شبــاب الـعــــراق.. في زمن الرصاص

سرقات هائلة مشرعنة حتى انكشف زيف الوعود من حياتها التي تزداد بؤساً فعارضت واحتجّت وتجمّعت بلا حزب يجمعها أو يوحدها بل فقدت ثقتها بالسياسيين وبالأحزاب وفقدت الثقة بمن يدّعون تمثيل الطوائف الدينية.

بقلم: مهند البراك

اندلعت انتفاضة شباب العراق الأبطال في الأول من تشرين أول من العام الجاري وسجّلت وتسجّل ملاحم لم تتصورها الكتل الحاكمة ولا السلطات الثلاث والأحزاب،

رغم تنبيه العديد من الكتّاب والمحللين الى أن إهمال الجماهير الشعبية وخاصة الكادحة منها سيؤدي الى انفلات الأوضاع كلّها بوجه السلطات الحاكمة، بعد ان وصل الألم والحرمان مداه، ولأن ليس لديها ما تخسره.

أشعل الانتفاضة شباب العراق من الأجيال الأقل من عمر 20 عاماً، ليعطوا درساً للجميع فيما يعانيه الشعب العراقي على كل المستويات، التي صار لا يحدّها مقال أو بحث، معاناة بسبب الفساد والارهاب والبطالة والفقر، التي تسببت بها الفئات الحاكمة التي تعكّزت وتستّرت فيها بملحمة الحسين الشهيد زوراً وبهتاناً، في محاولة لتغطية نهبها وسرقاتها الفلكية بنظام المحاصصة الذي حوّل البلاد إلى كانتونات شبه مستقلة لا تبالي بسحق ابنائها وفي مقدمتهم عنصرها الفاعل والأهم شبابها وشاباتها.

لم يدركوا لغبائهم سعة معرفة ومنطق شباب اليوم الذين رغم الفقر المدمّر، توفرّت لهم فرص الاطلاع على تجارب العالم وكيف تعيش الدول وشبابها وأية قوانين إنسانية تحكمها وكيف يتطور العالم وأين نحن وكيف تسيّرنا عقول وأساطير مئات السنين لا يعرف الى أين؟ وكيف دجّن الجهل أوساطاً وأوساط .

سواء عبر الانترنت وتطبيقاتها التي لا حصر لها والتي أصبحت من مقومات حياة اليوم حتى في اقصى مجاهيل العالم وصارت حقّاً من حقوق الإنسان، أوما شهدوه عبر موجات الهجرات المليونية وسط انواع الاهوال طالبين اللجوء، هرباً من الارهاب والحروب والعنصرية الدينية والمذهبية والاثنية، وعودة النسب الأكبر منهم الى دفء الوطن.

وما يلاحظه كثيرون، بأن أجيال ما بعد 2003 لم تغرق في كتب ونظريات، وإنما فتّحت اعينها على سقوط الدكتاتورية وعلى أنواع المعارك والحروب الارهابية والآلاف المؤلفة من الضحايا وأنواع اللافتات المبشّرة بغد افضل وبالرفاه، بل وصدّقت بالدستور وبالوعود الديمقراطية بداية وتحدّت الرافضين وتحدّت أنواع الصراعات العنيفة التي تجري من اجل منافع انانية ضيّقة وسرقات هائلة مشرعنة، حتى انكشف زيف الوعود من حياتها التي تزداد بؤساً، فعارضت واحتجّت وتجمّعت بلا حزب يجمعها أو يوحدها بل فقدت ثقتها بالسياسيين وبالأحزاب، وفقدت الثقة بمن يدّعون تمثيل الطوائف الدينية.

أجيال صدّقت بحق الاحتجاجات السلمية التي كفلها الدستور، إلاّ إنها فوجئت بالرصاص الحي يطلق عليها في واضحة النهار وواجهته مقدّمة مئات الضحايا في أعوام 2011، 2014، 2015.. حتى انفجرت انتفاضة شباب البصرة السلمية قبل عام، التي واجهت رصاص الحكومة بالحجارة وامتنعت العديد من وحدات القوات المسلحة الحكومية عن تنفيذ أوامر فتح النيران عليها، وغيّرت معادلة الحكم وكانت السبب في خسارة رئيس الوزراء السابق العبادي (وبشكل مشابه قبله المالكي)، رغم كونه القائد العام الرسمي للقوات المسلحة التي اسقطت (دولة داعش) الإرهابية الإجرامية.

وانتظروا نتائج انتخابات 2018 التي شارك فيها اقل من 40 % ممن يحق لهم التصويت حين ارتفع شعار (الإصلاح) وطغى على الدعايات الانتخابية التي رفعتها كلّ الكتل بما فيها الأكثر فساداً حتى ضاع معنى الإصلاح، انتظروا بلا طائل وعود المرجعيات بالمحاسبة ومن أين لك هذا؟ رغم مشاهدتهم التزوير ومحاولات التسييس وركوب الموجات وتجييرها واستمرارها.

في وقت لم تبالِ الحكومات المتعاقبة بإيجاد حلول لمشاكل الشعب الاساسية في الحياة، بالماء الصالح للشرب والكهرباء والصحة والعمل والتأهيل المهني، ورجال الدولة اللادولة في صراع بينهم على الغنائم، حتى افقدت الاوضاع استقلال البلاد، في ظروف يتكالب عليها أنواع الذئاب الاقليميين والدوليين وخاصة إيران وتركيا والولايات المتحدة وحلفائها، بعد أن وصلت نسبة ما تحت الفقر الى 30 % وفق البيانات الرسمية.

ويجمع أوسع عدداً من المراقبين على أن التظاهرات السلمية الجريئة منتهى الجرأة على حق وكل الحق، بشهادة الانضمام السريع لأوسع فئات الشباب اليها بشكل عفوي، سواء بالمشاركة الفعلية أو التأييد والنشر. لقد أطلق الشباب شجاعة القول والاحتجاج بعد أن يئست فئات عمرية أكبر سناً وفقدت شجاعتها امام هول العنف الذي واجهته علنا. أمام حكومات لم تقدم شيئاً لأجيال حاربت الإرهاب واسقطت (دولة داعش) الإجرامية، يوم هربت وحدات حكومة المالكي من الموصل وتسببت بمذبحة سبايكر!

نشر في المدى البغدادية