شعاب اصطناعية لحماية التنوع البيولوجي البحري شمال المغرب

الهياكل الخرسانية واحة خصبة ومنتجة تحت الماء تخلق موطنا مناسبا للكائنات الحية الحيوانية والنباتية.

تتمثل الطريقة الحديثة للتدبير والمحافظة المستدامة لموارد الصيد في إنشاء مناطق محمية بحرية وتعتبر الشعاب الاصطناعية شكلا من أشكال المناطق البحرية المحمية وهدفها هو حماية الموائل والأنواع المعرضة لخطر الانقراض وحماية مناطق الصيد التي تعد ملجأ ومكانا لنمو الأسماك الصغيرة وبالتالي المساهمة في استعادة الأرصدة السمكية.

وهذه الشعاب هي بنى تحتية اصطناعية مصنوعة من مواد مستقرة وآمنة بيئيا، عادة ما تكون الهياكل الخرسانية ذات الأشكال المختلفة التي تخلق موطنا مناسبا للإغاثة من أجل تطوير مجتمعات حيوية مختلفة وتوفر المأوى وتجذب الكائنات الحية المختلفة وفي مراحل مختلفة من حياتها.

وتشمل أهداف إنشاء شعاب اصطناعية إنشاء موائل مناسبة للأسماك والكائنات المائية الأخرى والمساهمة في الحفاظ على التنوع البيولوجي وزيادته.

تتكون الشعاب الاصطناعية من أهرامات كبيرة مكونة من كتل خرسانية ذات تجاويف وثقوب لتوفير المأوى وإنشاء موائل.

ويعود وضع الشعاب الاصطناعية تحت الماء في منطقة البحر الأبيض المتوسط بشمال المغرب لعدة أهداف من بينها الحماية ضد الصيد غير المشروع وكذا توفير أماكن للتوالد.

وتشكل الشعاب الاصطناعية مأوى لتجمعات الكائنات الحية الحيوانية والنباتية، وضعت تحت الماء ليغدو مجالها واحة خصبة ومنتجة.

هياكل خرسانية
غمر الكتل الخرسانية ذات علو سبع أمتار في عمق مياه بحر "مارتيل"

وتتكون الشعاب الاصطناعية من كتل خرسانية تتخذ أشكالا متنوعة وتصنف في ثلاثة أنواع: شعاب اقتصادية منتجة لخلق التنوع البيولوجي والكتلة الحيوية ورفع الثروة البحرية من أجل استغلالها في مجال الصيد، وشعاب بيئية للحماية تعمل على خفض الأضرار المترتبة على الصيد بالجر ضمن ثلاثة أميال بحرية، وشعاب ترفيهية تتيح ممارسة رياضة الغوص.

وبغية مواجهة الضغط المستمر الذي تمارسه الأنشطة البشرية على الساحل وفقدان الكتلة الحيوية والتنوع البيولوجي البحري باتت الشعاب الاصطناعية إحدى أدوات التنمية الحيوية مما يسمح بالتدبير المتكامل للشريط الساحلي والموارد الساحلية ويمكن أن يتعلق هذا التدبير بكل من الاستخدامات والجانب الصحي والجانب البيئي.

وسعيا وراء التنبيه بأهمية وضرورة الحفاظ على النظم البيئية البحرية الساحلية بالمغرب قام قطاع الصيد البحري بوزارة الفلاحة والصيد البحري والمعهد الوطني للبحث في الصيد البحري (INRH)، في إطار شراكة، بإعداد مشروع لتصميم وتطوير اثنين من الشعاب الاصطناعية بالمنطقة البحرية المتوسطية "مرتيل".

وتم تنفيذ هذا المشروع في إطار الاستراتيجية الجديدة لتطوير قطاع الصيد البحري (Plan Halieutis) وكذا وفق برنامج "تعزيز أدوات ووسائل حماية الموارد السمكية الوطنية".

ورصدت له ميزانية تقدر بـ37.5 مليون درهم، بتمويل من صندوق تنمية الثروة السمكية ومقره قطاع الصيد البحري بالوزارة الوصية.

وتتجلى الأهداف الرئيسية لمشروع الشعاب الاصطناعية في منطقة مرتيل في استعادة وإعادة تأهيل الموائل البحرية المتدهورة والحفاظ على التنوع البيولوجي البحري وتعزيزه والاستغلال الرشيد للموارد البيولوجية وتحسين ولوج مجتمعات الصيادين، ثم تطوير الغوص الترفيهي في هذه المنطقة السياحية.

وأظهرت نتائج الرصد من قبل المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري على فعالية الشعاب الاصطناعية كوسيلة للتنمية الحيوية للمناطق الساحلية.

الشعاب الاصطناعية
تنمية التنوع البيولوجي داخل الشعاب الاصطناعية

وتنعكس مبادرة تركيب الشعاب الاصطناعية إيجابا على البعد الاقتصادي والاجتماعي بالمنطقة، فهي بارقة أمل في أن الإنسان لا يخلق فقط أدوات تدمر الطبيعة وأنه بقليل من الخيال والوعي يمكنه إيجاد بديل ينشد الاستدامة والحكامة.

إنشاء شعاب اصطناعية تعيد الحياة إلى الحوض المتوسطي وتعتمد فكرتها على القدرة الطبيعية للأسماك وغيرها من الكائنات البحرية على إعمار الوسط البحري، إذ توفر لها المسكن وتحميها من المفترسات وتساعد في تجدد النظام الإيكولوجي البحري.

وتعد مبادرة تركيب الشعاب الاصطناعية بالمنطقة من ضمن الوسائل الحديثة لمحاربة الصيد غير القانوني، خصوصا مراكب الصيد بالجر التي تخرق القوانين البحرية وتعمد إلى استعمال شباكها في المياه غير العميقة، مما يؤدي إلى القضاء على المصايد الطبيعية وصغار الأسماك.

ويُمَكّن إنشاء هذه الشعاب الاصطناعية من زيادة الموارد السمكية بالمنطقة ولها تأثير من حيث حماية واستعادة نظام بيئي بحري غني ومتنوع من خلال إنتاج نباتات عضوية ثابتة وكائنات حيوانية وتغذية حلقات السلسلة الغذائية.

وبغية مواجهة الضغط المستمر الذي تمارسه الأنشطة البشرية على الساحل وفقدان الكتلة الحيوية والتنوع البيولوجي البحري باتت الشعاب الاصطناعية إحدى أدوات التنمية الحيوية، مما يسمح بالتدبير المتكامل للشريط الساحلي والموارد الساحلية ويمكن أن يتعلق هذا التدبير بكل من الاستخدامات والجانب الصحي والجانب البيئي.

تستخدم الشعاب الاصطناعية مواد تحاكي أنظمة الشعاب الطبيعية، مثل الخرسانة والحجر الجيري وفي حالات في بعض مناطق العالم يتم إعادة تعويم حطام السفن، لكن عادة تستخدم الخرسانة والحجر الجيري لزيادة تنوع الموائل وإثراء البيئة البحرية.

والشعاب الاصطناعية تختلف كليا عن الشعاب الطبيعية المرجانية المشيدة بيولوجيا كهيكل طبيعي تنتج من إفرازات الكائنات الحية، كما أنها لافقاريات بحرية صغيرة تشكل تجمعات يمكن أن تمتد لعدة كيلومترات.

وتحصل الشعاب المرجانية على معظم العناصر الغذائية التي تحتاجها من علاقة تكافلية مع الطحالب أحادية الخلية التي تعيش داخل الشعاب المرجانية وهي طحالب مجهرية.

وأفاد الدكتور محمد نوفل تمصوري باحث بالمعهد الوطني للبحث في الصيد البحري (INRH) بمدينة طنجة أن عملية الشعاب الاصطناعية حققت نتائج جيدة من خلال تحسين الثراء النوعي للمنطقة المستفيدة من المشروع على مستوى التنوع البيولوجي وإعادة تأهيل الموائل المتدهورة.

المراقبة
تتبع علمي من قبل الباحث الدكتور محمد نوفل تمصوري

وتابع "منذ بداية المشروع قدم معهد البحث المراقبة التقنية والعلمية من جميع الجوانب خاصة الدراسات والتشييد والتركيب، حيث يتم إجراء المراقبة العلمية للشعاب الاصطناعية عن طريق الغوص تدريجيا مع استمرار تقدم الوضع".

وأضاف أنه بمجرد وضع جميع الكتل الخرسانية المجزأة تم إجراء المراقبة الفيزيائية والبيولوجية للشعاب الاصطناعية المغمورة كل ثلاث أشهر، لرصد سلوك الكتل الخرسانية المتفرقة وتأثيرها على البيئة من جانب المراقبة الفيزيائية وتطور استيطان الكتل من قبل الأنواع المختلفة من الحيوانات والنباتات وذلك لتقييم تأثيرها الجذاب على الأسماك من حيث المراقبة البيولوجية.

وأظهرت النتائج الأولى المسجلة استيطانا جديدا يحدث تدريجيا، أولا بتدخل الأنواع الرائدة وأخرى تحل بسرعة محل بعضها البعض، ثم يتباطأ هذا التعاقب مع استقرار الأنواع في مراحل النضج والتي عادة ما يكون لها عمر أطول.

ويلاحظ سرعة هذا التنظيم لمجتمع الأنواع إلى حد ما اعتمادا على العمق وإعدادات الموقع وفق الدوران الهيدرولوجي.

وأشار تمصوري إلى أنه منذ بدء غمر الكتل الخرسانية سجل استمرار وزيادة الثراء النوعي للمستوطنات داخل الشعاب المرجانية.

في البداية تتميز هذه المرحلة بتثبيت الغشاء الحيوي والذي بدأ في اليوم الخامس عشر، بعد ذلك تم تغطية الهياكل المغمورة بالطحالب من مختلف الأنواع وسرعان ما استوطنت اللافقاريات والإسفنجيات وتجمع اليرقات الموجودة في العوالق ومن المرجح أن تستقر وتستضيف آلاف الأنواع من الأسماك والرخويات والقشريات وغيرها، لذلك فإن هذا التجمع للأنواع يكون مصادفة مع عدم وجود علاقة بيولوجية فيما بينها.

وفي نهاية الشهر الرابع تجلت العديد من الأنواع الجديدة التي شكلت لها الشعاب الاصطناعية، فضلا عن المأوى، منطقة الغذاء وكذا منطقة تكاثر وتوالد لآخرين كما هو الحال بالنسبة للحبار.

ومنذ 12 شهرا ظهرت زيادة ملحوظة في عدد الأفراد والأنواع المتنقلة، مما يؤكد التأثير الجذاب للشعاب الاصطناعية.

تم إنتاج هذا التقرير بدعم من شبكة صحافة الأرض التابعة لـ"إنترنيوز" كجزء من "مبادرة الإعلام المتوسطية"