"شاحنات الموت" فاجعة جديدة تهز الرأي العام في تونس

إضراب عام في محافظة سيدي بوزيد التونسية احتجاجا على وفاة 12مواطنا أغلبهم عاملات ريفيات يتم استغلالهن ونقلهن إلى العمل في ضيعات فلاحية في ظروف غير آمنة.
الحوادث أودت بحياة أكثر من 40 عاملة و 492 جريحة خلال السنوات الأربع الأخيرة
البيروقراطية والإفلات من العقاب يحولان دوم تفعيل القرارات
الوزارات المعنية تفشل في وقف الممارسات غير القانونية رغم التحذيرات المتواصلة
نقل العاملات في القطاع الفلاحي يتم في ظروف غير إنسانية

تونس - نفذت محافظة سيدي بوزيد التونسية اليوم الاثنين إضرابا عاما تضامنا مع عائلات ضحايا حادث مروري مأساوي أسفر عن وفاة 12 شخصا أغلبهم عاملات بالقطاع الفلاحي في المناطق الريفية بالجهة.

وتوفي العمال ومن بينهم سبع نساء، وأصيب حوالي 20 آخرين بجروح، في حادث تصادم بين شاحنتي نقل خفيفتين جد السبت، ما فجر مشاعر من الغضب والحزن في تونس كون الحادث ليس الأول من نوعه لكنه تسبب في حصيلة كارثية هذه المرة.

وكان فرع الاتحاد التونسي لشغل (أكبر نقابة عمالية) في سيدي بوزيد دعا إلى الإضراب العام الاثنين حدادا على أرواح الضحايا الذين شيع جثمانهم الأحد في جنازات جماعية متزامنة.

وتأتي الحادثة بعد فاجعة وفاة 14 رضيعا في مستشفى حكومي بتونس العاصمة أوائل شهر مارس/آذار الماضي، والتي هزت الرأي العام.
وأغلقت اليوم الاثنين المؤسسات العمومية والمدارس أبوابها في مدينة سيدي بوزيد كما تعطلت الخدمات الإدارية فيما خلت الشوارع من حركة النقل العام.

وتجمع سكان محافظة سيدي بوزيد أمام مقر الاتحاد في الجهة للتظاهر احتجاجا على الحادث المأساوي.

وكان الاتحاد قد دعا الأهالي والمجتمع المدني للمشاركة في مسيرة شعبية الاثنين وتنظيم وقفة احتجاجية في خيمة العزاء بساحة الشهيد محمد البوعزيزي الذي فجر موجة الاحتجاجات قبل الاطاحة بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

كما دعت نقابة الفلاحة التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل منتسبيها إلى تنفيذ وقفات احتجاجية في كافة أنحاء البلاد ورفع شعار "لا لشاحنات الموت".

وتأتي الفاجعة ضمن سلسلة من حوادث المرور المشابهة لنقل العمال في المناطق الريفية وأغلبهم عاملات يقدر عددهن إجمالا بنحو نصف مليون عاملة معظمهن يعانين من أوضاع اجتماعية هشة.

ويحتج اتحاد الشغل ضد عدم تفعيل اتفاق سابق يقضي بتنظيم نقل عمال القطاع الفلاحي في ظروف آمنة.

ورغم المصادقة على اتفاقية تنظم نقل العمال في القطاع الفلاحي بين اتحاد الشغل ووزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن منذ 2016 إلا أن القرارات بقيت حبرا على ورق.

وتعليقا على الحادثة قالت وزيرة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن، نزيهة العبيدي إن الحكومة لا تتحمل مسؤولية الحادث ما أثار استنكارا وجدلا واسعا في البلاد.

وأضافت العبيدي في تصريح لوكالة أفريقيا للأنباء أن الأطراف الحكومية قد قامت بواجبها تجاه المرأة الريفية عبر وضع الخطط وتنفيذها، معتبرة أن النساء كانوا ضحية عدم مسؤولية سائق الشاحنة وتعمده خرق قوانين النقل الآمن وجعلهن عرضة للخطر عبر الطرق الهشة للنقل.
وذكرت الوزيرة أن الحكومة قد قامت سنة 2017 بإحداث خطة وطنية لفائدة المرأة الريفية بالتعاون مع كافة الوزارات المعنية، وتم رصد 54 مليار في الغرض، شملت تنظيم النقل بالوسط الريفي وضمان التغطية الاجتماعية لأكثر من 500 ألف امرأة، والاهتمام بالانقطاع المدرسي، وقد تم تقسيم الأدوار بين الهياكل المعنية.
وأضافت أن "الحكومة قد دعت منذ سبتمبر 2018 الولاة (المحافظين) إلى إسناد رخص لأصحاب النقل الريفي قصد تمكينهم من نقل العاملات في القطاع الفلاحي، إلا أن هذا المنشور لم يقع تطبيقه إلى حد الآن".
ورغم التحذيرات والنداءات المتواصلة التي أطلقتها العديد من الجمعيات نشطاء في المجتمع المدني لتحسين ظروف العاملات في القطاع الفلاحي وتأمين نقل يضمن حقوقهن، إلا أن التجاهل وعدم تنفيذ عدد من القرارات الصادرة من الوزارات المعنية استمر دون رقابة.

وحمل التونسيون على مواقع التواصل الاجتماعي الحكومة مسؤولية الحادث، وانتقد ناشطون على فيسبوك ظروف نقل العاملات و"تكديسهن في شاحنات متهالكة كالمواشي".

واستخدم تونسيون على تويتر وفيسبوك وشاح المرأة الريفية الذي تزينه الأزهار الملونة للتعبير عن مساندتهم للعاملات في القطاع الفلاحي.

وحسب منتدى الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية في تونس فإن حوادث العاملات في القطاع الفلاحي أودت بحياة أكثر من 40 عاملة و 492 جريحة خلال السنوات الأربع الأخيرة نتيجة ظروف النقل غير الإنسانية .

وقال المنتدى في بيان أن الحادث المأساوي "يثبت مرة أخرى غياب العزيمة الصادقة والبرنامج الجدي لحماية الشغالّين في القطاعات الاقتصادية الأساسية، محملا الحكومة "تراجع الخدمات العمومية في قطاعات عديدة نتيجة سياسات اقتصادية واجتماعية فاشلة".

ولا يزال الانتداب في العمل الفلاحي بالمناطق الريفية خارج الإطار القانوني الرسمي للدولة، حيث يتواصل العمل بطرق تقليدية ودون أي عقد يضبط التزام بين المؤجر والمرأة العاملة في القطاع الفلاحي.

وحسب دراسة قامت بها جمعيات تونسية مدافعة عن حقوق الإنسان في تونس شملت 996 امرأة عاملة في القطاع الفلاحي بسيدي بوزيد، فإن العمل الفلاحي في المحافظة لا يزال يمثل انتهاكا واضحا لحق المرأة خاصة في المساواة في الأجور بينها وبين العمال الرجال، علاوة على عدم حصول العاملين في القطاع الفلاحي على تغطية اجتماعية.

وكشفت الدراسة التي امتدت بين ديسمبر 2015 ويناير 2016، إن 36.1 بالمئة من العاملات يمارسن عمل يمثل خطورة على الصحة كما يتم نقلهن إلى أماكن العمل في ظروف غير إنسانية وغير آمنة.

وتعددت المبادرات من المجتمع المدني وعدد من الجمعيات لوضع حد للظروف المأساوية التي تعمل فيها النساء في القطاع الفلاحي في الريف التونسي، إلا أن البيروقراطية وانتشار الفساد وإفلات عدد من المحتكرين في الميدان الفلاحي من العقاب، حالت دون تطبيق القانون وتفعيل العديد من القرارات.

ومنذ شهر تم إطلاق تطبيق تحت اسم "احميني" يرمي إلى تمكين النساء المنتميات للوسط الريفي والعاملات في القطاع الفلاحي من الاندماج في نظام التغطية الاجتماعية.

ويسمح التطبيق من الخلاص الالكتروني عبر الهاتف الجوال للمساهمات الاجتماعية للنساء الريفيات بما يسهل انخراط هذه الفئة في نظام التغطية الاجتماعية وتقريب الخدمات وتجنّب أعباء التنقل.

ويعتمد القطاع الفلاحي في تونس أساسا على اليد العاملة النسائية بنسبة كبيرة، حيث تمثل النساء في المناطق الريفية ثلث مجموع النساء التونسيات أي بنسبة 32.4 بالمئة. ويستوعب القطاع حوالي نصف مليون امرأة أي ما يقدر حوالي 43 بالمئة من النساء الناشطات في الوسط الريفي.

وتعد سيدي بوزيد من أكثر المحافظات التونسية التي تطالب بالتنمية منذ سنوات، نظرا للتهميش الذي تعاني منه المنطقة الواقعة في الوسط الغربي لتونس رغم احتلالها المراكز الزراعية الرئيسية من البلاد.

وبعد ثورة يناير 2011 التي انطلقت شرارتها من سيدي بوزيد ووصل صداها إلى مدن العالم العربي، شهدت المحافظة بعض المشاريع التنموية الصغيرة، لكن الوعود بالتشغيل التي تلقاها الشباب العاطل عن العمل من الحكومات المتعاقبة لم ترتقي إلى طموحاتهم و"مطالب ثورتهم"، حيث لاتزال سيدي بوزيد تعاني من التهميش وتفتقد للعديد من المشاريع التي توفر فرص عمل حقيقية للسكان.

وتجنبت تونس إلى حد بعيد الآثار العنيفة لانتفاضات "الربيع العربي" التي شدتها دول أخرى لا تزال تعاني من عدم الاستقرار. لكن التقدم الاقتصادي لم يكن على نفس مستوى ما تحقق على الصعيد السياسي. فنسبة البطالة تبلغ نحو 15 في المئة ارتفاعا من 12 في المئة في 2010.