سلمان العودة والفكر اليباب – حكاية الصحوة

بعد احتلال الكويت قم حرب الخليج الثانية هيأت الأوضاع السياسية المحقنة بروز النشاط الإخوان السروري الذي شكل الصحوة الدينية سياساً من بداية ظهور على الساحة.

بقلم: خالد العضاض

انفجرت أزمة الخليج الثانية في 2 أغسطس/آب 1990 بعد اجتياح القوات العراقية لدولة الكويت، وخلال سبعة أشهر بين: 2 أغسطس/آب 1990 وحتى 27 فبراير/شباط 1991، وهي الفترة الزمنية ما بين الاجتياح والتحرير، حدثت هزة فكرية واجتماعية كبيرة في المشهد الاجتماعي السعودي، وغدت مجموعة هائلة من المفاهيم والقيم على المحك؛ إذ ظهر رجوع الكثير من أفراد المجتمع إلى التدين، ونشط دعاة الصحوة في صفوف المشاهير والشباب والفتيات بشكل لافت جدًا، حتى أصبح التدين سمة عامة لمشاهير المجتمع ونجومه من اللاعبين وغيرهم، وكان الحدث الأبرز على الإطلاق هو بزوغ نجم دعاة السرورية ضمن الإهاب العام للصحوة.

برز اسم سلمان العودة، وقفز إلى واجهة الأحداث بمحاضرة ألقاها في بريدة في 7/2/1411 هجرية (29/8/1990)، وكان عنوان المحاضرة: (أسباب سقوط الدول)، وبعد هذه المحاضرة جاءه تنبيه لطيف وودي من أحد رموز الدولة حينها، هو وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز، وبعد توقف أسبوعين عاد لدرسه ومنبره من جديد وكأن شيئًا لم يكن!

بعد أسابيع عدة من تسليم خطاب المطالب، حدثت مجموعة أحداث في سكن جامعة الملك سعود بالرياض، وجامع السكن، وكانت عبارة عن خطبة متجاوزة أعقبها منع الخطيب في الجمعة التالية، فقام ما سمي حينها بمهرجان الجامعة وهي كلمات عدة ألقاها صحويو الجامعة من الإخوان تحديدًا، بعد صلاة الجمعة عندما رأوا أن خطيبهم قد منع. وعبَّر المتكلمون عن انزعاجهم من هذا المنع واعتراضهم على معاملة أساتذة الجامعات معاملةً غير لائقة، وطالب المتكلمون بضرورة تكوين وفد من المصلين يقابل المسؤولين ويعبر عن رفضه لتلك التصرفات، وبادر أحد المتكلمين، وطلب من المصلين تكوين لجنة لدراسة القضية ومناقشتها مع الجهات المختصة، وتم ذلك في الوقت نفسه حيث انتخب من بين المصلين 12 أستاذًا من أساتذة الجامعة، وأصبحوا أعضاء في لجنة المطالبة بعودة الخطيب.

تكفَّل عدد من أعضاء اللجنة لإعداد مسوّدة كاملة عن أوضاع البلد وعرضها على اللجنة خلال أسبوع، ومضى الأسبوع وكانت المسوّدة جاهزة، وبعد مداولتها وصلوا إلى قناعة بضرورة تطوير الفكرة وتحويل تلك المسوّدة إلى مذكرة جامعة عن أحوال البلد، وكلفت من أعضائها مجموعات فرعية للكتابة التفصيلية في الأبواب التي تطرقت إليها المسوّدة، وتقرر أن يكون كل لقاء من لقاءات اللجنة -التي أصبحت لقاءات منتظمة كل أسبوع- مخصصًا لمراجعة أحد الأبواب.

بعد أن أعدت المسوّدة، تقرر توزيعها على عدد محدود من الدعاة لمراجعتها وتقريظها، وكان من أبرزهم الدكتور سلمان العودة، والدكتور سفر الحوالي، والشيخ عبد الله الجلالي، والشيخ عبد الله الجبرين، الذين أيَّدوا ما كتب فيها، وتبين من خلال تلك المراجعة أن المذكرة جاهزة لعرضها للتوقيع.

كان أول باعث مباشر على التفكير بتأسيس اللجنة ما حدث في رجب من عام 1413هـ، الموافق ديسمبر/كانون الأول 1992 -أي بعد تسليم مذكرة النصيحة بسبعة أشهر- وذلك حين تم إيقاف الشيخ إبراهيم الدبيان من طلبة العلم في بريدة، الذي اجتمع على أثره، في لقاء موسع في منزل الدكتور حمد الصليفيح، ما يقارب الأربعين من الدعاة وأساتذة الجامعة، وكان ذلك في شهر رجب 1413هـ، الموافق مايو/أيار 1992. وفي هذا اللقاء، طرحت قضية إيقاف الدبيان، واعتبر المجتمعون أن إيقاف الدبيان فرصة مواتية لطرح قضية إيجاد تجمّع يسعى لرفع الظلم والدفاع عن المظلومين، واقترح هؤلاء تكليف شخص أو مجموعة أشخاص بإعداد ورقة عمل عن كيفية إنشاء هذه المجموعة.

قامت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) بعد استلامها الخبر بالاتصال بالهاتف الوارد في البيان، وهو هاتف أمين اللجنة الشيخ عبد الله المسعري، لإجراء مقابلة مع الشيخ لكونه أمين اللجنة، ولعدم اتقان الشيخ عبد الله المسعري للغة الإنجليزية أحالهم إلى ابنه الدكتور محمد المسعري، إذ تمت المقابلة مع الدكتور محمد بصفته متحدثًا باسم والده في ذلك اليوم، وكانت المقابلة باللغة الإنجليزية، وترجمت إلى اللغة العربية في إذاعة لندن العربية، وكان هذا أول دخول للدكتور محمد المسعري على خط الصحوة، وهو المنتمي لأفكار حزب التحرير. بعد ذلك، دعا الشيخ عبد الله المسعري إلى اجتماع لأعضاء اللجنة الستة، وشرح لهم قصة مشاركة الدكتور محمد في اللقاء، ووافق الجميع على اقتراحٍ بتعيينه ناطقًا رسميًا باسم لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية.

كانت أول ردة فعل رسمية معلنة هي إصدار بيان من قبل هيئة كبار العلماء في يوم الإثنين 20 ذي القعدة 1413هـ، الموافق 11 من مايو/أيار 1993، حيث أكّد البيان الذي صدر بإجماع أعضاء الهيئة أن إنشاء هذه اللجنة غير مشروع، ولا يجوز قيام أي كيان مهما كان إلا بإذنٍ من ولي الأمر، وأن الذين أقدموا على ذلك يستحقون العقاب.

أما على المستوى السروري فقد قاد سلمان العودة، وفدًا من مشايخ القصيم يقدر بخمسة وعشرين، في مقدمتهم الشيخ حمود العقلا، الذي كان يستفتح بداية الحديث، ثم يفسح المجال للعودة لإكمال الحديث، وكان الباعث على زيارة الوفد القصيمي للرياض هو إيقاف الدبيان، ومحاولة التوسط له عند من يستطيعون لقاءه، وبالفعل قابل الوفد الشيخ ابن باز، ثم ولي العهد حينها الأمير عبد الله، وأمير الرياض الأمير سلمان، وقابلوا بعض مشايخ الرياض.

استمر العودة على النمط ذاته في التعاطي مع وضع الإيقاف، الذي قطعه بالدروس في منزله، والأسفار الداخلية، التي تخللها رحلة خارجية إلى الفلبين فلتت من عين الرقيب بسبب فني -على ما يبدو- في المنفذ الحدودي السعودي على البحرين، أو بسبب اسمه المكتوب بالخطأ في جواز السفر (سليمان)، كما ذكرنا.

وفي مغرب السبت الرابع من شهر ربيع الثاني لعام 1415 (صيف 1994)، سجل سلمان العودة شريطًا “كاسيتيًا” في قبو منزل الدكتور ناصر العمر في مدينة الرياض، حينما نما إلى علم العمر أن قرارًا صدر بحق العودة والحوالي يقضي بإيقافهما لدى سلطات الأمن السعودي، فاجتمع في بيت العمر مجموعة من الحركيين ذلك اليوم، وكان رأيهم أن يسجل العودة شريطًا صوتيًا يتكلم فيه عن الوضع والمستجدات بعد خبر الإيقاف، واختار العودة والمجتمعون عنوانًا لذلك التسجيل: (رسالة من وراء القضبان). ظهر الشريط لأول مرة بعد شهرين من هذا التاريخ تقريبًا، وقد تحدث العودة في هذا التسجيل عما أسماه في ذلك الحين حملة الاعتقالات للدعاة، وقال: “فهذه رسالة من وراء القضبان لكل من يريد أن يعرف قضية الدعاة والدعوة إلى الله -عز وجل-“، وتحدث عن الحرية، وعن الابتلاء، والصبر في سبيل الدعوة، ومواصلة المسيرة، وغيرها من المعاني في هذا السبيل، وأطلق جملته الشهيرة (اسجنونا ولكن أصلحوا الأوضاع).

عن كيو بوست
ملخص بحث