سوريا تعيد ترتيب بيت الدبلوماسية باستقطاب الدبلوماسيين المنشقين
دمشق - في خطوة لافتة ضمن مساعي إعادة هيكلة مؤسسات الدولة السورية على أسس جديدة، أطلقت وزارة الخارجية والمغتربين التابعة للسلطات السورية الانتقالية دعوة رسمية إلى الدبلوماسيين المنشقين عن النظام السابق، لحثّهم على تعبئة نموذج خاص جُهّز لتحديث بياناتهم والتواصل معهم مستقبلاً. وتأتي هذه الدعوة في سياق ما يراه النظام الجديد رؤية سياسية تسعى إلى توسيع قاعدة الكفاءات والخبرات الوطنية، وتوظيفها في خدمة مشروع بناء دولة سورية حديثة، قائمة على القانون والمواطنة والمصلحة العامة، بعيداً عن الاصطفافات والولاءات الضيقة التي ميّزت الحقبة الماضية.
وأكد بيان رسمي صادر عن الخارجية السورية أن هذه المبادرة تأتي "إيماناً بالدور الوطني الكبير" الذي قام به الدبلوماسيون المنشقون بانحيازهم إلى الشعب وقضيته العادلة، وحرصاً على "توثيق هذا التاريخ المشرف وتفعيله في المرحلة المقبلة"، مشدداً على أن التسجيل سيظل مفتوحاً حتى نهاية شهر مايو/أيار المقبل، وأن جميع المعلومات ستُحفظ بسرية تامة.
وتُعد هذه الخطوة إشارة واضحة إلى أن السلطات السورية الانتقالية تسعى إلى صياغة دبلوماسية سورية جديدة، تنطلق من واقع سياسي مختلف كلياً عن مرحلة ما قبل 2011. إذ تسعى إلى بناء علاقات خارجية قائمة على استقلال القرار السوري، وتقديم خطاب يعكس تطلعات السوريين بعيداً عن الخطابات الأيديولوجية التي ربطت السياسة الخارجية السورية لعقود بتحالفات مغلقة خاصة العلاقات التي جمعت نظام الاسد بايران.
ويرى مراقبون أن استقطاب الدبلوماسيين المنشقين يمثل محاولة لإعادة توظيف الطاقات الوطنية التي اضطُرت للابتعاد عن المشهد بسبب مواقفها السياسية، وتأكيداً على نهج تصالحي منفتح لا يستثني أصحاب الكفاءة من لعب دور في مستقبل سوريا، بصرف النظر عن خلفياتهم السابقة.
وتروج السلطات السورية صورة بأنها قادرة عل استيعاب الجميع رغم تعرضها لانتقادات واسعة في الداخل والخارج بكونها منغلقة على نفسها ولم تشرك الأقليات الدينية والعرقية في المناصب الحكومية. ويؤسس وزير الخارجية اسعد الشيباني لنهج يدعم المصالحة داخل الهيئات الدبلوماسية السورية كونه مفتاح لترويج صورة جيدة عن البلاد في الخارج.
وفي السياق ذاته، أفادت مصادر مطلعة بأن السلطات السورية الانتقالية بدأت أيضاً اتصالات مع عدد من الضباط والعسكريين المنشقين عن النظام السابق، بهدف الاستفادة من خبراتهم في وضع أسس تشكيل جيش وطني جديد. وأوضحت المصادر أن الهدف من هذه التحركات هو بناء مؤسسة عسكرية مهنية لا تقوم على الولاء الشخصي، بل على العقيدة الوطنية، وتكون قادرة على حماية وحدة البلاد وسيادتها.
وتأتي هذه الخطوة في وقت حساس، حيث تتزايد التحديات الأمنية والسياسية أمام السلطات الانتقالية، وسط جهود داخلية ودولية لتثبيت الاستقرار ودفع العملية السياسية إلى الأمام. ويُنظر إلى إعادة هيكلة المؤسستين الدبلوماسية والعسكرية كجزء أساسي من مشروع إعادة بناء الدولة ومؤسساتها، بما يتماشى مع تطلعات السوريين في التغيير السياسي الجذري.
وتأتي تحركات السلطات السورية الانتقالية نحو لمّ شمل الكفاءات الوطنية كترجمة عملية لشعار "سوريا لكل أبنائها"، الذي تبنّته قيادات المرحلة الانتقالية في أكثر من مناسبة. إذ يُنظر إلى هذه المبادرات على أنها بداية طريق طويل نحو شراكة وطنية شاملة، تتجاوز الانقسامات التي فُرضت على السوريين بفعل سنوات الحرب.
وفي حين ما تزال التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية ماثلة بقوة، تبعث هذه الخطوات برسالة أمل مفادها أن مشروع بناء سوريا جديدة لن يقوم إلا بأيدي أبنائها، بمن فيهم أولئك الذين دفعوا ثمناً غالياً لمواقفهم، وآن أوان عودتهم للمساهمة في إعادة الإعمار الوطني، على أسس من العدالة والكفاءة والانتماء للوطن أولاً.