سلمان العودة.. الصحوة عبر التيار الإخواني السروري
بقلم: خالد العضاض
بدأت علاقة سلمان العودة وتعرفه على محمد سرور قبيل أن يلتقيا في صفوف المعهد العلمي في بريدة، بسبب علاقة الأخوين الأكبر سنًا منه بالتنظيم، ثم توطدت العلاقة ونمت بينهما حينما درَّس محمد سرور مادة الحساب لسلمان العودة وزملائه في المرحلة المتوسطة. وحدثني أحد الذين درَّسهم محمد سرور أن جلَّ الدَّرس يذهب في مواعظ وخطب حماسيَّة -حول الأمة والدعوة- بعيدة كل البعد عن مادة الدرس التي كانت تأخذ جزءًا ضئيلًا من الوقت في نهاية الحصة، ويُذكر أن المناشط اللاصفية حينها كانت في أوج توهجها وتوقدها.
المناكفون للمناشط الحركية الإسلامية -آنذاك- كانوا يطلقون على رفاق سلمان -الذي لم يظهر بعد- لقب (الحميدية)، أما هم فكانوا يطلقون على أنفسهم لقب (الواعين/الواعي -من الوعي-) ليفرقوا أنفسهم عن المتدينين تدينًا بسيطًا عاديًا سطحيًا كما يعبرون حينها، لأن المتدينين البسطاء لا يهتمون لأمر الأمة والمسلمين في مختلف بقاع الأرض، ولا يدركون تآمر الحكام والأعداء على الدعوة وعلى الدين وأهله.
كان دخول سلمان العودة فعليًا إلى محاضن الدعوة الإخوانية -حينها لم تعرف السرورية بعد- والتربية الحركية -كما أرجح- في العام 1969 على يد أحد الشباب الحركيين في وقتها، وهو شاب قادم من معهد البكيرية، حيث درَّسه محمد سرور في أول سنة له في القصيم، وثاني سنة يقضيها في ربوع المملكة، إذ كانت سنته الأولى في مدينة حائل.
عندما انتقل العودة إلى المرحلة الثانوية كان قائدًا شبابيًا مميزًا، وكانت (جمعية التوعية الإسلامية) في المعهد العلمي هي الرباط الوثيق بين الطلاب وبين الحركيين، طلابًا أم مدرسين (الواعين/الحميدية)، وكانت لها -أي جمعية التوعية الإسلامية- نشاطات متنوعة ومركزة جدًا، ولم يكن هناك -حينها- منهجًا تربويًا وتثقيفيًا غير مناهج وطرائق الإخوان المسلمين.
كانت المجاميع الشبابية تلتقي تلك السنين بين بريدة وعنيزة والرس والمذنب، وكانت أسماء محمد سرور، ومحمد العبدة، والشيخ عبد الله الجلالي، والشيخ عبد الكريم الجار الله، هي الحبل الناظم لتلك التجمعات، ليتوسع الأمر ويشمل كلًا من البكيرية ورياض الخبراء والبدائع وعيون الجواء والشماسية والأسياح.
استقبل العودة عاميه الأولين العمليين في المعهد العلمي في بريدة، في جو ديني فيه شيء من الشحن، إذ إن القرن الهجري الجديد على الأبواب، وكان هناك نشاط محموم لجماعة تأسست في المدينة المنورة، وعلى عين الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله- عام 1966 تقريبًا، واختار ابن باز لها اسم: “الجماعة السلفية المحتسبة”، أما هم فقد كانوا يفضلون مسمى: “جماعة أهل الحديث”، والناس والإعلام لاحقًا أطلقوا عليها: “جماعة جهيمان”، وجهيمان العتيبي سليل أسرة من إخوان من طاع الله، أو كما تسميهم بعض المصادر إخوان السبلة القدماء، فوالده (محمد بن سيف العتيبي) هو صديق خاص لسلطان بن بجاد أحد أبرز قادة تلك الجماعة. وعندما كان سلطان بن بجاد في “معركة السبلة” يحارب الملك عبد العزيز، كان والد جهيمان إلى جانبه يحارب معه، فهما رفيقا سلاح، فورَّث لجهيمان عداء الدولة وبغض الأسرة الحاكمة.
هناك أمران مهمان حدثا في الثمانينيات ولهما أثر كبير جدًا على اشتهار الصحوة وتعميقها في نفوس الشباب، سأشير إليهما سريعًا وأعود لمواصلة الحديث عن العودة، وهما: انتفاضة الحجارة في فلسطين عام 1987، والمعركة مع الحداثة التي انطلقت في العام ذاته، وفي أواخره تقريبًا، التي دشنها الدكتور سعيد بن ناصر الغامدي بشرطين سجلا في المنزل حول الحداثة، ثم كتاب الدكتور عوض بن محمد القرني الشهير: (الحداثة في ميزان الإسلام)، الذي صدر عام 1988.
انتقل سلمان العودة بعد ذلك للتدريس في كلية الشريعة في العام 1983، وكانت السياسة (الإخوانية/ السرورية)، بحسب تنظير المنظِّر والمفكِّر الأبرز على مستوى الجماعة ككل العراقي محمد أحمد الراشد (عبد المنعم العزي) هو الالتفاف حول العلماء الكبار الموثوقين في كل بلد وكل مدينة، ليستفيدوا من مكانتهم لدى الناس ولدى الدولة، وهو ما تم تطبيقه بامتياز من قبل الحركيين السرورين بالمقام الأول ثم الإخوان بالمقام الثاني، خصوصًا إخوان الرياض جماعة الصليفيح وجماعة الفنيسان، وكان العودة مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا جدًا بالشيخ صالح البليهي أحد أهم العلماء في السعودية في وقته، وهذا الالتفاف هو ما جعل المشايخ الكبار -الواثقين بمن حولهم من تلك الفئة من الطلاب والمريدين- يكلفون حركيي الصحوة بإدارة المناشط الدعوية والتوعوية، والدولة فتحت لهم المجال بسبب تزكية المشايخ الكبار لهم.
في عام 1984 تقريبًا، طرأ تغير جذري على العمل الحركي في الشق الصحوي الذي يتخذ السلفية منهجًا وسيعرف لاحقًا بالسرورية، حيث انتقل محمد سرور من الكويت إلى بريطانيا في رحلة لا يُعلمُ هل سيكون معها صلة واتصال مع البُنى التنظيمية التي غرسها في مدن سعودية عدة؟ أم أن تلك البُنى التنظيمية يجب أن تتولى أمرها بالكامل؟ وهو ما تم بالفعل؛ ففي اجتماع خاص حضره الرموز السعودية فقط، تمت غربلة العمل ومراجعة المسيرة، وكان من نتائجها أن تقلص التنظيم إلى أفراد قلائل جدًا، على أن يعمل هذا التنظيم على استثمار الجهد السابق الذي بذل لأكثر من عشرين سنة تقريبًا، مع تركيز العمل القادم على خلق تيار متنامٍ عبر حزمة من الوسائل والجهود، وبهذا العمل خرجت الحركة السرورية -إن صحت التسمية- من أغلب علل وأدواء التنظيمات الحركية، أيًا كانت أيديولوجيتها.
استمر نجم العودة بالصعود والبروز، حتى وصل مرحلة وجد معها أنه قد حان الوقت للتفرغ أكثر للدعوة العامة والانطلاق بحرية، بعيدًا عن العمل الحركي المعيق، الذي سبق أن أعاقه عن الحركة مرتين تقريبًا؛ الأولى حين تخرجه من الثانوية، والثاني حينما تخرج من الجامعة. وكان العام 1989 هو بداية انطلاقة العودة كداعية يجوب الآفاق، له دعوته واستقلاليته. ودشن العودة هذه المرحلة برحلات دعوية إلى الولايات المتحدة وإندونيسيا، وهناك في ذلك المكان والزمان كان لقاءه الأول بيوسف القرضاوي، وتوطدت العلاقة بعد ذلك، ثم بداية سلسلة الدروس العلمية العام في العام (1989/1410)، حتى حلت عاصفة الخليج في الثاني من أغسطس/آب عام 1990، لتطير به ولا يقر له قرار بعدها إلى يوم الناس هذا.