سيريلانكا والعالم.. في مواجهة الكراهية

جماعة إسلامية متطرفة غير معروفة بعد على نطاق واسع هي المسؤولة عن العمليات الإرهابية وربما تلقت تعاوناً ومساعدات من جماعات ومتطرفين من خارج سيريلانكا وتسمي هذه الجماعة نفسها جماعة التوحيد الوطنية الإسلامية بقيادة محمد زهران.

بقلم: إبراهيم غرايبة

استطاعت سيريلانكا أن تخرج من الحرب الأهلية التي دامت 26 عاماً، وأن تدخل في مرحلة من التقدم والتنمية حتى صارت دولة متقدمة على سلم التنمية الإنسانية، وتحصل على مرتبة عالمية مرتفعة، لكنها تعرضت مؤخراً لعمل إرهابي كبير أودى بحياة أكثر من ثلاثمائة إنسان وجرح أكثر من خمسمائة من المواطنين والزوار (ينتمون إلى ثماني دول) في عمليات تفجير استهدفت الكنائس المسيحية وبعض الفنادق على نحو يبدو موجهاً ضد المسيحيين. وبرغم أن الصراع التاريخي كان ذا طابع بوذي (سنهال) هندوسي (تاميل) لكن التاريخ الاقتصادي والثقافي والكولونيالي للجزيرة أنشأ تنوعاً أكثر تعقيداً، فالثقافة والأديان في سيريلانكا اليوم امتدت إلى المسيحية والإسلام.

تبدو الفكرة الأولية أن جماعة إسلامية متطرفة غير معروفة بعد على نطاق واسع هي المسؤولة عن العمليات الإرهابية، وربما تلقت تعاوناً ومساعدات من جماعات ومتطرفين من خارج سيريلانكا، وتسمي هذه الجماعة نفسها «جماعة التوحيد الوطنية الإسلامية» بقيادة محمد زهران، وكان قد نَشر عبر الإنترنت رسائل ُتحرض على الكراهية، وقد اعتقل على الأقل 24 شخصاً ينتمون إلى جماعات إسلامية متطرفة، وكانت الحكومة السيريلانكية كما أعلن في وسائل الإعلام، قد تلقت تحذيرات قبل عشرة أيام من العمليات الإرهابية باحتمال تنفيذ عمليات إرهابية ضد الكنائس في عيد الفصح، لكن يبدو واضحاً حتى اليوم أن العمليات كانت مباغتة، وأنه لم يكن ثمة استعدادات أمنية أو استخبارية لمواجهة مثل هذه الاحتمالات.

مؤكد أن الأجهزة الأمنية كانت تراقب جماعة «توحيد» لكن من المؤكد أيضاً أنها لم تكن تتوقع أن تقوم بعمليات إرهابية، وبالطبع فقد تكون العملية من تدبير جماعة أخرى، وربما تكون غير إسلامية! حتى تم إعلان «داعش» مسؤوليته، فقد جرت العادة أن الجماعات المتطرفة الإسلامية، خاصة «داعش»، تسارع إلى تبني عملياتها وتنشر على نطاق إعلامي واسع تصوراتها للعنف الذي تمارسه، لأنه من وجهة نظر الإرهابيين لا أهمية للعنف والتهديد إلا بالحالة التي ينشئها سياسياً وإعلامياً، لماذا تأخر «داعش» في إعلان مسؤوليته عن العملية؟ ولماذا يختار سيريلانكا لينتقم من عمليات وقعت نيوزيلندا؟ لماذا يُستهدف المسيحيون السيريلانكيون وهم أقلية مستضعفة؟ لماذا تخوض أقلية مسلمة حرباً ضد أقلية مسيحية؟

من المعلوم أن المسيحيين يتعرضون للكراهية والاضطهاد في آسيا من قبل جماعات ومؤسسات غير إسلامية، وفي تقرير نشر من قبل للفاتيكان ذكر أن حوالي 245 مليون مسيحي يتعرضون للاضطهاد، وأن مصادر الاضطهاد في آسيا في بعض الدول تعود بشكل رئيس إلى غير المسلمين.

ينتمي معظم الضحايا إلى سيريلانكا ولا يتجاوز الأجانب 10 في المائة منهم، وربما يجعل ذلك من رواية استهداف المسيحيين السيريلانكيين لأسباب قومية وثقافية فكرة واردة، وقد يكون معقولاً أيضاً أنها عمليات استدراج ومشاركة من قبل المتطرفين من خلفيات وأفكار مختلفة، وبرغم أن العمليات تبدو رداً على عمليات استهداف مسجدين في نيوزيلندا، والتي راح ضحيتها أكثر من خمسين مسلماً، فإن عملية نيوزيلندا تجعل من التطرف اليميني والقومي مسألة محتملة. وتظل فرضية أن تقوم جماعة إسلامية صغيرة لم يعرف عنها من قبل سوى القليل، مثل رسائل الكراهية والإساءة إلى تماثيل بوذا بعمليات كبرى وخطيرة تحتاج إلى اختبار مضاعف، لأن التلقائية في التحليل قد تكون مضللة.

يقول الباحث الهندي أراغون أبادوراي في كتابه «الخوف من الأعداد الصغيرة» إن العولمة تزيد من الغضب والخوف المتبادل بين «نحن» و«الآخر»، وتنشئ مصادر جديدة للعنف الجماعي، وشعوراً بأن الدولة – الأمة تتعرض للتهديد، وقد تشكلت بالفعل ظواهر جديدة من العنف والكراهية مصاحبة للعولمة، كما صعدت بقوة مشاعر الانتماء للهويات الفرعية والأقلوية، وبقدر صعود العولمة منذ عقد تسعينات القرن العشرين صعد العنف أيضاً، وشهدنا عمليات تطهير عرقي وعنف ديني قومي متبادل، وصعد اليمين المتطرف، وهيمن على الانتخابات في دول كثيرة، واستهدفت الأقليات الإثنية والدينية والقومية بالعنف والكراهية، وبما أن الظاهرة حديثة نسبياً فسوف يظل فهمنا تعوزه المعرفة والأحداث الكافية، وكما يقول هيجل فإن منيرفا «بومة الحكمة» لا ُتحلق إلا في الغسق، أي بعد انقضاء الأحداث.

سيكون طبيعياً ومتوقعاً أن تجري عمليات تحقيق واسعة في سيريلانكا وفي كل مكان يجري فيه العنف، لكن الأمم الأكثر وعياً وتقدماً بدأت تنشئ عمليات واسعة طويلة الأمد لتكريس التسامح ورفض الكراهية، وقبول التعددية والتنوع الديني والثقافي، بل وتحويل هذه القيم إلى موارد للتماسك الاجتماعي وبناء الثقة العالمية واجتذاب السياح والمستثمرين، وليس لدينا سوى ذلك من خيار.

نُشر في الاتحاد الإماراتية