"شغف التجربة والاكتشاف" يحتفي بإبداعات ناجي شاكر

إدارة المعارض والمقتنيات الفنية بمكتبة الإسكندرية تنظم معرض "ناجي شاكر - شغف التجربة والاكتشاف" الذي يضم مجموعة من أعماله في مراحل إبداعه المختلفة.
اسم ناجي شاكر ارتبط بفن عرائس المسرح منذ بداياته الأولى في مصر
أعمال الفنان المصري تعبِّر عن روح الهواية، وطابع المغامرة في السعي نحو التجريب والاكتشاف

يعد الفنان ناجي شاكر أحد اهم مبدعي فنون الديكور ورائد فن تصميم العرائس حيث رسم بخطوطه الإبداعية العديد من المسارات الفنية المختلفة في السينما والمسرح، تخرج من كلية الفنون الجميلة عام 1957 قسم الديكور بمشروع دبلوم عن العرائس، واختير للاشتراك في إنشاء مسرح العرائس، فصمم عرائس وديكور مسرحية "الشاطر حسن" 1959 التي افتتح بها أول عرض لمسرح العرائس بمصر. وعين معيداً بكلية الفنون الجميلة قسم الديكور عام 1959. وصمم ديكور وعرائس العرض الثاني لمسرح العرائس "بنت السلطان". وصمم عرائس "أوبريت الليلة الكبيرة" كلمات صلاح جاهين وغناء سيد مكاوي التي اشترك بها المسرح في مهرجان بوخارست الدولي للعرائس والتي فازت بالجائزة الثانية عن تصميم العرائس والديكور، وقام بتصميم عرائس وإخراج أوبريت "حمار شهاب الدين". 
وفي المسرح صمم ديكور وملابس مسرحيات مثل "سهرة مع الجريمة" 1966 لتوفيق الحكيم وإخراج حسن عبدالسلام للمسرح الحديث، و"الزير سالم" لألفريد فرج وإخراج حمدي غيث للمسرح القومي، و"شغل أراجوزات" إخراج أحمد اسماعيل، و"الولد والعصفور". وفي السينما قام بالإشراف الفني وتصميم الديكور والملابس لفيلم "شفيقة ومتولي" بطولة سعاد حسني وأحمد مظهر وأحمد زكي وإخراج علي بدرخان، عمل حتى رحيله أستاذاً غير متفرغ بكلية الفنون الجميلة بالزمالك شعبة الفنون التعبيرية.
تكريما لرحلة ناجي المبدع والفنان نظمت أخيرا إدارة المعارض والمقتنيات الفنية التابعة لقطاع التواصل الثقافي بمكتبة الإسكندرية، معرض "ناجي شاكر - شغف التجربة والاكتشاف" الذي ضم مجموعة من أعماله في مراحل إبداعه المختلفة بدءًا من المرحلة الثانوية أثناء دراسته بمرسم الفنان الإيطالي كارلو مينوتي، وأثناء تدربه بمدرسة ليوناردو دافنشي مع دافورنو حتى التحاقه بكلية الفنون الجميلة عام 1952. كما ضم مجموعة من اللوحات من مرحلة دراسته بالكلية، وكذلك من مشروع تخرجه عام 1957 والذي تناول شخصية "عقلة الأصبع" من القصص الشعبي.
كما ضم المعرض تصميمات عدة أعمال مهمة شارك في تقديمها لفرقة "القاهرة للعرائس" مثل ديكور وعرائس مسرحية "الشاطر حسن"، بالإضافة إلى عرائس مسرحيات أخرى. إلى جانب مجموعة من التصميمات لديكورات وأزياء عدد من العروض المتميزة التي ساهم بها في إثراء المسرح المصري مثل ديكور مسرحية "سهرة مع الجريمة" وغيرها. كما عرض مجموعة من التجارب الضوئية لمعرض "حديث الضوء" الذي قدمه عام 2015 والذي يعتبر استكمالًا لأبحاثه في الإضاءة والمسرح.
تعبِّر أعمال ناجي عن روح الهواية، وطابع المغامرة في السعي نحو التجريب والاكتشاف؛ فبسبب تنوع مصادر المعرفة إلى جانب تجاربه الفنية؛ تشبَّعت اهتماماته وتنوعت من الحركة التشكيلية إلى المسرح، والعرائس، والسينما، وفنون العرض بشكل عام بالإضافة إلى إلمامه بعلاقة كل هذه الفنون بعضها البعض.  

ارتبط اسم شاكر بفن عرائس المسرح منذ بداياته الأولى في مصر، فقد ساهم في نشأة مسرح العرائس المصري، وشارك في تقديم عدة أعمال مهمة وقدَّم في السينما الفيلم التجريبي "صيف 70"، وهو الآن من مقتنيات متحف الفن الحديث في نيويورك، بالإضافة إلى ذلك فقد استكمل أبحاثه في الإضاءة والمسرح كما ظهر في معرض "حديث الضوء. أما في مجال التصميم الجرافيكي، فقدَّم ناجي شاكر إبداعات فنية قيِّمة في عددٍ كبيرٍ من المجالات؛ ومنها: تصميم الشعارات لعدد من المراكز والهيئات، أو لبعض المناسبات التذكارية والفنية، وتصميم أفيشات سينمائية، ورسم وتصميم عدد كبير من أغلفة الكتب، وكذلك الرسوم الداخلية ببعض المجلات. تعزَّزت نجاحات شاكر في مجالات العرائس، والمسرح، والسينما، والدعاية، والإعلان باعتماده الأساسي على طابع المغامرة وروح الهواية، تلك التي حفزت دائمًا قدراته الفنية وطاقاته الإبداعية. وقد كُرِّم ناجي شاكر في محافل دولية مختلفة، كما حصل على جائزة الدولة التقديرية عام 2015.
وفي حوار لناجي مع الكاتبة أماني عبدالحميد تطرق لبداياته حيث أشار إلى أنه أحب العرائس منذ الصغر، وأضاف "أذكر أن مربيتنا الفلاحة الصبية روحية كانت تلملم بعض صفحات الجرائد القديمة لتصنع لي ولإخوتي عروسة ثم تدب في رأسها الدبوس لتحمينا من عيون الناس، كانت تلك العروسة ذات الرأس الممتلىء بالثقوب تثير في عقولنا الخيال، وترسخت في ذهني أن تلك العروسة الورقية لا بد أن يكون لها قدرات خارقة، ومعها بدأ الحلم بأنه سيأتي اليوم الذي سأتمكن من فك شفرة تلك العروسة وأتعرف على أسرارها، مع العلم أن الفضل يعود لأمي لأنها أول من شجعني على الرسم على يد فنان إيطالي من سن 13 عاما، كنت أرسم لساعات في البيت ثم دخلت فنون جميلة بجدارة، ثم اجتذبتني العرائس وجعلت مني فنانا كالنحلة أتنقل بين مختلف الفنون من مسرح وتليفزيون وسينما. 
وفي الجامعة كنت في كلية الفنون الجميلة وكغيري كان داخلي تعطش شديد للفن والمعرفة، كنا كطلبة نطوف على السفارات الأجنبية لاستعارة أحدث الأفلام لنشهدها سويا بشكل أسبوعي، وفي إحدى المرات عثرت على فيلم لفنان تشيكوسلوفاكي شعرت معه بالسحر حيث قدم فيلما مدته 50 دقيقة عن مسرحية حلم ليلة صيف "أبطاله عرائس"، إنها مذهلة، عشقتها بجنون. وهنا بدأت رحلة البحث عن كل مفردات عالم العرائس الساحر، بل إن مشروع تخرجي كان عبارة عن عرائس، وقتها أساتذتي استنكروا قراري لكنهم سمحوا لي لأنني كنت أول دفعتي، وبالفعل قدمت عروسة "عقلة الصباع" كمشروع للتخرج. 
وأضاف: الصدفة البحثة قادتني لدخول عالم العرائس والاحتراف فيه، قدمت عروستي "عقلة الصباع" ضمن معرض جماعي لمشروعات التخرج ووقتها قام د.علي الراعي بزيارة المعرض، وكان رئيسا لهيئة المسرح. كان على دراية بفنون العرائس، فلم تعد مقصورة على الأرجواز وخيال الظل بل هناك فن مسرحي متكامل العناصر من العرائس، وكنت أحب حضور الموالد وتأمل البشر ودراسة شخصياتهم وتعابيرهم وأرسم اسكتشات لكل الناس من أطفال ونساء ورجال وعواجيز.. وأركب الدرجة الثالثة بالقطار وأجلس في ركن لأرسم الركاب. تعرفت على فرقة رومانية تقدم فننون العرائس المسرحية، وكانت من أفضل الفرق على مستوى العالم، تم استضافتها لتقديم عروضها في مصر، ووقتها قررت إنشاء مسرح للعرائس بالتعاون معهم، وكان الاتفاق أن يقوموا بتدريب فرقة مصرية عن طريق الاستعانة بخبراء في فن تصنيع العروسة وفن تحريكها.. وكانت عروستي هي سبب دخولي، حيث تم ترشيحي لأشارك في تأسيس أول مسرح عرائس في مصر، ومن هنا بدأ الحلم في التحقق وتحديد مصير حياتي كلها. 
وقال: لم أشعر بالخوف على الإطلاق، كنت أشعر بالانبهار، كنت وقتها أقوم بمشاهدة عروض الفرقة الرومانية ثم أدخل الكواليس لمراقبة فناني التحريك داخل الغرفة المظلمة لأتعرف على أسرار العالم العجيب، وعندما عرضوا عليّ الانضمام كانت سعادتي غامرة، لم تكن هناك ميزانيات أو مكافآت أو أجور لكن ذلك لم يؤثر على قراري، بدأت العمل بالفعل وكنت أقوم بكل مهمات المسرح وقتها، الإعداد والبناء والإضاءة والتحريك وغيرها من المهام المطلوبة، لمدة ثمانية أشهر إلى حين اختيار أعضاء المسرح. العرض الأول كان "الشاطر حسن" ومن حسن حظي أن العرض كتبه صلاح جاهين الذي انبهر عندما شاهد العرائس، كانت شخصية رائعة وطلب مني تعليمه كيفية تحريك العرائس، كنا نقضي أوقاتا ممتعة داخل مسرح العرائس، فقدمنا عروض "الليلة الكبيرة" و"حمار شهاب الدين".

وعن عمل ناجي "دقي يا مزيكا" الذي كتبه الفنان حسين بيكار "استعان ناجي في مسرحية دقي يا مزيكا بعنصر العرائس التقليدية والعنصر الآدمي، والدمى المسطحة والكاريكاتير وجعلها تتداخل وتتشابك وتتلاحم وتتعايش في ديناميكية مثيرة وتتابع سلس مشوق. إن هذه المسرحية تعتبر نموذجاً طيباً للدور البارع الذي يمكن أن يؤديه الفن التشكيلي كموصل جيد للأفكار، وكعنصر فعال للتوعية والنقد والتوجيه، عندما يلتقي بالنص الجيد واللحن الجميل في عمل فني متكامل.
ويتحدث الفنان أحمد فؤاد سليم عن إبداعات ناجي قائلا: جدير بنا أن نعيد إلى ذاكرتنا صورة الفنانة النادرة سعاد حسني في "شفيقة ومتولي" 1978، ومجموعة الأزياء التي صممها لها ناجي شاكر حين تولى الإشراف الفني على الفيلم، وكيف كانت تبدو في ملابس العشق، وكيف اختار لها غطاء الرأس وكأنها متوجه برغم إثمها، وكيف اختار لها رداءً آخر بلون قرمزي ملكي يتراسل حتى قدميها، ناجي شاكر صمم للسندريلا وللأسطى عمارة في درب شكمبة! فبدت وكأنها حورية نهضت من بين آلهة الإغريق. إن الذين خرجوا يوم ذاك بعد مشاهدة "شفيقة ومتولي" ما كان لهم أن يختاروا اسماً آخر لسعاد حسني سوى "سندريلا"، كان كذلك الشاطر حسن في رائعة صلاح جاهين، وكانت كذلك الليلة الكبيرة من بائع الممبار، إلى لاعب "الناشنكان" إلى الراقصة اللولبية التي تغني للعشق. فلم تكن البطولة وحدها تركز على أشعار صلاح جاهين، ولا على موسيقى سيد مكاوي، ولا على إخراج صلاح السقا وحدهم، وإنما كان هناك ناجي شاكر الذي وضع معجزة التشخيص لعناصر العرض بين هؤلاء. أليس إذن من العدل أن نذكر لواحد من أصحاب الفضل فضله، وهل لنا أن نقلع عن تلك العادة الجاهلة التي تنسب العمل الفني الجماعي لعنصر واحد من عناصر الإبداع، فنظلم بذلك المبدعين الآخرين وننفيهم من ذاكرة التاريخ.
وعن رؤيته التشكيلية كتب الفنان يوسف فرنسيس: لقد ألغى ناجي شاكر الحوار تماماً وركز لغته التعبيرية في فن تشكيلي مستغلاً الإضاءة والحركة. إن النقطة والخط والمساحة تتحرك كلها في تجريد جميل داخل مساحة المسرح السوداء لتكون أشكالاً ذات معنى تتنوع في تتابع رائع. إن فهم ناجي للقيم الجمالية للعلاقات التشكيلية البحتة بين الخط والمساحة وبين اللون والحركة والموسيقى جعلته يجند كل هذه الإمكانات في قصة إنسانية أو مضمون اجتماعي يصل إلى مشاعر المتفرج في يسر وسهولة.