سقوط أول قتيل تركي يكشف صعوبة العملية العسكرية في سوريا

وزارة الدفاع التركية تؤكد جرح ثلاث جنود فيما يرجح مراقبون ان العملية ستتحول الى حرب استنزاف وسط صمود القوات الكردية.

انقرة - أعلنت تركيا الجمعة عن سقوط أول قتيل في صفوف جنودها في إطار العملية التي تنفّذها في شمال سوريا، خلال مواجهات مع المقاتلين الأكراد بعد يوم من القصف المدفعي العنيف بين الطرفين.
وأصيب ثلاثة جنود أتراك كذلك بجروح في إطار العملية، وفق ما أفادت وزارة الدفاع في بيان أعقب اشتباكات الخميس ولم يكشف عن تفاصيل إضافية. 
وتشير المعلومات حول سقوط ضحايا من جانب القوات التركية الى الصعوبة التي تجدها تلك القوات في التقدم وسط صمود واضح من قبل القوات الكردية.
ويرى مراقبون ان تركيا ستدفع ثمنا باهضا من أرواح جنودها في العملية العسكرية التي يعتقد البعض بانها ستتحول الى حرب استنزاف خبرها الأكراد طوال عقود من الحروب المختلفة.
واندلع القتال في عدة مواقع على طول الحدود البالغ عرضها حوالى 120 كلم حيث تتركز العمليات، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان ومسؤول عسكري كردي الخميس.
وبدأت تركيا الأربعاء عملية برّية وجوّية في شمال شرق سوريا ضد وحدات حماية الشعب الكردية، التي دعمها الغرب في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وتعتبر أنقرة هذه الفصائل "إرهابية" نظراً لارتباطها بحزب العمال الكردستاني الذي خاض تمرداً داخل الأراضي التركية.
ويأتي بيان وزارة الدفاع التركية بعد قصف متبادل بين الفصائل الكردية والجيش التركي في شمال سوريا، حيث سقط ضحايا من الجانبين.
وأحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان منذ الأربعاء مقتل عشرة مدنيين و29 عنصراً من قوات سوريا الديموقراطية، التي تشكّل وحدات حماية الشعب الكردية عمودها الفقري، جراء الهجوم.

المدنيون في شمال سوريا اكبر ضحايا العملية العسكرية التركية
المدنيون في شمال سوريا اكبر ضحايا العملية العسكرية التركية

وتخوض قوات سوريا الديموقراطية الجمعة اشتباكات عنيفة ضد القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها في شمال شرق سوريا، وفق ما أورد مصدر قيادي فيها والمرصد لحقوق الانسان.

وأفاد مدير المرصد رامي عبد الرحمن "اشتباكات عنيفة مستمرة بين قوات سوريا الديمقراطية من جهة، والقوات التركية والفصائل الموالية لها من جهة أخرى، تتركز على جبهات عدّة في الشريط الحدودي الممتد من رأس العين (الحسكة) حتى تل أبيض (الرقة).

وتترافق المواجهات مع قصف صاروخي مكثف وغارات شنتها الطائرات التركية على قرى عدة.

وقال مصدر في قوات سوريا الديموقراطية من داخل رأس العين "تحاول القوات التركية الهجوم من محاور عدّة لكسر خطوط دفاعنا لكن قواتنا تتصدى لهم".

وأضاف "دخلوا أمس أطراف المدينة ونقوم حالياً بقصف نقاط تمركزهم، مستخدمين كافة الأسلحة الثقيلة" لافتاً الى "اشتباكات عنيفة على الخط الحدودي".

وغداة سيطرة الجيش التركي والفصائل على 11 قرية حدودية، معظمها قرب تل أبيض، تمكنت قوات سوريا الديموقراطية، وفق المرصد، من استعادة السيطرة على قريتين ليلا.

وتستخدم هذه القوات وفق عبد الرحمن "أنفاقاً وتحصينات بنتها قرب الحدود لشن هجمات مضادة وإعاقة تقدم" خصومها. وأفاد عن تعزيزات عسكرية كردية تصل تباعاً إلى الشريط الحدودي.واستهدف المقاتلون الأكراد ليلاً مخافر حدود تركية عدة قرب مدينة كوباني (عين العرب) بحسب المرصد.

والخميس قتل 4 مقاتلين من الجيش الوطني السوري في كمين شنه المقاتلون الاكراد في مدينة تل أبيض شمالي سوريا.
وعبر الجيش الوطني الحدود التركية إلى سوريا ودخل منطقة شرق الفرات الخميس ضمن عملية نبع السلام التي أطلقها الجيش التركي الأربعاء.
وأفادت مصادر من الجيش الوطني أن العناصر الإرهابية تخفوا في زي مقاتلي "الوطني" في قرية الدادات، ولدى دخول مقاتلي الجيش الوطني الحقيقيين للمدينة لتمشيطها، اندلعت اشتباكات ما أسفر عن استشهاد 4 وجرح 3 آخرين.

وفي الجانب التركي قتل سبعة مدنيين بينهم رضيع سوري، وأصيب نحو 70 بجروح في قذائف سقطت على بلدات حدودية في محافظتي شانلي أورفا وماردين، اتهمت السلطات مقاتلين أكراد بإطلاقها.
ورافق العمليات العسكرية التركية في سوريا تنديد دولي وعربي واسع مع دعوات لايقاف الهجوم.
وألقت فرنسا بثقلها الدبلوماسي في مواجهة العدوان التركي على أكراد سوريا فبعد أن طالبت إلى جانب دول أوروبية الأربعاء بجلسة طارئة لمجلس الأمني الدول حول العملية العسكرية التركية في شمال سوريا، دعت الخميس إلى اجتماع طارئ للدول الأعضاء في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
وسبق للرئيس الفرنسي امانويل ماكرون أن استقبل مسؤولة كردية في باريس وندد بشدّة بالعدوان التركي، محذّرا من أنه سيعيد الحياة لتنظيم الدولة الإسلامية بعد أن انحسر نفوذه في كل من سوريا والعراق.
وقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخميس إن التوسط من أجل التوصل لاتفاق بين تركيا والأكراد أحد ثلاث خيارات أمام الولايات المتحدة بعد الهجوم التركي في شمال شرق سوريا.
وتابع ترامب على تويتر "لدينا ثلاثة خيارات: إرسال آلاف الجنود والفوز عسكريا أو توجيه ضربة مالية قوية لتركيا وفرض عقوبات أو التوسط للتوصل لاتفاق بين تركيا والأكراد".

وأدانت كندا هجوم تركيا على فصائل كردية في شمال شرق سوريا الأربعاء، قائلة إنه يخاطر بتقويض استقرار المنطقة الهش والجهود المبذولة لتحجيم تنظيم الدولة الإسلامية.
وقالت وزيرة الخارجية كريستيا فريلاند على موقع تويتر "تدين كندا بشدة التوغل العسكري الذي قامت به تركيا في سوريا اليوم ... ندعو لحماية المدنيين وجميع الأطراف لاحترام التزاماتهم بموجب القانون الدولي".
وباستثناء قطر التي رحبت بالعملية العسكرية التركية، كان هناك إجماع عربي على إدانة العدوان التركي على سوريا.
وشكل موقف جامعة الدول العربية المندد بشدّة بالعدوان التركي السافر على وحدة وسيادة سوريا انعطافة في الموقف العربي واستدارة للساحة السورية في مواجه الاندفاع التركي.
وكانت دولة الإمارات قد اتخذت خطوة جريئة في معناها السياسي والأمني وفي توقيتها ومضامينها بأن أعادت فتح سفارتها في دمشق بعد سنوات من القطيعة لإدراك مدروس ووفق موقف رصين بأن الغياب العربي عن تلك الساحة سهّل التغلغل الإيراني وساعد على التمدد التركي.
ونددت الدول العربية وعلى رأسها السعودية والإمارات ومصر بشدّة بالعدوان التركي وبالتهديدات التركية لوحدة وسيادة سوريا وهو موقف لم يكن بالمنطق السياسي وبمنطق الأمن القومي العربي دعما لنظام الأسد بل للدولة السورية وللشعب السوري.
واعتبرت وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية في بيان أن العدوان التركي على سوريا يمثل تطورا خطيرا واعتداء صارخا غير مقبول على سيادة دولة عربية شقيقة، بما يتنافى مع قواعد القانون الدولي ويمثل تدخلا  صارخا في الشأن العربي.
وأعلنت الإمارات رفضها القاطع لكل "ما يمس سيادة الأمن القومي العربي ويهدد الأمن والسلم الدوليين"، محذرة من "تبعات العدوان التركي على وحدة سوريا وسلامتها الإقليمية ومسار العملية السياسية فيها".
كما أدانت السعودية العدوان التركي على مناطق شمال شرق سوريا، في تعد سافر على وحدة واستقلال وسيادة الأراضي السورية.
وقال مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السعودية حسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء الرسمية مساء الأربعاء، إنّ المملكة تدين "العدوان الذي يشنه الجيش التركي على مناطق شمال شرق سوريا في تعد سافر على وحدة واستقلال وسيادة الأراضي السورية".
وأعربت البحرين عن رفضها للهجوم العسكري التركي، معتبرة أن الخطوة تعد انتهاكا مرفوضا لقواعد القانون الدولي واعتداء على سيادة سوريا ووحدة أراضيها.
وطالبت الأردن تركيا بوقف فوري لهجومها على سوريا وحل جميع القضايا عبر الحوار في إطار القانون الدولي، فيما عبرت الجزائر عن قلقها من الهجوم التركي، معلنة رفضها من حيث المبدأ للعدوان على أي دولة عربية.
ولفت مصدر من جامعة الدول العربية التي من المقرر أن تعقد يوم السبت اجتماعا طارئا بطلب من مصر، إلى أن "التوغل التركي في الأراضي السورية يهدد بإشعال المزيد من الصراعات في شرق سوريا وشمالها وقد يسمح باستعادة داعش لبعض قوته".
وأدانت مصر بأشد العبارات العدوان التركي على الأراضي السورية. وقالت إن العملية التركية "تمثل اعتداء صارخا غير مقبول على سيادة دولة عربية شقيقة".
كما أدان الرئيس العراقي برهم صالح العدوان التركي على أكراد سوريا، معتبرا أنه يشكل تصعيدا خطيرا.
وقال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية في تغريدة على حسابه بتويتر مساء الأربعاء إن "الإدانات العربية الواسعة للعدوان التركي على سوريا ليست بالمستغربة، فالحد الأدنى للعمل العربي المشترك رفض العدوان على الفضاء العربي وبالمقابل فالموقف الدولي الرافض للعدوان التركي ينبع من أسس القانون الدولي وإدراك مشترك بأن هذه الخطوة ستعقد المشهد المعقد أصلا".
ولا يخرج هذا الموقف عن سياق جهود تحصين الفضاء العربي من التدخل التركي في سوريا وإنذارا من استمرار الغياب العربي عن الساحة السورية.