شجريان أب متمرّد للموسيقى الإيرانية يقاوم الترويض للرمق الأخير

المغني والملحّن الإيراني الراحل يعد رمزا وطنيا بخمسين عاما من العطاء الموسيقي الغزير وغالبا ما جمعته علاقة جدلية بسلطات بلاده،أكان خلال حكم الشاه، أو ما بعد قيام الجمهورية الإسلامية.
صوت شجريان بقي حاضرا مع الإيرانيين رغم منع بث موسيقاه عبر الإعلام الرسمي
منتصر لفكرة 'الهوية الفارسية للإيرانيين'
ترك إرثا زاخرا من الأعمال الموسيقية ومعه عدد من الآلات الوترية التجريبية

طهران - توفي المغني والملحّن الإيراني البارز محمد رضا شجريان، أهم وجوه الموسيقي التقليدية الإيرانية، عن 80 عاماً، على ما أعلن نجله همايون شجريان الخميس عبر "إنستغرام".

وكتب الابن تحت صفحة سوداء إن "الاستاذ" الذي كان يعاني السرطان منذ سنوات أدخل مستشفى جام في طهران قبل بضعة أيام، مضيفاً أنه توفيّ وغادر "لملاقاة ربه".

وبعيد إعلان وفاته تقاطر مئات المعجبين به إلى مستشفى جام في طهران إلى حيث أدخل قبل أيام قليلة في وضع حرج.

وكان شجريان يعاني من مرض السرطان منذ سنوات عدة.

وقال المستشفى في بيان إن الفنان توفي "رغم جهود الفريق الطبي" وأن جثمانه نقل ليوارى الثرى.

وشكَّل المغني والموسيقار الرحل رمزا للموسيقى الإيرانية التقليدية والتراثية لأكثر من نصف قرن.

ويعد "الاستاذ" الذي قارنت وسائل إعلام محلية شعبيته بشعبية "سيدة الغناء العربي" المصرية الراحلة أم كلثوم، رمزا وطنيا في إيران، وغالبا ما جمعته علاقة جدلية بسلطات بلاده، أكان خلال حكم الشاه، أو ما بعد قيام الجمهورية الإسلامية عام 1979.

وأسلَم شجريان الذي صارع مرض السرطان لأعوام، الروح في طهران، بحسب ما أفاد نجله همايون، وهو بدوره مغنٍّ ذائع الصيت في إيران، وله عدد من الألبومات الموسيقية مع والده.

وعلى رغم منع بث موسيقاه وأمسياته الغنائية عبر الإعلام الرسمي في إيران منذ 2009، بقي صوت شجريان، "التينور" التقي الشجي، حاضرا مع الإيرانيين، وألبوماته تباع على رفوف متاجر ومكتبات في طهران وخارجها.

إبن المقرئ من مشهد

ولد شجريان في 23 أيلول/سبتمبر 1940 لعائلة متدينة في مدينة مشهد بشمال شرق إيران، والتي تحتضن بين جنباتها مقام الإمام الرضا، ثامن الأئمة المعصومين لدى الشيعة الإثني عشرية.

كان للمحيط المتديّن أثره في طفولته، اذ بدأ وهو في سن الخامسة، بتلاوة القرآن بدفع من والده المقرئ.

على رغم ذلك، لم تكن مخيلة الطفل محمد رضا بعيدة عن إيقاع الموسيقى.

في سن الثانية عشرة، شرع في تعلمها بالخفاء عن والده، بداية على السنتور (آلة وترية تعزف باستخدام عصيين صغيرتين)، مترافقة مع "الرديف" (موسيقى تقليدية إيرانية) التي تعد مدماكا أساسيا في اكتساب مهارات الارتجال، وهو مكون رئيسي في الموسيقى الكلاسيكية المحلية.

بدأ نجم شجريان بالبروز في أواخر العقد الخامس من القرن العشرين، بصوته لا بموسيقاه. في العام 1959، خطا خطواته الأولى على درب والده، بتلاوة القرآن عبر أثير الإذاعة الرسمية.

سرعان ما ذاع صيته في مسيرة اذاعية امتدت حوالى عقدين، وانتهت باستقالته من هيئة الاذاعة الرسمية بعد أيام من "الجمعة السوداء" (8 أيلول/سبتمبر 1978)، مدينا مقتل العديد من المتظاهرين ضد نظام الشاه محمد رضا بهلوي برصاص قوات الأمن في طهران، وهي أحداث اعتبرت من المحاور الأساسية في مسار الثورة الإسلامية.

بعد انتصار ثورة الإمام روح الله الخميني في مطلع 1979 وقيام الجمهورية الإسلامية، اعتبر شجريان أن السلطات الجديدة ترغب في أن تجعل منه "موسيقيا مدجّناً" لتظهر من خلاله أنها "لا تُعارِض الموسيقى بشكل مطلق".

"هوية فارسية"

حاول شجريان الإبقاء على مسافة فاصلة عن الوضع الجديد، ووجّه بعض الانتقادات الى الطابع الإسلامي لجمهورية رأى أنها تتعارض "مع فكرة الهوية الفارسية للإيرانيين"، وأنها تسعى الى اعتماد "هوية مسلمة".

وهو قال في تصريحات لإذاعة ألمانية إن الإيرانيين "ومع قبولهم بالإسلام، لكنهم لم يخسروا ثقافتهم" الفارسية.

في العام 1997، وجه رسالة حادة اللهجة الى هيئة الأنباء والتلفزيون الرسمية الإيرانية ("إيريب")، واتهمها باستخدام أعماله من دون موافقته، الى حد فرضِ الرقابة عليها.

رفض شجريان استخدام الإعلام الرسمي لأعماله باستثناء اثنين يتألفان من آيات مجوّدة هما "مناجات" و"ربنا"، وطلب حصرَ بثّهما خلال شهر رمضان.

لكن هذا الطلب ذهب سدى، اذ لم يتم التجاوب معه من قبل الهيئة الرسمية.

وعلى هامش الاحتجاجات التي تلت إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد في العام 2009، اعترض شجريان على استخدام الإذاعة الرسمية لعمل سابق له ألّفه ضد الشاه محمد رضا بهلوي.

"زبان آتش"

خلال فترة الاحتجاجات هذه التي شهدت صدامات بين المتظاهرين وقوات الأمن، أطلق شجريان أغنية "زبان آتش" ("لغة النار" بالفارسية)، في خطوة بدت بمثابة اعتراض على قيام عناصر الأمن بإطلاق الرصاص على المحتجين، لا سيما وأن كلمات الأغنية تضمنت عبارة "ضع سلاحك على الأرض، يا أخي".

أوضح شجريان في تلك الفترة أن أعماله غالبا ما ترتبط بالوضع السياسي والاجتماعي، حتى وإن كان يغنّي أعمال شعراء طبعوا مراحل من تاريخ البلاد الثقافي الغني، مثل جلال الدين الرومي وحافظ الشيرازي.

وفي ظل آراء لم تخلُ من انتقادات سياسية، اعتبر شجريان في تصريحات سابقة أنه تفادى التوقيف بفضل شعبيته الواسعة و"سلطة" يحظى بها.

لكن التعامل الرسمي اختلف حياله مع مرّ الأعوام، اذ توقفت "إيريب" عن عرض أعماله بالكامل، وتم منعه من إنتاج أخرى جديدة في إيران.

واصل شجريان القيام بما كان يقوم به: جولات وحفلات خارج إيران، لا سيما في الولايات المتحدة حيث تقيم ابنته مجغان، المغنية التي تحول القوانين في بلادها الأم من أن تؤدي بمفردها على المسرح أمام جمهور مختلط.

قبل الرحيل، ترك شجريان إرثا زاخرا من الأعمال الموسيقية، ومعه عدد من الآلات الوترية التجريبية التي استندت الى نسخ طوّرها من آلات تقليدية.