شظايا التوتر بين واشنطن وطهران تتطاير في بغداد

استهداف المصالح الأميركية في العراق يحرج حكومة عادل عبدالمهدي ويظهر في الوقت ذاته عمق نفوذ إيران في الساحة العراقية وقدرتها على تحريك ميليشياتها كلما استدعت الضرورة.
العراق مرشح بقوة لدفع فاتورة التوتر الأميركي الإيراني
ميليشيات شيعية تتجاهل تحذيرات عبدالمهدي
إيران تظهر نفوذها من خلال وكلائها في العراق
الهجمات على الشركات الأجنبية تهدد قطاع النفط العراقي
شركات عالمية تسحب موظفيها خشية ارتدادات التوتر بين واشنطن وطهران

بغداد - يبدو العراق مرشحا بقوة لدفع فاتورة التوتر القائم بين واشنطن وطهران والآخذ في التصاعد مع غياب مؤشرات على تهدئة قريبة، حيث ترتبط بغداد بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة وأيضا مع إيران التي تغلغلت في مفاصل الدولة العراقية وتحظى بدعم ميليشيات شيعية مسلحة موالية لها.

ويقاوم رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي لإحداث توازن في العلاقات بين حليفي بلاده والخصمين في آن واحد. وسبق أن أعلن العراق أنه لن يسمح باستخدام أراضيه في أي هجوم على دولة أخرى.

لكن واقع الأمر يشير إلى أن العراق غير قادرة بالفعل على منع أي هجوم على المصالح الأميركية على أراضيه مع تواتر هجمات على أهداف للولايات المتحدة وشركات أجنبية يعتقد أن ميليشيات شيعية موالية لطهران تقف وراءها.

وتختزل الهجمات الأخيرة على المصالح الأميركية وشركات النفط العالمية المشهد المعقد في العراق والمنفتح على ارتدادات التوتر الأميركي الإيراني في الخليج مع تطاير شظاياه في الساحة العراقية.

يرى مراقبون أن الهجمات الصاروخية مجهولة المصدر التي تكررت خلال أسبوع مستهدفة مصالح أميركية في العراق تظهر عمق النفوذ الإيراني في البلاد وتضع بغداد في موقف حرج، وسط تصاعد التوتر بين طهران وواشنطن.

ولم تتبن أي جهة مسؤولية إطلاق الصواريخ الذي بدأ الجمعة الماضي، لكن معظم الصواريخ أطلقت من مناطق تسيطر عليها جماعات شيعية مسلحة موالية لإيران ومعادية بشدة للولايات المتحدة.

وسقط عدد من الصواريخ على قاعدة بلد (شمال بغداد)، تلاها هجوم على معسكر التاجي وبعدها هجوم على مركز لقيادة العمليات العسكرية في الموصل وجميع المواقع التي فيها قوات أميركية ومعدات عسكرية.

وتعليقا على هذه الهجمات، قال رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي مساء الثلاثاء إنه "منع عمل أي قوة مسلحة عراقية أو غير عراقية خارج إطار القوات المسلحة العراقية".

وأكد للصحافيين خلال مؤتمره الصحافي الأسبوعي أنه "لا يمكننا السماح لهذا بالاستمرار"، لكن بعد ساعات وقبل فجر الأربعاء، سقطت صواريخ على تجمع شركات نفطية عراقية وأجنبية في محافظة البصرة، ما أدى إلى إصابة ثلاثة أشخاص بجروح.

ويضم هذا الموقع العديد من الشركات الأجنبية والعراقية بينها شركتا إكسون موبيل وبيكر هيوز الأميركيتان.

وقال فنار حداد الخبير في شؤون العراق في جامعة سنغافورة الوطنية "هذه هي الطريقة الإيرانية لإظهار نفوذ طهران من خلال وكلائها في العراق".

وأضاف أن "هذه الهجمات لا تظهر فقط القدرة على إلحاق الضرر بالموظفين الأميركيين، ولا تحرج فقط الحكومة العراقية والشركاء العراقيين، لكنها تشكل أيضا تهديدا لمصادر الطاقة الدولية ولعمليات شركات النفط الدولية الكبرى".

ويرتبط العراق بعلاقات عسكرية ودبلوماسية قوية مع الولايات المتحدة، لكنه في الوقت نفسه قريب جدا من إيران التي تعد أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين لبغداد وتسيطر على العديد من الفصائل الشيعية المسلحة.

وعرض عبدالمهدي مرارا التوسط بين البلدين، لكن التوترات تبدو يوما بعد يوم أقرب إلى العراق الذي يعيش فترة هدوء نسبي بعد عقود من النزاعات آخرها الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

ومن أبرز نقاط الخلاف وجود القوات الأميركية على أراضيه، علما بأنها بلغت ذروتها مع انتشار 170 ألف جندي منذ أكثر من عقد، لكن الولايات المتحدة خفضتهم بعدها إلى نحو 5200 جندي ينتشرون في جميع أنحاء البلاد إلى جانب قوات عراقية.

عادل عبدالمهدي عالق بين سطوة إيران والضغوط الأميركية
عادل عبدالمهدي عالق بين سطوة إيران والضغوط الأميركية

وتعهد العراق بحماية المصالح التجارية الأجنبية على أراضيه من الهجمات، الأمر الذي يضعه في موقف "حرج"، بحسب ما ذكر الخبير في الشؤون الأمنية هشام الهاشمي.

وقال إن من شنوا الهجمات "أفشلوا خطاب الحكومة حول الاستقرار النسبي ودعوة الشركات الكبيرة للاستثمار في العراق"، فيما أكد مصدر حكومي أن المسؤولين شعروا بضغوط.

وقال المسؤول إن "القوات تكثف جهودها لمنع هذه الحالات لكن المشكلة تكمن في الجهات التي تنفذ هذه العمليات الإرهابية، إذ لديها القدرة على الوصول إلى أماكن تمكنها من القصف".

وتابع "الأماكن التي فيها المستشارون العسكريون الأميركيون والأجانب تتعرض للقصف بشكل متكرر وهذا إحراج" للحكومة.

الممرات المائية في الخليج شريان حياة بالنسبة إلى بغداد وأي قيود تفرض على الوصول إلى منطقة الشرق الأوسط ستؤذيها بشدة

وقد يكون القطاع النفطي العراقي الذي يوفر الغالبية العظمى من ميزانية البلاد، هدفا آخر عرضة للخطر. ويعد العراق ثاني أكبر منتج للنفط بين أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، ويصدر حوالي 3.5 ملايين برميل يوميا وخصوصا من البصرة (جنوب).

وتعبر هذه الصادرات مضيق هرمز الممر المائي الرئيسي الذي هددت إيران بإغلاقه في حال اندلاع نزاع مباشر مع الولايات المتحدة.

وقالت ربى حصري الخبيرة في الصناعة النفطية العراقية إن "الممرات المائية في الخليج شريان حياة بالنسبة إلى بغداد وأي قيود تفرض على الوصول إلى منطقة الشرق الأوسط ستؤذيها بشدة".

وأوضح مسؤول في إحدى الشركات الأجنبية العاملة في حقل الرميلة أن الشركات الأجنبية في الحقل وبينها اكسون موبيل وجنرال الكتريك وبيكر هيوز، طلبت من كبار موظفيها المغادرة.

وأضاف "لقد صدر إنذار أحمر من قبل الشركات الأميركية وكبار الإداريين يغادرون البلاد الأربعاء والخميس"، مشيرا إلى أن الإنذار نفسه صدر في مايو/ايار الماضي.

وكانت شركة اكسون موبيل سحبت 83 عاملا أجنبيا من حقل في البصرة منتصف مايو/ايار، لكنهم عادوا بعد ضمانات من الحكومة.

إلا أن فنار حداد قال إن "الموقف التصعيدي الذي تبنته الأطراف وعدم وجود حوار ذي مغزى يزيد من احتمالات التصعيد".