سور الأزبكية.. ثقافة وتراث وزبائن من المشاهير

المترددون على المكان يختلفون من حيث المرحلة العمرية ويختلفون أيضاً من حيث المحصلة الثقافية والعلمية.
جميع أنواع الكتب القديمة تباع هنا لطلبة المدارس والجامعات والجمهور وبأسعار رمزية
الظروف الاقتصادية الصعبة أثرت على حركة الشراء في السور

القاهرة ـ من حازم خالد

منذ مطلع القرن العشرين وحتى منتصفه تقريباً، وحديقة الأزبكية المواجهة لميدان "الأوبرا" القديمة في وسط القـاهرة منارة للفن، حيث كان يرتادها الفنانون والعازفون لتقديم فنونهم للجمهور، وبمرور الوقت قدم إلى السوق باعة الكتب المستهلكة ليعرضوا بضاعتهم على جمهور الموسيقى، فلاقت تجارتهم رواجاً، حيث إن الكتاب كان يباع مستخدماً بأقل من ربع ثمنه الأصلي، لذا استمرت تجارة الكتب حتى بعدما انتهى زمن الموسيقى، وتحول سور الأزبكية إلى واحد من أهم معالم القاهرة الثقافية
ويعد حي الأزبكية من أقدم الأحياء في مدينة القاهرة، حيث أنشئ منذ ما يزيد على الستمائة عام، حين كانت المنطقة عبارة عن مجموعة برك مائية حتى عهد الأشرف برسباي الذي أقتطع هذه المنطقة لمملوكه "أزبك" وعهد إليه بتعميرها، وواصل أزبك مهمته في عهد الظاهر جقمق حيث تولى عدة وظائف أنفق من خلالها على تعمير المنطقة وأسس مسجداً عرف باسمه، فاكتسبت المنطقة كلها اسم المملوك وأصبحت "الأزبكية" وأقام بها حديقة كبيرة واحتفظت حديقة الأزبكية في وسطها ببركة جميلة ردمها الخديوي إسماعيل وأنشأ على جزء منها دار الأوبرا المصرية.
ومن داخل سور الأزبكية يروي محمد عبدالصبور بائع كتب في سور الأزبكية حكايته مع بيع الكتب ويؤكد أنه يعمل في هذا المجال منذ أربعين سنة، وفي الماضي كان البيع يتم في شارع حمدي سيف النصر أمام الأوبرا وفي ميدان العتبة وشارع الجمهورية، وكان ذلك في أكشاك خشبية وكانت أسعار الكتب تتراوح ما بين التعريفة والقرش والقرشين، ولكن بعد أن تم عمل كوبري الأزهر انتقلت إلى شارع 26 يوليو، وبعد ذلك انتقلنا إلى جوار مستشفى الأزهر الجامعي في الحسين، واستمر الحال هكذا لمدة سبع سنوات، ولكن بعد أن تم حفر نفق الأزهر رجعنا مرة أخرى إلى العتبة.
ويؤكد فتحي عبدالرحمن (صاحب مكتبة) أن جميع أنواع الكتب القديمة تباع هنا لطلبة المدارس والجامعات والجمهور وبأسعار رمزية، فالكتاب الذي يباع بـ 20 جنيها نجده يباع لدينا في السور بـ 3 جنيهات. وعن حركة البيع في سور الأزبكية يقول إن الظروف الاقتصادية الصعبة أثرت على حركة الشراء في السور فالزبون الأول لسور الأزبكية هم الفقراء وأصحاب الدخول الضعيفة الذين لا يستطيعون شراء الكتب من الخارج ونحن نحصل على الكتب إما من الجماهير، ويكون ذلك إما عن طريق شرائها أو مبادلتها بكتب أخرى يختارونها أو من تصفيات المكتبات التي نشتريها .
الأدب الرومانسي

 

حكاية مع بيع الكتب
عشرات المكتبات المتناثرة في كافة عواصم العالم والمدن

أما  جمال عبدالرحمن (صاحب مكتبة في سور الأزبكية) فيؤكد على عشقه للكتاب منذ سن صغيرة وأنه لم ينقطع عن القراءة سواء بالعربية أو الإيطالية التي يجيدها إجادة تامة، وأنه من خلال سفره لكثير من بلدان العالم وجد أنه يوجد عشرات المكتبات المتناثرة في كافة عواصم العالم والمدن التي تضم المؤلفات الخاصة بالكثير من المؤلفين العرب.
وعن تفضيلات القراءة لدى الناس، فيرى البائع أن الناس عادة تقبل على شراء مؤلفات أدباء مصر أمثال الحكيم والعقاد وطه حسين ونجيب محفوظ ويوسف السباعي، ويقبل المثقفون عامة على الأدب الروسي لجودة أسلوبه وواقعيته، وإن كان الأدب الأميركي بدأ يتربع على عرش الأدب في السنوات الأخيرة، وهناك أيضاً مطبوعات الهيئة المصرية العامة للكتاب، ومطبوعات مكتبة الأسرة، والتي تحظى باهتمام شديد من القراء، وهناك أيضاً دواوين الشعر للشعراء العرب والمصريين ابتداءً من العصر الجاهلي مروراً بالعصر الأموي والعباسي إلى العصر الحديث، وبذلك نجد أن المترددين على هذا المكان يختلفون من حيث المرحلة السنية ويختلفون أيضاً من حيث المحصلة الثقافية والعلمية؛ فسور الأزبكية يعتبر سوق الصغار ومتوسطي وكبار المثقفين، ويعتبر كبار المثقفين هم أكثر المترددين على سور الأزبكية، ويأتي بعد ذلك الطلبة والطالبات الذين يبحثون عن بعض المصادر لأبحاثهم والقواميس والمعاجم.
ويؤكد  جمال فتحي (صاحب إحدى المكتبات) أن أسعار الكتب تختلف من مكتبة إلى أخرى، ”فأنا مثلا  لدي أغلى كتاب وهو مجموعة ألف ليلة وليلة، وهي عبارة عن أربعة مجلدات من تصحيح محمد قطة العدوي".
التراث والفقه
أما أحمد هشام (يعمل في إحدى المكتبات بسور الأزبكية) فيقول: إن أكثر ما يميز سور الأزبكية هو التخصص، فلكل مكتبة تخصص معين مثل كتب التراث والقديمة الدينية في الفقة والحديث والقرآن، وهناك مكتبات متخصصة في الكتب العلمية والطبية والهندسية والكتب الجامعية، وهناك من تخصص في الأدب.
وعن تردد الشخصيات المشهورة على سور الأزبكية يقول هاشم: إن الكثير من الكتاب القدامى ترددوا على هذا المكان أمثال نجيب محفوظ وهناك أيضاً الرئيس الراحل أنور السادات الذي ذكر في كتابه "البحث عن الذات" تردده على سور الأزبكية، وهناك أيضاً الكثير من الصحفيين وأساتذة الجامعات ورجال القضاء.
سور الأزبكية
يقول الكاتب محمود قاسم: إذا كان لدي مشروع لكتاب جديد، فإنني أذهب إلى السور خاصة في معرض الكتاب للبحث عن كل ما هو مادة تخدمني في بحثي مثل كتابي عن "الأدب العربي المكتوب بالفرنسية"، وكتاب "أفلام وأقلام" حيث احتجت إلى أكثر من ثلاثمائة رواية عالمية مثلا تحولت الى أفلام مصرية .
ويضيف قاسم: أنا ابن الإسكندرية، ابن سوق العطارين في الإسكندرية، إنه المكان المتسع الذي كان بمثابة سوق التوزيع لباعة الروبايكيا في الإسكندرية في أوائل الستينيات، في تلك الفترة شهدت المدينة ظاهرة رحيل الأجانب الى بلادهم. كانت قد ازدادت في الخمسينيات عقب أن طرد عبدالناصر اليهود من مصر، ويهود مصر كانو الأكثر ثقافة،  وامتلأت محلات الكتب القديمة بمكتبات تركها اليهود عقب رحيلهم، وأيضا أبناء الجالية اليونانية، وهكذا حصلنا على أهم الكتب بمبالغ زهيدة جدا خاصة باللغة الفرنسية. وكان ذلك دافعا أن أتعلم اللغة الفرنسية بمجهودي الشخصي، اذ لا يمكن أن امتلك كل هذه الكنوز دون أن أقرأها، وهذه الكتب مازالت موجودة عندي دون تفريط في شقتي القديمة بالإسكندرية. (وكالة الصحافة العربية)