سكان جزيرة في النيل يتشبثون بحبل القضاء لإنقاذهم من التهجير

أهالي الوراق ينتظرون بفارغ الصبر يوم السبت حين يقول القضاء كلمته في طعن، يعتبرونه الأمل الوحيد لبقائهم في منازلهم، بقرار لمجلس الوزراء يمهد للبدء في تنفيذ مخطط لتنمية الجزيرة وتطويرها.
جزيرة يسكنها زهاء 100 ألف شخص مصيرها معلق
مواجهات بين قوات الأمن وأهالي جزيرة في 2017 أدت إلى مقتل شخص
الحكومة المصرية تؤكد ان 'من يمتلك عقودا وأوراقا رسمية تثبت ملكية الأرض لن يتم التعرض له'
مخاوف من مشروع استثماري ضخم على أرض الجزيرة

جزيرة الوراق (مصر) - في جزيرة الوراق وسط النيل بالقاهرة، ينتظر الأهالي بفارغ الصبر يوم 23 آذار/مارس حين يقول القضاء كلمته في قضية يعتبرونها الأمل الوحيد لبقائهم في منازلهم والتي أزالت السلطات عددا منها قبل عامين بحجة التعدي على ملكية الدولة.

على عبّارة لنقل الأهالي من اليابسة إلى الجزيرة، يشير أبو رواش محمد (32 عاما) بإصبعه إلى البقع الزراعية الخضراء في الجزيرة يحتضنها نهر النيل "الحكومة تريدنا أن نترك هذا الجمال.. وأين سنذهب".

ويضيف محمد وهو أحد ملّاكي العبّارات "إذا سألت أي طفل صغير في الشارع ماذا يعني لك هذا اليوم سيقول لك اما بقائي أو مواجهتي (للحكومة) .. لأننا لن نرحل من الجزيرة".

وكان مجلس الوزراء المصري وافق في نيسان/ابريل 2018 على استصدار قرار جمهوري بنقل تبعية جزيرة الوراق الواقعة بمحافظة الجيزة (غرب القاهرة) ويسكنها زهاء 100 ألف شخص، إلى هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة تمهيداً للبدء في تنفيذ مخطط لتنميتها وتطويرها، بالتعاون بين الهيئة الهندسية للقوات المسلحة وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة.

إلا أن فريقا من محامي الجزيرة قام بالطعن بقرار مجلس الوزراء وحدد مجلس الدولة يوم 23 من آذار/مارس للنطق بالحكم.

يقول "الكابتن" عبد الفتاح، أحد المنضمين لهيئة الدفاع في القضية، "يجب أن تفهم الحكومة شيئا وهو أننا هنا في جزيرة الوراق لنا طبيعة خاصة .. نحن 82 عائلة تقريبا كلهم يربطهم نسب".

وأضاف عبد الفتاح والذي اكتسب لقبه لأنه أول من أقام ملعب كرة قدم خاص على الجزيرة، "هناك روابط شديدة وقوية بين أهالي الجزيرة ولن يترك أحد الأخر".

وأوضح عبد الفتاح بكل ثقة وكان جالسا على مقهى يدخن الشيشة "ليس هناك شخص في الجزيرة لا يمتلك عقدا رسميا لمنزله".

وكان تقرير مجلس الوزراء الصادر في 2017 أفاد بأنه "من يمتلك عقودا وأوراقا رسمية تثبت ملكية الأرض لن يتم التعرض له".

 "يوم تاريخي"

في 16 تموز/يوليو 2017 وقعت مواجهات بين قوات الأمن وأهالي جزيرة الوراق في إطار حملات الدولة لإزالة التعديات على أراضيها، ما أدى إلى مقتل شخص ووقوع إصابات من الجانبين، حسب وزارتي الداخلية والصحة.

وذكر تقرير رسمي لمجلس الوزراء في تموز/يوليو 2017 أن الجزيرة التي تبلغ مساحتها ألف فدان وكانت أرضا زراعية، "تم التعدي عليها منذ أكثر من 15 سنة وتحويلها لمنطقة سكنية عشوائية".

وأحصى التقرير حوالى 700 حالة تعدي في الجزيرة "بالإضافة إلى حالات تعديات أخرى لم يتم حصرها بعد".

يتابع محمد وهو أحد ملاكي العبارات الصغيرة على النيل التي تخدم أهالي الجزيرة "16 يوليو أصبح يوما تاريخيا مدونا في رؤوس كل أهالي الوراق".

وأضاف محمد "نحن كنّا نطلب التطوير (لمرافق الجزيرة) وليس التهجير".

وظهرت لافتة معلقة على واجهة إحدى البنايات في الجزيرة كتب عليها "الجزيرة ليست للبيع".

منذ ذلك اليوم، لا تزال أنقاض المنازل التي أزالتها السلطات باقية في أماكنها ولم تتمكن الحكومة من تنفيذ ازالات أخرى تجنبا لوقوع اشتباكات جديدة ضد الأهالي.

ولكن بحسب الأهالي، يسجل على اليابسة المحيطة بالجزيرة خصوصا عند محطات العبارات النيلية الصغيرة تواجد أمني شبه ثابت لمراقبة الأوضاع وأحيانا لتضييق الخناق على السكان.

وعلّق محمد ساخرا "نحن علينا حصار في جزيرة الوراق على جميع المعديات لم يفرض على غزة .. وممنوع علينا تمرير أي مواد بناء"، لمنع قيام إنشاءات جديدة على أرض الجزيرة.

مخاوف واستثمارات

على الرغم من نفي الحكومة أكثر من مرة لنية تهجير أهالي الوراق لصالح القيام بمشروع استثماري ضخم على أرض الجزيرة، إلا أن هذا التخوف لا يزال يساور العديد من السكان.

ووجّه خليفة سؤالا إلى المسؤولين "لما ذا لا تجعلوها مفاوضات مباشرة بيننا وبين المستثمر .. نحن نعلم جيدا أن السنتيمتر في هذه الجزيرة يساوي ذهبا".

وفي كانون الاول/ديسمبر الماضي صدر بيان عن ليلاني فرحة مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالحق في السكن اللائق في مصر وذكرت فيه أن هناك "مخاوف من وقوع جزيرة الوراق فريسة" للرؤية الاستثمارية.

وكانت فرحة زارت مصر من 24 أيلول/سبتمبر إلى 3 تشرين الأول/أكتوبر 2018، وهي أول زيارة لخبير حقوق إنسان في الأمم المتحدة إلى مصر منذ نحو عقد.

وأضافت "حصلت على شهادات مباشرة من سكان الجزيرة بشأن عملية الإخلاء (..) وخوفهم المستمر من التهجير وذلك بالرغم من ارتباطهم تاريخياً بهذه الجزيرة وامتلاك الكثير منهم عقوداً مسجلة للملكية".

وكانت مصر أصدرت بيانا شديد اللهجة عبر وزارة خارجيتها استهجنت فيه تقرير المقررة الخاصة عن زيارتها.

لا يخفي السكان قلقهم ازاء المستقبل.

على شاطىء الجزيرة يقول عمرو خليفة (40 عاما) وهو يعمل سباكا، عند عودته من عمله في المدينة، "أنا أذهب إلى عملي في الصباح خارج الجزيرة بنسبة تركيز 20% فقط، لأن 80% من تركيزي يضيع في القلق على أهل بيتي.. هل سأجدهم عندما أعود أم سيتم تشريدهم".