سُنّة بيروت.. مشاركون في قتل الامام الحسين!

في ذكرى مقتل الحسين يشعر كل بيروتي سني أنه مشارك في قتل الحُسين فكيفما تلفت يقرأ ويسمع ويشاهد هذا الاسقاط ضده وإلا فلِمَ المبالغة في هذه الصور المستنفرة للمشاعر الإنسانية التي توجه ضد كل بيروتي؟! تكاد بقية أشهر السنة تمر من دون هذه العصبيات التي يبرزها أناس عاديون لا يبدو لمعظمهم أي صلة بسيرة الامام الشخصية والانسانية والايمانية والاخلاقية.

بقلم: حسن صبرا

ليس في العنوان أي تساؤل او افتراض بل هو تجسيد لما هو حاصل في بيروت قبل وخلال وبعد عاشوراء، وخلال فترة لا تقل عن أربعين يوماً من كل عام، فإن من يجول في الشطر الغربي من بيروت، خلالها يجد العنوان في موضعه، فالرايات السود والقمصان السود والعبارات التي تضج بالتهم، والعبارات المتفجرة التي تصدح بها مكبرات الصوت، والحواجز الثابتة في كل زاروب في بيروتي ومفترق كل شارع، وتفتيش حقائب النساء عند مداخل مباني سكنهن من جيرانهن في المبنى او الحي، بحثاً عن متفجرات قد تستخدمها جارة بيروتية ضد احتفال في الحي بمناسبة ذكرى مقتل الامام الحسين (اسمحوا لنا ان نسجل مرة اخرى ان كلمة شهيد تعني الشاهد: ان الله على كل شيء شهيد، والله يصف الكلمة بعليائه: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتاً بل احياء عند ربهم يرزقون. قال جل جلاله ومن يقتل ولم يقل من يستشهد، انها لغة القرآن، لغة العرب تعلموها قبل ان تطلقوا الأوصاف والتزموا بما يقول رب العالمين).

في ذكرى مقتل الحسين يشعر كل بيروتي سني انه مشارك في هذه الجريمة، فكيفما تلفت يقرأ ويسمع ويشاهد هذا الاسقاط ضده، وإلا فلِمَ المبالغة في هذه الصور المستنفرة للمشاعر الانسانية التي توجه ضد كل بيروتي؟ تكاد بقية أشهر السنة تمر من دون هذه العصبيات التي يبرزها أناس عاديون لا يبدو لمعظمهم أي صلة بسيرة الامام الشخصية والانسانية والايمانية والاخلاقية.

انهم يفعلون السبعة وذمتها طيلة أشهر السنة، فيأتون الى ذكرى الحسين وينقلبون لأيام معدودات الى (قديسين) في نظرهم في حب الحسين، وهم أحرار في ان يفعلوا ما يشاؤون تعبيراً عن هذا الحب، إلا ان يسيئوا اليه في سلوكياتهم وفي استفزاز واتهام وكراهية الآخرين، خصوصاً اذا كانوا من سنة بيروت حيث المدينة التي فتحت أبوابها للجميع، سكنوا في مبانيها ودرسوا في مدارسها، تعلموا من ثقافتها، عولجوا في مستشفياتها، شربوا ماءها وأكلوا من خيرها، وكانوا بيارتة كما كل سكانها السنة والشيعة والدروز والارثوذكس والموارنة.

نحن لا نتهم أحداً بعينه، بل هي الثقافة التي لا تعطي أي اهتمام للوحدة الاسلامية، او الوحدة الوطنية، بل نحن لا نبالغ اذا قلنا انها ثقافة وأد الوحدة الاسلامية التي ما كان أطرافها يوماً على هذا الدرك من الخلاف واستحضار الماضي ومحاولة تسييده لقلبه من جهة الى أخرى تحت عناوين الظلم والاستبعاد وكتابة التاريخ من وجهة نظر المنتصر كما هي أحوال البشرية منذ بدء الخليقة.

نحن لا نتهم أحداً بعينه. لكننا نريد ان نسجل واقعتين حقيقيتين تحملان في دلالاتهما ما يستحق تذكرهما لفهم ما يحصل هذه الأيام:

  • الأولى: مطلع القرن العشرين أصدر المرجع الشيعي الاعلى السيد محسن الأمين اللبناني الذي عاش ومات في دمشق في حي يحمل اسمه حتى الآن، فتوى بمنع التطبير في عاشوراء، أي الضرب على الرأس بآلة حادة حتى انزال الدم واغراق الرأس والوجه به قائلاً في فتواه ان هذا العمل هو ضد أخلاق وسيرة وعبرة الامام الحسين الذي قتل مظلوماً.
  • ثار ضده الرعاع واستغلها خصومه للاسقاط ضده، وكتب بعضهم شعراً مبتذلاً وهاجموه، بعضهم كفّرة (وهم لا يعرفون معنى كلمة كفر في القرآن الكريم) وبعضهم أخرجه من التشيع او من الدين كله، لم يتراجع السيد الأمين وثبت فتواه في كل عصر وجيل حتى الآن.
  • الثانية: هي الفتوى التي أصدرها المرشد الايراني السيد علي خامنئي عام 1997 وأيضاً ضد التطبير، وما نامت ايران بعد صدور فتوى تعتبر ملزمة لأنها وفق الدستور الايراني وثقافة التشيع في ايران، صادرة عن امام معصوم يملك صلاحيات إلهية وفق فتوى أصدرها مؤسس الجمهورية الاسلامية في ايران آية الله الخميني، بأن الحكومة التي (كان) يرأسها السيد علي خامنئي كرئيس للجمهورية تملك صلاحيات إلهية، فإذا اعترض مسجد طريقاً فإن من حق هذه الحكومة هدم المسجد لإكمال الطريق.

ماذا حصل؟

ثارت المرجعيات الدينية في قم، وأصدر سادتها بيانات ضد هذه الفتوى، وعمت التظاهرات طول ايران وعرضها وتجمع كثيرون في المراكز الدينية والمساجد والحسينيات وخرجوا بمسيرات ليلية.. وما نامت ايران الى ان تراجع السيد خامنئي عن فتواه، وما يزال.

هذه الثقافة التي ثارت ضد فتوى المرجع الكبير السيد محسن الأمين، وضد المرشد السيد علي خامنئي.. وما زالت سائدة حتى الآن، في كل مكان.. لكنها في بيروت تشكل حالة خاصة لعدة أسباب:

  1.  انها حالة احتقان واستفزاز ومزايدات وسلوكيات موجهة تحديداً ضد السنة في بيروت.
  2. ان رفض فتوى الأمين وخامنئي في دمشق وكل ايران، هو رفض شيعي لفتوى شيعية.
  3.  ان ما يجري في بيروت، لا يجري مثله ابداً في أي قرية شيعية او مدينة شيعية في لبنان، حيث الاحتفال فيها يتم من دون استفزاز مباشر للناس، بينما يتصاعد الاستفزاز في العاصمة بيروت التي كانت معقلاً سنياً بكل معنى الكلمة وباتت الكلمة العليا فيها لغير السنة لعوامل عدة يعرف مضمونها الجميع، وأولهم أهل السنة وزعماؤهم المفترضون (ولا نزيد).
  4.  اعتادت بيروت ان تشهد في عدد من بيوتاتها احتفالات حضارية أبرزها في دار الرئيس تقي الدين الصلح (زوجته فدوى البرازي من بيوتات حمص المعروفة).(والمركز الاسلامي في بيروت كان يقيم احتفالات في ذكرى عاشوراء). عائلات عديدة  من بيروت كانت تزور مقام السيدة زينب في دمشق في ذكرى مقتل الامام الحسين.

ما هو المطلوب

الجميع يعلم ان أهل السنة والجماعة في عموم الوطن العربي والعالم الاسلامي يقدرون عالياً مكانة الامام علي في الاسلام، وهم يرددون دائماً عبارة شهيرة عن الفاروق عمر بن الخطاب: لولا علي لهلك عمر. ويعتبرون الامام الحسين شهيداً (مرة اخرى كلمة شهيد هي في غير محلها، كما أوردنا قبل ذلك يقدرون الامام علي).

والامام الحسين بن علي بن ابي طالب.. مثلما يقدرون الخلفاء الثلاثة ابو بكر وعمر وعثمان.. وفي جميع مساجد السنة ترفع أسماء ابو بكر وعمر وعثمان وعلي بعد كلمتي الله ومحمد.

 "واسمحوا لنا هنا ان نعترض بشدة على وضع اسماء بشر هم النبي العظيم محمد والخلفاء الراشدون في مسجد، والله يقول في كتابه الكريم انما المساجد لله.. ولا يجوز وضع اسماء بشر أياً كانت قيمتهم سامية مع اسم الله خالق الكون وخالق هؤلاء البشر جميعاً".

والجميع يعلم ان قيادات شيعية راقية ومسموعة الكلمة وذات قرارات حاسمة وقوية تقدر الصحابة ومكانتهم في الدين وتمنع شتمهم او التعرض لأي منهم وكذلك يمنع التعرض لزوجة الرسول العربي عائشة ابنة ابي بكر.

ونخص من هذه القيادات، المرشد السيد علي خامنئي والسيد حسن نصرالله والرئيس نبيه بري وبناء عليه فإننا نرجو، خصوصاً الرئيس بري والسيد نصرالله بذل جهد أكبر لضبط محتفلي عاشوراء، خصوصاً في بيروت وبعض قراء العزاء مجبولون نفسياً بالعداء للسنة، ويستفحل عداؤهم في احتفالات عاشوراء، وبعضهم يزايد ويبالغ في الاساءة لأهل السنة، عموماً وفي بيروت خصوصاً، في محاولة لكسب مشاعر الناس الجياشة في هذه المناسبة.. وطبعاً كسب المال قبل كل شيء فكلما كان القارىء بكاءً كان أجره المادي أعلى!

ونحن لا ننسى كلام الامام محمد مهدي شمس الدين ضد بعض قراء العزاء، وكيف جيّش هذا البعض أحقاداً وكراهية ضد الامام الكبير شمس الدين وهو كلام العقل والمنطق والوحدة الاسلامية الحقيقية.

ولا يشك أحد للحظة في ثقافة الوحدة الاسلامية عند الرئيس بري والسيد حسن نصرالله، وكل ما نرجوه منهما ان يضعا حداً للمزايدات التي تسيطر على كثير من جمهورهما الواسع في هذه المناسبة، لكأن البعض في قاعدة حزب الله وحركة ((أمل))، خصوصاً يريد اظهار حبه للحسين بأكثر مما يحبه الآخر ويقع الخطأ وبل الخطيئة على رؤوس وحساب أهل السنة في بيروت.

 مجلة "الشراع" التي تعتبر الوحدة الاسلامية بعد الوحدة العربية في قدس أقداسها.. وتعيش بيروت حباً وعشقاً وانتماءً وولاءً تحرص على وحدة أهاليها سنة وشيعة ومسيحيين ومشاعرهم ولا ترتضي خللاً في طبيعة هذه العلاقة كأبناء دين واحد هو الاسلام، خصوصاً وهي تقرأ أن حدث التاريخ الجلل في مأساة قتل الامام الحسين مظلوماً هو ابن الصراع في حينه أي منذ 1400 سنة، واذا كان من المفيد قراءة درس تضحية الحسين ومظلوميته، فلكي نستخلص عبره مقاومة الظلم ضد كل ظالم، خصوصاً اذا كان فاسداً مستبداً، أياً تكن ديانته وأياً كان مذهبه.. فما هو الظلم الذي ألحقه ابناء بيروت السنة بالامام الحسين حتى يتهموا بأنهم مشاركون في قتله، ولماذا تستفحل مظاهر العداء للسنة في بيروت في ذكرى مقتل الامام الحسين؟

لقد ارتأينا عبر الوثائق وعبر الاتصالات الشخصية مع أصدقاء "الشراع" ان ننشر ملخصاً صغيراً جداً من أسماء الرجال الذين يحملون اسماء الائمة علي بن ابي طالب والحسن بن علي بن ابي طالب والحسين بن علي بن ابي طالب.. في اشارة ذات مغزى الى ان أي اسقاط ضد سنة بيروت في هذه المناسبة هو ظلم يقدم عليه من يحتفلون بهذه الطريقة المستفزة من أهل الدين الواحد والوطن الواحد والعروبة الواحدة والانسانية الواحدة.. وإليكم بعض من اسماء ابناء بيروت حباً بآل بيت رسول الله.

مجلة الشراع البيروتية