سياسة السعودية.. المتعقلة تجاه إيران

في حال تجاهل العالم الميليشيات التي تؤسِّسها إيران في المنطقة وعدم وضعها على قائمة التنظيمات الاٍرهابية وَمِن ثَمَّ التعامل معها عسكريًا وَفقًا لذلك، فقد تتخلى الرياض عن بعض سياساتها ومبادئها السابقة.

بقلم: محمد بن صقر السلمي

شكّل العمل الإرهابي ضد معمليْن تابعين لشركة أرامكو في منطقتيْ بقيق وخريص شرق المملكة العربية السعودية منعطفًا خطيرًا للغاية في توترات المنطقة والخطوات التصعيدية المتواصلة من الجانب الإيراني ضد دول المنطقة العربية والسعودية على وجه الخصوص.

فقد أدت العملية الإرهابية التي تبنتها ميليشيات الحوثي في اليمن، والتي نفى التحالف العربي فيما بعد انطلاق تلك الطائرات أو الصواريخ من الأراضي اليمنية بل وَأكد أنَّ الفحص الأولي للأسلحة المستخدمة تدل على أنها إيرانية، أدت إلى خسارة سوق الطاقة العالمي قرابة 5% من النِّفط وعليه ارتفعت أسعار النِّفط في اليوم التالي للعملية بنسبة 20% إلّا أنَّ الأسعار سرعان ما تراجعت في اليوم التالي بعد التطمينات التي قدمها وزير الطاقة السعودية بتمكّن السعودية سريعًا من تعويض النقص عبر احتياطاتها ثُمَّ إصلاح أجزاءٍ من الضرر الذي لحق ببعض منشآتها.

توالت ردود الفعل العالمية على العملية إذ هناك استنكارٌ دوليٌّ واسعٌ وتضامنٌ مع السعودية وهناك من اقترح ضرورة القيام بخطواتٍ رادعة ضد طهران غير أنّ بعض الدول مثل الصين وروسيا أحجمت عن إلقاء اللوم على طهران حتى تقديم أدلة ملموسة تُثبت ضلوعها في العمليات الإرهابية.

من المهم تجنّب انفعالات اللحظة وردود الفعل العجولة والمتسرعة، إذ يحتاج الأمر إلى تفكيرٍ عميقٍ وإستراتيجيٍّ يتجاوز العملية ليدرس الإشكالية السياسيّة والأيديولوجيّة عند مؤسَّسة صنع القرار في طهران، فالعملية الإرهابية بحد ذاتها -ورغم خطورتها-لا تعدو كونها نموذجًا متقدمًا من سياسةٍ قائمةٍ لعقود. لذا فإنَّ المعالجة يجب أنْ تكون أكثر عمقًا وَمِن هنا تأتي المسؤولية الملقاة على عاتق المجتمع الدولي المحب للسلام والاستقرار وتجنب الحروب. وإذا كان هذا كله ليس دافعًا أساسيًا فعلى العالم المستهلِك للطاقة القادمة من منطقة الشرق الأوسط أنْ يُسهم في التقليل مِن الخسائر التي سيتحملها جراء ارتفاع أسعار النِّفط وهي أيضًا مرشحة للمزيد من الصعود، وهذا الواقع يحدث والعالم على مشارف ركودٍ اقتصاديٍّ كبير، فكيف ستكون الخسائر الاقتصادية لذلك إذا ما أُضيف إليها عامل ارتفاع أسعار الطاقة؟

لكن ما الذي ينبغي فعله سعوديًا إنْ لمْ يتحرك العالم لحماية مصالحه الاقتصادية، وليس حماية السعودية، الآن تنعكس تقلبات النِّفط سلبًا أو إيجابًا على العالم بأسره. فالسعودية لديها خياراتٌ كثيرة لكن يبقى اتخاذ القرار في اللجوء لأيٍّ منها مجهولًا بالنسبة لي شخصيًا.

فعلى سبيل المثال، يمكن للسعودية أنْ تقدم الأدلة للأمم المتحدة ومجلس الأمن واستخراج مشروعٍ أمميٍ يدين إيران ويحملها كافة التبعات لذلك. ثانيًا، إذا ثبت أنَّ الطائرات المسيرة والصواريخ انطلقت من الأراضي الإيرانية فستملك السعودية المشروعية الدولية الكاملة التي يضمنها لها القانون الدوليّ لاتخاذ خطواتٍ للدفاع عن النفس من خلال استهداف المواقع الإيرانية الإستراتيجية. ثالثًا، وعلى المستوى الإستراتيجي متوسط المدى، وفي حال تجاهل العالم الميليشيات التي تؤسِّسها إيران في المنطقة وعدم وضعها على قائمة التنظيمات الاٍرهابية وَمِن ثَمَّ التعامل معها عسكريًا وَفقًا لذلك، فقد تتخلى الرياض عن بعض سياساتها ومبادئها السابقة، وهنا لنْ أدخل في التفاصيل مطلقًا لكنني ألفت النظر إلى أنَّ خيارات السعودية حاليًا، إنْ لمْ يتحرك العالم للتصدي لإيران، ستكون مختلفة تمامًا وربما مفاجئة للكثيرين. يقول الأمير محمد بن سلمان خلال المقابلة التلفزيونية التي بثتها قناة «سي بي إس» الأمريكية عبر برنامجها الشهير «ستون دقيقة»: «إنَّ الهجوم على منشآتنا النَّفطية هو عملٌ من أعمال الحرب من طرف إيران». وأضاف: «إذا لمْ يتّخِذ العالم موقفًا لكبح إيران سنرى المزيد من التصعيد».

ومع سرد هذه الخيارات التي تمتلكها الرياض، يبقى اتخاذ القرار سعوديًا متعقلًا ومتأنيًا وبعيدًا تمامًا عن الردود الناجمة عن حالات الغضب، كما أنَّ السعودية تؤمن كثيرًا باحترام المعاهدات والمواثيق الدولية بخلاف إيران وضرورة تجنب الصراعات والحروب المدمرة في المنطقة.

وَمع هذا لا ينبغي أنْ يدفع العالم، بتجاهله للعربدة الإيرانية ضد المصالح السعودية، يدفع الرياض للذهاب بعيدًا في خياراتها للرد على الاعتداءات الإيرانية المتكررة على مصالحها وتهديد أمنها واستقرارها.

تُشر في المعهد الدولي للدراسات الإيرانية