شبح انهيار الليرة وشح الدولار يدفع باللبنانيين إلى الشارع

المخاوف من مراجعة سعر الصرف الثابت لليرة اللبنانية تزداد والمصارف تحد من بيع الدولار خشية تراجع احتياطي العملات الأجنبية.
تقلص تحويلات اللبنانيين في الخارج أثر على احتياطيات مصرف لبنان
اتهامات بعدم توفر الإرادة السياسية لوقف الفساد في البلاد
حزب الله يستخدم القطاع المصرفي اللبناني للخروج من ضائقة العقوبات
الدين العام في لبنان ثالث أعلى دين في العالم

بيروت  - خرج مئات اللبنانية في العاصمة بيروت وعدة مناطق لبنانية أخرى اليوم الأحد، إلى الشوارع للاحتجاج على الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشونها مطالبين بمحاسبة المسؤولين عن الفساد المستشري في البلاد في ظل دعوات الحكومة للتقشف.

وفي البداية، تجمع نحو 500 محتج يرفعون الأعلام اللبنانية وهم يهتفون "ثورة، ثورة" في ساحة الشهداء الواقعة وسط بيروت قبل أن يتوجهوا إلى البرلمان ومقر الحكومة.

وغلق محتجون عددا من الطرق الرئيسية في العاصمة وأشعل بعضهم النار في إطارات وصناديق للنفايات مع احتشاد المئات في وسط المدينة الأحد، احتجاجا على الفساد والأوضاع الاقتصادية المتدهورة والتي أدت إلى تراجع قيمة الليرة اللبنانية للمرة الأولى منذ ما يزيد على العقدين.

وأمام البرلمان هتف المحتجون "السرايا والمجلس، حرامية حرامية" و"الشعب يريد اسقاط النظام".

وشارك المتظاهرون الذين حملوا لافتات وأعلاما في مسيرة بطريق رئيسي مرددين هتافات مثل "تسقط الرأسمالية" و"ارحلوا" وذلك وسط تشديد أمني في المنطقة كما تجمع عدد آخر أمام مجلس النواب.

وقالت الوكالة الوطنية للإعلام إن محتجين تجمعوا أيضا في ثلاث مناطق أخرى على الأقل بينها طريق سريع رئيسي يؤدي إلى العاصمة السورية دمشق.

وجرت مناوشات محدودة أمام مقر الحكومة حين حاول متظاهرون تخطي حواجز تابعة لشرطة مكافحة الشغب، التي قام عناصرها بصدهم بالدروع وبالهراوات أحيانا.

وعبر المحتجون الذين بدأت الدعوة لمشاركتهم في التظاهرات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عن امتعاضهم إزاء الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعصف بالبلاد بشكل متزايد.

 وقالت إحدى المشاركات في المظاهرة (52 عام) وتعمل في إحدى المنظمات لوكالة الصحافة الفرنسية "إننا نعمل ليل نهار لنتمكن من تامين معيشتنا" مضيفة بغضب "لقد جوّعونا (...) وسرقونا، هذا يكفي"، رافضة الكشف عن هويتها.

وشهد الاقتصاد اللبناني خلال السنوات الأخيرة تراجعا حادا، مسجلا نموا بالكاد بلغ 0.2 بالمئة في عام 2018 ، بحسب صندوق النقد الدولي.

وأقر البرلمان في تموز/ يوليو ميزانية تقشفية لعام 2019 سعيا للحد من العجز العام.

وارتفع الدين العام في لبنان إلى 86 مليار دولار، أي أكثر من 150 بالمئة من إجمالي الناتج الداخلي، وهي ثالث أعلى نسبة في العالم بعد اليابان واليونان.

وأعلنت نقابة أصحاب المحروقات الخميس الماضي عن إضراب مفتوح منددة بعدم توفير المصارف ما يحتاجونه من الدولار للدفع للمورّدين والموزعين بسبب نقص احتياطي العملة الصعبة.

ولكن مالكي محطات الوقود أعلنوا الجمعة تعليق الإضراب بعدما توصلوا إلى اتفاق مع الحكومة يسمح لهم بالدفع للموزعين بالليرة اللبنانية.

وازدادت المخاوف في الأيام الأخيرة من احتمال مراجعة سعر الصرف الثابت لليرة اللبنانية الذي حدده مصرف لبنان منذ عقدين بـ1500 ليرة لبنانية للدولار الواحد.

وأوردت وسائل الإعلام أن المصارف ومكاتب الصرافة حدت من بيع الدولار خشية تراجع احتياطي العملات الأجنبية.

وبات من شبه المستحيل سحب مبالغ بالدولار من آلات الصرف الآلي.

يأتي ذلك في ظل تجاذبات سياسية وطائفية تخيم على أعمال الحكومة وأيضا الانعكاسات السلبية للحرب في سوريا، وخاصة مخاوف من اشتعال حرب جديدة مع إسرائيل بسبب التصعيد بينها وبين حزب الله في الآونة الأخيرة.

بالإضافة إلى ذلك ترمي العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة مؤخرا على قيادات وكيانات تابعة لحزب الله المدعوم من إيران، بضلالها على الوضع الاقتصادي في لبنان، حيث يحمل البعض مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في لبنان للجماعة الشيعية.

ورجحت مصادر لبنانية أن يكون الطرفان الأساسيات في سحب العملات النقدية من القطاع المصرفي اللبناني، النظام السوري وحليفه حزب الله.

وتقول نفس المصادر إن العقوبات الأميركية التي فرضتها واشنطن في الفترة الأخيرة على حزب الله ونظام بشار الأسد في سوريا، جعلت من لبنان حلا يمكن من خلاله تنفيس نظام إيران المالي المتضرر.  

وكان حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة قد التقى الاثنين الماضي مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب مارشال بيلينغسلي في بيروت.

وكان أهم محور تم مناقشته بين سلامة والمسؤول الأميركي متابعة العقوبات التي فرضتها واشنطن على مصرف "جمال ترست" المرتبط بحزب الله.

وشدد بيلينغسلي على المسؤولين اللبنانيين خلال الزيارة على أن "الولايات المتحدة ستعاقب أي فريق يقدم دعماً عينياً لحزب الله، سواء عبر الأسلحة أو المال أو أي وسائل مادية أخرى".

وكان سلامة نفى في بداية الأسبوع أن يكون لبنان يواجه أزمة بالدولار.

وقال إن "دولار متوافر بلبنان، والكلام الذي نراه في وسائل التواصل الاجتماعي وأحياناً الإعلام، مضخم وله أهدافه".

ويقول خبراء اقتصاديون إن تداول أزمة الدولار مؤخرا بلبنان زاد الذعر لدى المواطنين الذين بدؤوا منذ مدة تكديس العملة النقدية في منازلهم، ويمثل ذلك عاملا من عوامل شح السيولة في البنوك فعلا.

ويقول علي هاشم (33 عاما) الذي يزاول عدة أعمال بسيطة لكسب عيشه "إننا نعاني من مشكلة غلاء معيشة".

ويضيف الشاب الذي يضع كوفية على رأسه "الليرة تتراجع والمركزي لا يعترف بالموضوع" متابعا "ارفعوا الحد الأدنى للأجور".

وقالت محتجة "نزلنا لنطالب أن نعيش بكرامة ولنقول للنواب والوزراء ولكل الطبقة الحاكمة إنهم إذا ما بدهم يرجعوا يللي سرقوه على الأقل يوقفوا سرقة لنقدر نعيش".

وبعد فشل السلطات المتعاقبة بإجراء إصلاحات بنيوية في البلد الصغير الذي يعاني من الديون والفساد، تعهدت الحكومة العام الماضي أمام مؤتمر دولي استضافته باريس لمساعدة لبنان، بإجراء هذه الإصلاحات وتخفيض النفقات العامة مقابل حصولها على أكثر من 11 مليار دولار على شكل قروض وهبات، غير أنه لم يتم صرفها بعد.

 ويواجه لبنان المثقل بالديون متاعب مالية ناتجة عن تباطؤ في تدفقات رأس المال المطلوبة لتمويل الحكومة والاقتصاد الذي يعتمد على الاستيراد.

ومثل تقلص تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج ضغطا أيضا على احتياطيات مصرف لبنان (البنك المركزي) من العملات الأجنبية.

ويتهم اللبنانيون الحكومة بعدم الجدية في التعاطي مع الوضع بتجاهلها مصادر إيرادات كثيرة يمكن أن توفّر لخزينتها أموالا طائلة كمكافحة التهرب الضريبي وتفعيل الجباية وضبط الحدود ومنع التهريب"، لكن كل هذه الحلول تبقى حبر على ورق في ظل عدم توفر الإرادة السياسية.

ويأخذ اللبنانيون على القادة السياسيين عدم التطرق إلى هذه الملفات، متهمين إياهم بأنهم يفعلون ذلك لأنهم مستفيدون منها أو لأنهم يحصلون على عمولات من المخالفات والتهرب الضريبي.

ويعيش أكثر من ربع اللبنانيين، وفق البنك الدولي، في دائرة الفقر، بينما لا تتوفر فرص عمل لعشرات الآلاف الشبان.