضروات خلال النهار يرتبط بنوم أعمق في الليلة نفسها.
نُشرت الدراسة تحت عنوان "تناول كميات أكبر من الفواكه والخضروات خلال النهار يتنبأ بنوم ليلي أقل اضطرابًا لدى البالغين الأصغر سنًا" في مجلة Sleep Health التابعة للمؤسسة الوطنية للنوم في يونيو/حزيران 2025.
وقالت المؤلفة المشاركة في الدراسة، الدكتورة إسراء تسالي، مديرة مركز النوم بجامعة شيكاغو: "قد تُشكّل التعديلات الغذائية وسيلة طبيعية وفعالة من حيث التكلفة لتحسين النوم".
وأضافت: "العلاقة الزمنية والقياسات الموضوعية التي توصلنا إليها تمثل خطوات حاسمة لسد فجوة في المعرفة الصحية العامة".
كشف العلاقة بين النظام الغذائي والنوم
أظهرت دراسات سابقة أن قلة النوم قد تدفع الأشخاص إلى استهلاك أطعمة أقل صحّة، غنية بالدهون والسكريات. ومع أن النوم يؤثر تأثيرًا بالغًا على الصحة العامة والإنتاجية الاقتصادية، إلا أن الأطباء والعلماء يعرفون أقل بكثير عن كيفية تأثير النظام الغذائي على أنماط النوم.
في دراسات رصدية سابقة، ارتبط تناول كميات كبيرة من الفواكه والخضروات بجودة نوم أفضل وفقًا لتقارير المشاركين، لكن الدراسة الجديدة كانت الأولى التي تُظهر علاقة زمنية بين خيارات النظام الغذائي خلال اليوم وجودة النوم المقاسة موضوعيًا في الليلة ذاتها.
شارك في الدراسة شباب أصحاء، استخدموا تطبيقًا لتسجيل استهلاكهم اليومي من الطعام، وارتدوا أجهزة مراقبة على المعصم لقياس أنماط نومهم بشكل موضوعي. وركّز الباحثون على "تجزئة النوم"، وهو مؤشر يعبّر عن عدد مرات الاستيقاظ أو التحوّل من النوم العميق إلى الخفيف أثناء الليل.
نتائج واعدة تدعم الإرشادات الغذائية
وجد الباحثون أن النظام الغذائي لكل يوم كان مرتبطًا بفروقات ملموسة في نوم الليلة التالية. إذ حصل المشاركون الذين تناولوا المزيد من الفواكه والخضروات خلال النهار على نوم أعمق وأقل تقطعًا، وكذلك أولئك الذين تناولوا كربوهيدرات صحية مثل الحبوب الكاملة.
تأثير خلال أقل من 24 ساعة
واستنادًا إلى نتائجهم ونماذجهم الإحصائية، يقدّر الباحثون أن الأشخاص الذين يستهلكون الكمية الموصى بها من قِبل مركز مكافحة الأمراض (خمسة أكواب من الفواكه والخضار يوميًا) يمكن أن يشهدوا تحسنًا بنسبة 16% في جودة النوم مقارنة بمن لا يستهلكون أيًا منها.
وقالت تسالي: "إن نسبة 16% تُعد فارقًا كبيرًا للغاية. من اللافت حقًا أن نلاحظ هذا التأثير خلال أقل من 24 ساعة".
نحو فهم أوسع في المستقبل
فيما ستُسهم دراسات مستقبلية في إثبات العلاقة السببية وتوسيع النتائج على شرائح سكانية متنوعة، فضلًا عن التعمق في فهم آليات الهضم والأعصاب والتمثيل الغذائي التي قد تفسر التأثير الإيجابي للفواكه والخضار على النوم، إلا أن البيانات الحالية تسمح للخبراء بتقديم نصيحة واضحة: النظام الغذائي الغني بالكربوهيدرات المعقدة والفواكه والخضروات هو الأفضل على المدى الطويل لصحة النوم.
وقالت المؤلفة المشاركة، الدكتورة ماري-بيير سانت-أونج، مديرة مركز التميز لأبحاث النوم والإيقاع الحيوي بجامعة كولومبيا: "يسألني الناس دائمًا إن كان هناك ما يمكنهم تناوله لتحسين نومهم. تغييرات صغيرة قد تُحدث فرقًا. وهذا أمر مُشجّع — النوم الأفضل في متناول اليد".