سوريا في درجة الصفر

لا يزال بعض المعارضين السوريين لا يصدقون أن الحرب انتهت وأن ما يجري الآن هو رسم خرائط ما بعد الحرب.

لم تعد الأطراف السورية المتصارعة تنظر إلى جهة بعينها في انتظار القول الفصل في ما يتعلق بخلافاتها. بل أن تلك الخلافات لم تعد ذات قيمة.

حلت المعارضة في موسكو بعد أن كانت قد ملأت الدنيا ضجيجا وهي تصرخ منددة بالاحتلال الروسي. "روسيا صاحبة كلمة في الازمة." هذا ما قاله معارض سوري متخطيا الخطاب القديم.

ولكن العلاقة بروسيا لن تعيد للمعارضة بريقها الذي فقدته.

من جهة أخرى فإن هناك أجزاء من الأراضي السورية يبدو مصيرها غامضا. وهي تلك الأجزاء التي لا تجرؤ الحكومة السورية على تحريك جيشها في اتجاهها ولا تحلق الطائرات الروسية في فضائها.

غير أن تلك الأراضي ليست من حصة المعارضة وهو ما يطمئن الحكومة السورية. اما لماذا ذلك الاطمئنان؟ فهو أمر يدخل في تقديرات تلك الحكومة للهامش الروسي المسموح به لحركة الأميركان داخل الأراضي السورية.

اما محافظة ادلب فإنها حكاية اتخذت طابعا إنسانياً وهو ما لا يعد بانفراج قريب في ظل تخلي الجماعات المسلحة عن أسلحتها الثقيلة. صار ممكنا لتلك الجماعات أن تبقى في أماكنها بشرط أن لا تقوم بأي نشاط قتالي.

وهكذا تكون سوريا قد وصلت إلى درجة الصفر.

في تلك الحالة تبدو الأزمة بالنسبة للحكومة السورية كما لو أنها قد حلت. فما من شيء يهدد بقاءها. اما المعارضة الرسمية فإنها لم تعد متأكدة من شيء يضمن استمرارها طرفا في مفاوضات، يبدو أنها ليست معلقة أو مؤجلة. لم تعد تلك المفاوضات ضرورية في ظل مؤتمرات صارت الدول حريصة على حضورها على مستوى الزعماء. 

لم يعد التفكير في الحل السياسي للأزمة السورية مطروحا على مائدة أية مفاوضات دولية بعد فشل الحل العسكري الذي كانت المعارضة السورية تراهن عليه في أوقات سابقة.

هناك مَن يفكر في حملة الاعمار وهناك في المقابل مَن يفكر في كتابة دستور جديد للبلاد. مسافة تفصل بين الفريقين، غير أن الأوروبيين الذين أظهروا أخيرا اهتماما بالمسألة السورية يدركون جيدا أن الأميركان لا يملكون مشروعا واضحا في سوريا.

وبسبب غياب المشروع الأميركي في سوريا فقد حدث تطابق في وجهات النظر بين أوروبا وروسيا، وهو تطابق أملته المعطيات على الأرض. لقد جمدت روسيا كل شيء على الأرض في انتظار ما تسفر عنه المفاوضات مع أوروبا في ما يتعلق بإعادة اعمار سوريا.

لذلك فإن المبعوث الأممي ديمستورا صار يركز على كتابة الدستور من غير أن يمر بجنيف أو استانا. صار الرجل في لحظة مغادرته واقعيا بما ينسجم مع ما أنجزه الروس على الأرض.

ذلك لا يعني أن الروس سينجحون حتما في فرض أجندتهم في الاعمار على الاوروبيين، غير أن القبول الأوروبي بالحوار مع روسيا في الشأن السوري لابد أن ينطوي على معان، تشير إلى ذلك النجاح. وهو ما يمهد لإنشاء خارطة علاقات جديدة على الأرض السورية سيكون من شأنها تأجيل النظر في مصير النظام السوري من أجل معالجة حقائق انتجتها الحرب.

"لقد انتهت الحرب. نحن في مرحلة تداعياتها." هذا ما لا يصدقه بعض المعارضين. ولأن الحكومة السورية كانت واقعية أكثر من معارضيها فإنها تستجيب لكل ما يُملى عليها من شروط.

في كل الأحوال فإنها تعرف أن المجتمع الدولي لم يعد مجمعا على اسقاطها وأن هناك تحولات على الصعيد العربي يمكن أن تؤدي إلى إعادة تأهيلها عربيا وأنها يمكن أن تلعب دورا مهما في تحجيم دور إيران إقليميا.

سوريا في درجة الصفر يمكن أن تكون نافعة.

من المؤكد أن أوروبا التي تعرض خدماتها على روسيا تفكر في أن سوريا هي البداية للانحسار الإيراني في المنطقة.  

لم يعترف الأميركيون بعجزهم عن احتواء إيران غير أن الوقائع تؤكد أنهم تركوا تلك المهمة للآخرين.