شركات أجنبية تتورط في دوامة الفساد في العراق
بغداد – يعيق الفساد وتفشي المحسوبية في العراق التنمية الاقتصادية ويضعف مناخ الاستثمار ودخلت الشركات الأجنبية في دائرة الفساد المستشري في البلاد، حيث كشفت لجنة الاقتصاد والاستثمار في البرلمان العراقي الأحد، عن تفاصيل مثيرة تتعلق بالشركات العاملة في البلاد، وقالت إن بعضها معفية من الضرائب بغطاء سياسي.
وقال نائب رئيس اللجنة ياسر الحسيني، لوكالة "شفق نيوز" المحلية إن "هناك شركات استثمارية دخلت إلى العراق بغطاء جهات سياسية، وإنها محصنة من الضرائب والرسوم وبعضها معفية تماماً من الضرائب بدعم من تلك الجهات".
وأضاف الحسيني أن "الإعفاء الضريبي للشركات الاستثمارية أوجد إقطاعيين على حساب الأموال العراقية، وأن الإعفاء شمل شركات عاملة في مشاريع المجمعات والمدن السكنية مثل مدينة الجواهري وغيرها من المدن، إضافة إلى المشاريع الاستثمارية والتي كانت نسبة الضريبة فيها لا تتجاوز 2 بالمئة.
وأشار إلى أن "الإعفاء الضريبي للشركات الاستثمارية سواء كانت أجنبية أو عراقية، يتم عن طريق دعم جهات سياسية خدمةً لمصالحها الخاصة".
وتؤكد المصادر أن الشركات الأجنبية في العراق تتعرض للابتزاز والمطالبة بالرشوة والعمولات من قبل شخصيات سياسية فاعلة ومسؤولين حتى تتمكن من العمل،
وأضافت المصادر أن مشكلة الاستثمار والعمل في العراق ارتبطت غالباً في شركات غير رصينة وهي تعرف كيف تحمي نفسها عبر منح الأموال والرشاوى للشخصيات المسؤولة والنافذة، أما الشركات العالمية الرصينة فلا تقبل بذلك وتُفضل عدم التورط في بيئة أعمال غير نظيفة من هذا النوع.
وسبق أن أثارت السفيرة الألمانية لدى العراق كريستيانه هومان، ضجة واسعة بتصريحاتها بشأن هذه القضية، وأكدت ما أثير منذ سنوات طويلة بشأن تعرض معظم الشركات الأجنبية في العراق، لحالات ابتزاز ومطالبات بدفع الرشاوى من قِبل مسؤولين في الوزارات العراقية للحصول على عقود التنفيذ والاستثمار التي تنفذها تلك الشركات في البلاد، الأمر الذي وضع العراق دائماً في قائمة الدول ذات البيئة الخطرة وغير المفضلة للعمل والاستثمار بالنسبة للشركات العالمية الرصينة.
وقالت هومان، في مقابلة تلفزيونية في شهر مايو/أيار الماضي "نعم هناك مستثمرون ألمان طُلب منهم دفع نوع من الرشا والإتاوات مقابل حصولهم على عقود، لكنهم لم يدفعوا، فالأمر غير قانوني في بلادنا وسيقعون تحت طائلة القانون إن فعلوا ذلك".
ورأت السفيرة أن ذلك "سوف يتسبب بتعثر قضية الاستثمارات، ولن تقبل الشركات على ذلك ويدفعها للانسحاب من العراق".
وتستغل بعض القوى المتنفذة سواء المسلحة منها، والتي لديها أجنحة سياسية في الإطار التنسيقي الحاكم، أو الأحزاب السياسية، نفوذها في مؤسسات الدولة عبر مسؤولين في مناصب رفيعة لمزيد من المكاسب المالية.
كما أن نفوذ القوى المتنفذة العاملة منها خارج إطار المؤسسات الأمنية الرسمية، ساهم بشكل ما في اتساع حجم الفساد وتفشيه، مع الإقرار بصعوبة محاسبة كبار الفاسدين، أو الرقابة على أموالهم وممتلكاتهم او طرق الحصول عليها.
ورفضت السفيرة الألمانية الإجابة على سؤال حول طبيعة الشخصيات التي تمارس أعمال الابتزاز على الشركات، وإذا ما كانوا مسؤولين كباراً في الوزارة أو جماعات خارجة عن القانون، واكتفت بالإشارة إلى أن "القضية ما زالت متواصلة وتشمل معظم القطاعات الحكومية في العراق، ويجب التصدي لها بحسم".
وعن مستوى محاربة الفساد في عهد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الذي جعلها على رأس أولويات حكومته، قالت هومان إن "ما نسمعه في الإعلام أكثر بكثير مما هو في الواقع، الفساد آفة خطيرة ومحاربته ليست بالسهولة المتوقعة، ما زال الفاسدون يسيطرون على معظم مفاصل الدولة وهم بمنأى عن المحاسبة، لكن ذلك لا يمنع من الاعتراف ببعض الخطوات الجيدة التي اتخذتها حكومة السوداني في هذا الاتجاه".
وتواجه حكومة السوداني تحديات هائلة في محاربة الفساد وإعادة بناء الثقة بين الحكومة والشعب. وبرغم الإجراءات المعلنة لمكافحة الفساد، فإن العديد من المواطنين والمراقبين يشككون في جدية هذه الجهود وفي قدرتها على تحقيق تغيير حقيقي في الوضع الراهن. إذ يبدو أن الفساد أصبح جزءًا لا يتجزأ من النظام السياسي والاقتصادي في العراق، مما يجعل محاربته تحديًا كبيرًا يتطلب إرادة سياسية قوية وإجراءات حاسمة.
وأصبح الفساد الإداري والمالي عائقا رئيسيا أمام تحسين الخدمات العامة والبنية التحتية، مما يزيد من معاناة المواطنين.
ومؤخرا، أصدرت الحكومة العراقية أوامر قبض دولية شملت عددا من المسؤولين السابقين المقيمين خارج العراق في إطار ما يعرف باسم "سرقة القرن" التي تجاوزت 2.5 مليار دولار، سُرقت من "الأمانات الضريبية" بعمليات سحب نقدي غير مشروعة خلال عامي 2021 و2022.