سهرات بيروت تحتضر تحت وطأة كورونا والأزمة المالية

مئات المطاعم والمقاهي والحانات تغلق أبوابها في لبنان والعمال يتلقون الوعود الفارغة من الحكومة بمساعدتهم في حين تمنع البنوك الوصول للأرصدة المالية.
الليرة اللبنانية فقدت أكثر من 60 بالمئة من قيمتها
في مشهد غير مألوف مطعم 'لو بيشيه' يخلو من الزبائن
حانة 'بارومتر' في منطقة الحمرا تضطر الى خفض أرباحها

بيروت - معروف عن بيروت عشقها للاحتفال والسهر حتى في الظروف الصعبة التي غالبا ما تكون فيها. وقد سبق وصمدت المدينة وسهراتها أمام حروب وحملات قصف واغتيالات، وتفخر بقدرتها على التعافي والعودة لسابق عهدها.
لكن أصحاب المطاعم والحانات في العاصمة اللبنانية يقولون إن الوضع مختلف هذه المرة ويخشون من أن الأزمة المالية المدمرة، التي فاقمتها جائحة فيروس كورونا المستجد، تنذر بخراب أعمالهم.
ففي مطعم لو بيشيه، الذي تأسس قبل 20 عاما والمتخصص في المأكولات البحرية، يقف نادل مخضرم عند المدخل مُسلحا بكمامة وقناع وجه ورشاش معقم، في أول عطلة نهاية أسبوع بعد أن رفعت الحكومة إجراءات العزل العام بسبب كورونا اعتبارا من أول يونيو/حزيران. ولم يكن بالمطعم أي زبائن.
وقال أحمد قاسم (49 عاما)، صاحب مطعم لو بيشيه "أنا عشت الحرب الأهلية كنت صغير، كان فيه حروب، كنا نشوف قذائف عم توقع، ناس عم تتقتل، بس كيف ما برمت (مرت)، ما كان حدا يقولك ما معي مصاري (نقود) أو ما معي آكل".
ويضيف "هلق (حاليا) العالم (الناس) فيه ناس بطونها فاضية، ما فيه شغل، ما فيه مصاري".

مطعم
أزمة تنذر بخراب أعمالهم

وفقدت الليرة اللبنانية، منذ أواخر العام الماضي، أكثر من 60 في المئة من قيمتها بينما ارتفعت الأسعار بشكل كبير. وتسببت الأزمة في خفض الوظائف وإثارة اضطرابات ودفعت الحكومة إلى السعي للحصول على مساعدة تحتاجها بشدة من صندوق النقد الدولي.
وقالت ساره، وهي معلمة لغة إنكليزية (27 عاما) "هذه أول مرة أشعر فيها بوطأة الوضع الاقتصادي لم يعد في الوسع تحمله أكثر من ذلك، نعم ساهمت الجائحة في الأمر حيث فقد أناس أعمالهم وانخفضت رواتب آخرين ولم يعد كثيرون يجدون عملا ما حدا فيه يضهر، ما حدا فيه يسهر، ما حدا فيه يشرب، ما حدا فيه يدفع".
وأغلقت مئات المطاعم والمقاهي والحانات أبوابها في بلد كانت فيه صناعة الخدمات منذ زمن إحدى ركائز الاقتصاد ويعمل بها جزء كبير من القوى العاملة.
وفي مطعم بارون، الذي يضم 200 مقعد، في منطقة عصرية ببيروت وقف المضيفون يخدمون زبائن يشغلون طاولة واحدة بالمطعم.
وقال إتيان صباغ (37 عاما)، مؤسس وصاحب مطعم بارون، "حيا الله محل، محلي أو مش محلي، محل حيا الله حدا، بس يكون فاضي بدك تزعلي، بس هذه هي الحياة، بدنا نمشي شوي شوي لنرجع نمليه ويكون موسيقى والعالم عم يشربوا ومبسوطين".
وأوضح أن العاملين بصناعة المطاعم في لبنان لم يتلقوا سوى وعود فارغة من الحكومة بمساعدتهم في حين منعت البنوك الوصول للأرصدة المالية ومؤسسات الإقراض.
وأضاف صباغ "كنا مفكرين يمكن بعد 10-15 يوم بتنحل، ظلت ثلاث أشهر، وبصراحة ما حدا من الدولة قدر ساعدنا أم متل كل بلدان العالم، زي يقدموا قروض للشركات، يقدموا قروض بدون فائدة للشركات، نحنا ما حدا عطا ها الشي، ما حدا اهتم بالقطاع كله سواء السياحي، هو من أكبر قطاعات بلبنان، كل العالم بيحكوا عن السياحة بلبنان وعن الضيافة، بس ما انه موجود".
وفي منطقة الحمرا بالمدينة، والتي تضم بعضا من أقدم أماكن الترفيه الليلي في لبنان، كانت حانة بارومتر واحدة من بين الحانات القليلة المفتوحة في عطلة نهاية ذلك الأسبوع. وعاشت تلك الحانة، التي تأسست قبل 24 عاما، كل ما أصاب بيروت في تلك الحقبة الزمنية، وكان بين ذلك حربان مع إسرائيل.
وكان هناك زبونان في حالة استرخاء بالحانة بينما كان البعض يتناولون عشاءهم وآخرون يتمايلون على صوت الموسيقى. فالجو العام ما زال مشوبا بمسحة حزن.
وبينما يسكب المشروبات للزبائن يقول ربيع الزاهر، صاحب الحانة، إنه توصل لفكرة تقليل أرباحه حتى لا يرفع الأسعار على الزبائن.
وقال "بدي أنزل شوي من أرباحي، وزدت شي بسيط الأسعار لتضلها الناس عم تسهر، ما فيه عندنا حل تاني، شو بدنا نعمل؟، بنقعد بالبيت يعني، بنستسلم، ما فينا".